هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن تعامل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع معضلات السياسة الخارجية عبر تغريداته على تويتر ليصبح العالم رهينة قرارات الرئيس المفاجئة التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه على الرغم من تأثر الأمريكيين بالمشاكل الداخلية التي تسيطر على المشهد السياسي الأمريكي، إلا أن قادة العالم وسكان الشرق الأوسط باتوا أكثر قلقا بشأن التحولات والتغيرات في مخططات ترامب حول سحب القوات الأمريكية من سوريا.
وأفادت الصحيفة أنه خلال الأسابيع الأخيرة، عاشت إدارة ترامب مشهدا سياسيا خارجيا، خاض فيه كبار المسؤولين، بمن فيهم الرئيس نفسه، صراعا علنيا بسبب خلافاتهم حول سوريا ومستقبل الشرق الأوسط، عبر سلسلة من التصريحات المربكة وأخرى مضادة، فضلا عن التأكيدات والتضاربات حول ما تعتزم الولايات المتحدة القيام به وما لا تنوي فعله.
في الحقيقة، يغلب على المشهد السياسي الأمريكي الفوضى. وعندما يصدر قرار مماثل عن القوة العظمى الأولى في العالم في قضية محورية مثل سوريا، يعني ذلك أن هناك خطأ ما.
وذكرت الصحيفة أن سياسة الولايات الأمريكية المتعلقة بسوريا تعتبر خير دليل على وجود خطأ ما في الطريقة التي تتخذ بها إدارة ترامب قراراتها، كما يمكن اعتبار ذلك بمثابة دراسة حالة حول السبب وراء حاجة الولايات المتحدة لاتباع إجراءات فعالة لتخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية. ودون اتباع هذه الإجراءات، شاهد العالم بأسره ما نتج عن ذلك من فوضى مع احتمال زيادة زعزعة الاستقرار في المناطق غير المستقرة، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة حليف غير ملتزم وغير جدير بالثقة.
اقرأ أيضا: NYT: لماذا لا ينجح فريق ترامب بتقديم بعض الشعبوية الكاذبة؟
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب صدم العالم يوم 19 كانون الأول/ ديسمبر عندما نشر رسالة على تويتر أعلن فيها أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها المؤلفة من 2000 جندي من سوريا، حيث قال: "إن الجنود سيعودون إلى وطنهم الآن لأن تنظيم الدولة قد هزم".
وكان رد الفعل على هذا التصريح سريعا وانتشر الذعر على نطاق واسع. مع ذلك، كانت هناك بعض الاستثناءات من بينها إشادة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بهذا القرار، مشيرا إلى أن "ترامب على حق في اتخاذ هذه الخطوة".
ونتيجة لقرار الانسحاب المفاجئ من سوريا، أرسل وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، رسالة استقالته على الفور، حيث تضمنت انتقادات لاذعة لترامب، كما أخبره فيها أن قوة الولايات المتحدة مستمدة من تحالفاتها وشراكاتها ومن وجهة نظرها الواضحة حول أعدائها ومنافسيها الاستراتيجيين في المنطقة.
وأفادت الصحيفة أنه خلال اجتماع في مجلس الشيوخ، أدان السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، قرار الرئيس مشيرا إلى تداعياته الكارثية على الأمن القومي وأنه بمثابة وصمة عار على شرف الولايات المتحدة. الجدير بالذكر أن العديد من الحلفاء الأوروبيين الذين لديهم قوات في سوريا حاولوا إقناع الرئيس الأمريكي بالعدول عن هذا القرار.
وبينت الصحيفة أن ضعف التخطيط في إدارة ترامب بدا واضحا للجميع. فقد أكد مسؤولون من البنتاغون أنهم تلقوا أوامر بالانسحاب خلال 30 يوما، لكن ترامب بدأ يتراجع عن قراره وسط الغضب المنتشر، الأمر الذي دفعه لإرسال مستشار الأمن القومي، جون بولتون، ووزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى الشرق الأوسط لتهدئة الأوضاع هناك.
اقرأ أيضا: WP: خسر ترامب سوريا فهل يخسر المنطقة كلها أيضا؟
وقالت الصحيفة إنه بالعودة إلى واشنطن، يبدو أن الجدول الزمني للانسحاب من سوريا طرأت عليه بعض التعديلات، حيث يدعي ترامب زورا أنه لم يحدد توقيت الانسحاب قائلا: "لم أذكر أبدا أن هذه الخطوة ستحدث بسرعة أم ببطء" (في الواقع، أكد أن الانسحاب سيتم "الآن"). في هذه الأثناء، سافر بولتون إلى إسرائيل، حيث كانت الحكومة هناك حريصة على عدم انتقاد ترامب في العلن، مؤكدة فقط أن إسرائيل تستطيع الدفاع عن نفسها وسوف تواصل ذلك.
وفي هذا السياق، قال مسؤول إسرائيلي بارز إن "الحكومة في حالة صدمة. في الحقيقة، لا يعرف ترامب حجم التواجد العسكري الإيراني في المنطقة". ولم يكن تصريح ترامب حول إيران الذي قال خلاله "يمكنهم فعل ما يريدون في سوريا" مفيدا بالنسبة لإسرائيل.
وأوردت الصحيفة أن بولتون أدلى بتصريحات كانت بمثابة منعطف حاد، حيث أخبر المراسلين بأن القوات الأمريكية ستبقى متواجدة في سوريا حتى هزيمة آخر مقاتل من تنظيم الدولة وحتى تقدم تركيا ضمانا بأنها لن تهاجم حلفاء واشنطن الأكراد. أما في تركيا، فقد كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، غاضبا ورفض مقابلة بولتون عند وصوله إلى أنقرة. كما أعلن وزير الدفاع التركي بنبرة تحدي عن الاستعدادات "المكثفة" من قبل تركيا لضرب القوات الكردية.
من جهته، أعلن بومبيو أن تهديدات أردوغان الموجهة ضد الأكراد لن توقف قرار ترامب بشأن الانسحاب من سوريا. وقد كشفت تصريحات بولتون أن قرار الانسحاب قد وقع تأجيله إلى أجل غير مسمى، فيما اقترح بومبيو، الذي كان يعارض الانسحاب سرا، حدوثه، لكنه أخبر حلفاء واشنطن العرب، الذين سيطر عليهم الارتباك بسبب التغير المفاجئ في قرارات ترامب، بأن الولايات المتحدة ملتزمة بطرد "جميع الجنود الإيرانيين من سوريا". وأكد أن قرار الانسحاب من سوريا لا يتجاوز كونه مجرد "تغيير تكتيكي".
وفي الختام، أوضحت الصحيفة أن هذه الفوضى التكتيكية والاستراتيجية التي تسيطر على سياسات الولايات المتحدة أسفرت على شعور حلفاء واشنطن بالخيانة. ويعرف الأكراد أن ترامب قد أدار ظهره لهم فجأة، بغض النظر عن كيفية تجسيد سياسته. كما تعرضت تركيا لتهديدات شديدة اللهجة من قبل الرئيس الأمريكي، بينما كانت كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وأي شخص يتابع الأوضاع السياسية، شاهدة على سياسة واشنطن التي لا يمكن التنبؤ بها.