أولويات عمل المؤسسات الإسلامية
لقد تعددت مظاهر "الإخلال بالأولويات" في عمل المؤسسات والأفراد، فقدّم ما حقه التأخير، وأخّر ما حقه التقديم، ومن أمثلة ذلك:
- تقديم الفروع والجزئيات على الكليات والقيم الإنسانية المشتركة.
- تأخير ملف الأسرة وقضايا الهوية والوجود، حيث يجب أن تتقدم وتسبق.
- تقديم احتياجات الجيل الأول على الشباب والناشئة والأطفال.
- تقديم الترخيص والاستثناء على التأصيل والإنشــاء.
النتائج:
1- "ترتيب الأولويات" مسلك يقتضيه العقل، وتدعو إليه الحاجة. وينضبط السلوكُ البشري في تقديمه لهذه الأولويات بجملةٍ من المعايير العقلية، ويخضع في ذلك لمنظومات الفِكَر والعقائد والقيم التي صاغت ثقافتَه وشكّلت هويتَه.
2- "فقه الأولويات" يتناول كل مناحي النشاط الإنساني من تربية ودعوة وسياسة واجتماع، فهو "فقه معياري" ومنطق عام ينظِم مراتبَ الأعمال، ويعطي لكل مرتبة حقها، فيقدم ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، وفق منهاج منضبط. ويمكن وضع بعض الموازين لتحديد هذه الأولويات.
3- تدور "المقاصد الأصلية" للدعوة الإسلامية على ركنين أساسيين هما:
- حث
المسلمين على المحافظة على دينهم، والارتقاءِ بالتدين فهماً وتنزيلاً.
- تعريف غير المسلمين بالإسلام وترغيبهم في تعاليمه، ودفع الشبهات عنه.
4- من أهم "التحديات الواقعة" ذات الأولوية القصوى تأتي القضايا الكلية التالية:
الحفاظ على الهوية الدينية، وتقوية الأسرة المسلمة، وتحقيق الاندماج الراشد، خاصة في المجتمعات التي يشكل فيها المسلمون أقلية.
5- أولوية الفرد المسلم والمؤسسات الإسلامية في الدول التي يهاجر إليها المسلم، وخاصة الدول ذات الأغلبية غير المسلمة، هي العمل على استفراغ الجهد، وبذل الوقت والمال للعمل في وطنهم الذي هاجروا إليه، والإسهام في بنائه وصناعة حضارته، انطلاقاً من القيم الحضارية الإسلامية، وخدمة قضايا الأمة المسلمة الواقعة والمتوقعة، ومراعاة نظم المجتمعات وأعرافها، وتحقيق القبول المجتمعي لها، دون تفريق على أساس الدين أو الجنس أو اللون، ودون إخلال بمقاصد الوجود الإسلامي في الدول التي يعيشون فيها ومصالح المسلمين في هذا القطر أو ذاك. وذلك بناء على أدلة شرعية وعقلية منها:
- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم مهاجري الحبشة على المكوث فيها، حتى بعد هجرته إلى المدينة، حيث لم يعد بعضهم إلا عام خيبر، سنة سبع للهجرة.
- توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لعدد من الصحابة الكرام بالبقاء بعد إسلامهم في أوطانهم وبين قومهم دون الانتقال للعيش بجواره في المدينة، كما في حديث فُديك والطُفيل بن عمرو الدوسيّ وغيرهما.
- القياس على أن الأصل عدم جواز نقل الزكاة من بلد المزكي إلى بلد آخر؛ إلا إذا عُدم المستحقون لها في بلده أو فضلت عن حاجتهم، فكذلك لا يجوز نقل جهد ووقت وكفاءات العاملين إلي خارج تلك الدول التي يعيشون فيها، خاصة مع تعدد الفراغات وعظم الحاجات وقلة الإمكانات للمسلمين في المهجر.
- ما يقع بذلك من تفويت مصالح راجحة لمسلمي المهجر، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وهذا وصف ينطبق على من يقدم مصالح المسلمين الخارجية على مصالح وطنه الذي يعيش فيه، والحفاظ على الظهر وبلوغ المقصد يكون بالعمل على تحقيق حاجات الوجود الإسلامي في المهجر. أما خدمة قضايا الأمة، فمكمل لا يصح أن يعود على الأصل بالإخلال أو الإبطال.
- تطبيق "المبادئ الأصولية والقواعد الفقهية" ينتج أولوية عمل المسلم في وطن إقامته، والتفاعل مع قضايا الأمة بما لا يخل بأصل احتياجات وطن الإقامة، ومن ذلك:
* عند تزاحم مفسدة مخلة بضروري مع مفسدة مخلة بحاجي ترتكب المفسدة المخلة بالحاجي للحفاظ على الضروري، وترك العمل وفق حاجات البلدان لخارج بلاد المهجر، وإن كان مفسدة مخلة بالحاجي، فإنها أخف من مفسدة الإخلال بالضروري، وهو العمل وفق احتياجات وطن الإقامة الذي هاجر إليه.
* ما ليس له بدل اضطراري أولى بالتقديم على ما له بدل، كوجود ماء يكفي لاغتسال الجنب، ونفس تحتاج للماء، فتقدم حاجة النفس على الاغتسال؛ لأن له بدلاً اضطرارياً وهو التيمم. فالوجود الإسلامي في المهجر يحتاج لكل الكفاءات والطاقات وليس له بدل، والعمل خارج المهجر بدائله متعددة معروفة.