هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمؤرخ المعروف آفي شلايم، تحت عنوان "عشرة أعوام بعد الحرب الأولى على غزة لا تزال إسرائيل تخطط للقوة الغاشمة".
ويبدأ شلايم مقاله بالقول: "في هذا الشهر تمر الذكرى العاشرة على أول هجوم عسكري ضد مليون فلسطيني في قطاع غزة، فبعد أن انسحبت بقرار فردي من غزة في عام 2005، حولت إسرائيل المنطقة إلى أكبر سجن مفتوح على وجه البسيطة، فالعلامتان اللتان ميزتا معاملة إسرائيل لغزة كانتا الكذب والوحشية المطلقة ضد المدنيين".
ويضيف المؤرخ: "في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 شنت إسرائيل عملية الرصاص المسكوب، حيث دكت قطاع غزة المأهول بالسكان من الجو والبر والبحر لمدة 22 يوما، ولم تكن حربا، أو حتى حربا غير متماثلة، بل كانت مذبحة من طرف واحد، وقتل فيها 13 إسرائيليا، ومات من الغزيين 1417 شخصا، بمن فيهم 313 طفلا، وأكثر من 5500 جريح، وبحسب أحد التقديرات، فإن نسبة 83% من القتلى كانوا مدنيين، وزعمت إسرائيل أنها قررت التحرك للدفاع عن مدنييها ضد صواريخ حركة حماس".
ويستدرك شلايم في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بأن "الأدلة تشير إلى حرب عدوانية عقابية مقصودة، وقد كان لدى إسرائيل خيار دبلوماسي لكنها قررت تجاهله واللجوء إلى القوة العسكرية، ففي حزيران/ يونيو 2008 قامت مصر برعاية اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، الحركة الإسلامية التي تسيطر على غزة، ونص الاتفاق على أن يوقف الطرفان الأعمال العدائية، وأن تقوم إسرائيل تدريجيا بتخفيف الحصار غير القانوني الذي فرضته على القطاع منذ حزيران/ يونيو 2007، وكان الاتفاق ناجحا بشكل كبير حتى انتهكته إسرائيل في مداهمة قتلت ستة من مقاتلي حركة حماس في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر".
ويشير الكاتب إلى أن الاتفاق أدى إلى خفض وتيرة الصواريخ من 179 صاروخا في النصف الاول من عام 2008، إلى ثلاثة ما بين حزيران/ يونيو وتشرين الأول/ أكتوبر.
ويقول شلايم إن قصة الفرص الضائعة كانت موضوع حديث بينه وبين أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في واشنطن، والمستشار في شؤون حل النزاعات في الشرق الأوسط في مركز كارتر روبرت باستور، وهذا ما قاله باستور للكاتب في مكالمة هاتفية بينهما، وأكدته لاحقا الدكتورة ماري إليزابيث كينغ، المقربة من الرئيس كارتر في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2013، أي قبل شهر من وفاة باستور، والتقى باستور مع مدير المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2008.
ويلفت المؤرخ إلى أن "خالد مشعل قدم لباستور مقترحا مكتوبا حول كيفية إعادة وقف إطلاق النار، وفعليا كان المقترح دعوة لتجديد وقف إطلاق النار الموقع في حزيران/ يونيو 2008، وبناء على الشروط الأصلية، وسافر باستور بدوره إلى تل أبيب، والتقى مدير مكتب الشؤون السياسية في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد، ووعد الأخير بأنه سيقوم بتمرير المقترح مباشرة لوزير الدفاع إيهود باراك، وتوقع الحصول منه على إجابة في تلك الليلة أو اليوم التالي، وفي اليوم التالي هاتف باستور مكتب جلعاد ثلاث مرات دون أن يحصل على رد، وبعدها بقليل شنت إسرائيل عملية الرصاص المسكوب".
ويورد شلايم أنه "في البريد الإكتروني الذي أملاه باستور على ابنه وهو على فراش الموت، ومنحني صلاحية نشره، ونسبة ما ورد في القصة إليه، قال: (إنها لحظة مهمة في التاريخ، ويجب عليها القبول، إن إسرائيل كان لديها في كانون الأول/ ديسمبر 2008 بديل عن الحرب) وكانت بالتأكيد لحظة مهمة وأرسلت رسالة واضحة: فإذا كان الهدف الحقيقي هو حماية المدنيين فكل ما كانت تحتاجه هو اتباع مثال حركة حماس والحفاظ على وقف إطلاق النار".
ويقول المؤرخ إن "ممارسة إسرائيل في الحرب الأولى كانت محلا للتدقيق من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي أرسل لجنة تقصي حقائق ترأسها القاضي المعروف في جنوب أفريقيا ريتشارد غلادستون، الذي كان يهوديا وصهيونيا، ووجد غلادستون وفريقه أن حركة حماس وقوات الدفاع الإسرائيلية ارتكبت انتهاكات لقوانين الحرب التي أضرت بطريقة مقصودة بالمدنيين، وتم شجب القوات الإسرائيلية أكثر من حركة حماس بناء على حجم الانتهاكات وخطورتها".
وينوه شلايم إلى أن فريق غلادستون حقق في 36 حادثا للجيش الإسرائيلي علاقة بها، ووجد الفريق أن إسرائيل شنت في 11 حادثا هجوما مباشرا على المدنيين بنتائج فتاكة، فيما تم قتل 7 مدنيين عندما خرجوا من بيوتهم رافعين الأعلام البيضاء، بالإضافة إلى هجوم مقصود ومباشر على مستشفى وعدد من الحوادث، منعت فيها سيارات الإسعاف من الوصول للجرحى الذين أصيبوا بجراح خطيرة، وتسع هجمات على بنى تحتية مدنية لا أهمية عسكرية لها، مثل مطاحن الحبوب والمجاري وآبار المياه، مشيرا إلى أن "هذا كله جزء من حملة لحرمان المدنيين من الحاجات الضرورية، وبحسب تعبير التقرير، فإن هذا الضرر الفادح (لم يكن مبررا بضرورة عسكرية، وتم شنه بطريقة غير قانونية وتعسفية)".
ويبين الكاتب أنه في نتيجة التقرير، الذي جاء في 575 صفحة، فإنه لاحظ أن الحكومة الإسرائيلية حاولت تصوير العملية على أنها رد ضروري لهجمات الصواريخ وأنها كانت ضرورة للدفاع عن النفس، "وترى البعثة أن الخطة استهدفت، في جزء منها على الأقل، هدفا مختلفا، وهو سكان غزة بالكامل"، وبناء على هذه الظروف "تستنتج البعثة أن ما حدث على مدار ثلاثة أسابيع في نهاية 2008 وبداية عام 2009 كان هجوما مقصودا وغير متناسب لمعاقبة وإهانة وترويع السكان المدنيين والقضاء على اقتصادها المحلي".
ويقول شلايم إنه "يجب التأكيد على ما ورد بأن الخطة كان الهدف منها ترويع المدنيين، فالإرهاب هو استخدام القوة ضد المدنيين لتحقيق أهداف سياسية، وبناء على هذا التعريف فإن عملية الرصاص المسكوب تعد فعلا إرهابيا، فالهدف السياسي كان إجبار السكان على رفض حركة حماس التي فازت بالغالبية الساحقة في انتخابات كانون الثاني/ يناير 2006".
ويرى الكاتب أن "عملية الرصاص المسكوب هي رمز لكل شيء خطأ في النهج الإسرائيلي تجاه غزة، فالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو صراع سياسي لا يمكن حله بالطرق العسكرية، لكن إسرائيل مصرة على تجاهل الدبلوماسية والاعتماد على القوة المفرطة، وليس ملجأ أخيرا، لكن الملجأ الأول، وهناك مثل إسرائيلي يقول (إن لم تنفع القوة استخدم قوة أكثر)".
ويذهب شلايم إلى أن "عملية الرصاص المسكوب كانت واحدة من سلسلة حروب صغيرة على غزة، وتبعتها عملية عمود السحاب في تشرين الثاني/ يناير 2012، وعملية الجرف الصامد 2014".
ويعلق الكاتب قائلا إن "الأسماءالمبهرة مجرد احتيال وتغطية لهجوم على مدنيين عزل وبنى تحتية مدنية، تحت غطاء من الورع الكاذب، وباسم الدفاع عن النفس، وهي تعبير واضح عن اللغة المزدوجة التي وصفها أورويل، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الهجوم على رفح في الاول من آب/ أغسطس 2014، حيث قتلت أعداد كبيرة من المدنيين الذين لجأوا لمدرسة تابعة للأمم المتحدة، بانه (عمل لا أخلاقي وإجرامي)، وينسحب هذا الوصف بالمقام ذاته على سياسة إسرائيل الهادفة لشن الحروب على المعتقلين في سجون غزة".
ويقول شلايم إن "الجنرالات الإسرائيليين يتحدثون عن التوغلات في غزة على أنها عملية قص للحشائش في الحديقة، فهذا المجاز يعني عملية يجب القيام بها بشكل منتظم وميكانيكي ودون نهاية، وهي تلمح إلى عمليات القتل العشوائي للمدنيين، وإلحاق الضرر بالبنية المدنية التحتية التي تحتاج لسنوات من أجل إصلاحها".
ويختم المؤرخ مقاله بالقول إن "(جز الحشائش) هي كناية مبتذلة، وتعطي صورة عن الهدف الأعمق وراء السبب الذي يجعل إسرائيل تتجاهل الدبلوماسية واللجوء المستمر إلى القوة العسكرية الغاشمة في ردها على مظاهر المقاومة الشرعية والسلمية كلها على حدودها الجنوبية، وبناء على هذا الواقع القاتم فلا سلام دائما؛ لأن الحرب القادمة هي مسألة وقت".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)