نشرت صحيفة صنداي تلغراف تقريرا لمراسلتها في بيروت جوزي إنسور بعنوان: "قد يتوجب علينا الاعتراف بأن الوحش قد انتصر".
وتقول إنسور في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن دبلوماسيا بارزا في بيروت قال لها وهو يبتسم ابتسامة مرتبكة إن المنصب التالي الذي يتولاه قد يكون في دمشق: "أعتقد انه في غضون عام سنعيد فتح سفارتنا".
وترى الصحيفة أن ذلك التعليق يوضح مدى تغير الأحوال في
سوريا. فعلى الرغم من أن الموقف البريطاني كان دوما يقول إنه يتوجب على الرئيس السوري بشار الأسد الرحيل، إلا أن وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت قال إنه قد يتعين قبول أن الأسد "باقٍ".
وأشارت إلى تطورات الأسبوع الماضي، حيث أصبحت البحرين والإمارات أول دولتين تعلنان إعادة فتح سفارتيهما، فيما يُعد أول خطوة "لإعادة تأهيل النظام الأكثر دموية في التاريخ الحديث".
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن
السعودية التي تعد من أشد أعداء الأسد في المنطقة قد تكون الدولة الثالثة في إعادة فتح سفارتها في دمشق.
وترى الكاتبة أن ذلك سيمثل بداية حقبة جديدة من المشروعية للأسد. فبعد قمعه الدامي للمتظاهرين عام 2011، أصبح النظام السوري منبوذا دوليا ويخضع لعقوبات أممية مشددة. ولكن الحرب المستمرة منذ ثمانية أعوام توشك على الانتهاء بمساعدة القوات الروسية للنظام السوري، فيما يشكل قرار دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا بمثابة منح الضوء الأخضر لإعادة ترتيب النظام في الشرق الأوسط.
وبحسب داني مكي، المحلل السوري (البريطاني)؛ مرّت علاقات سوريا مع الدول العربية بعملية دبلوماسية مكوكية وانتهت بفتح السفارات وتغيير النبرة تجاه دمشق". وأضاف: "كان كل شيء مخططا بدءا من زيارة عمر البشير (الرئيس
السوداني) منتصف كانون الأول/ديسمبر، واستمر حتى فتح السفارات".
وقالت مصادر إن المسؤولين العرب يناقشون إمكانية السماح للوفد السوري بالمشاركة في القمة الاقتصادية العربية التي ستعقد نهاية الشهر الحالي في بيروت. وقد يكون ذلك امتحانا للأجواء قبل القمة العربية المقرر عقدها في آذار/ مارس في العاصمة التونسية.
وتوقع الدبلوماسي البارز الذي تحدث إليه الصحيفة أن تجد الحكومة البريطانية صعوبة في تسويق إعادة فتح السفارة البريطانية في دمشق. وقال: "اتوقع أن إعادة فتح السفارة ستواجه صعوبة في التسويق على الرأي العام". وأضاف: "لقد تم قصف الرأي العام بصور عن المذابح حلال السنوات الماضية، وربما نحتاج إلى القول لهم في مرحلة ما، إن الوحش المسؤول عنها قد انتصر".
ويخشى النقاد من أن يؤدي تطبيع العلاقات إلى هرب المسؤولين عن الجرائم من العقاب، بخاصة هجمات غاز السارين وتعذيب المعارضة. ومنذ عام 2011 سجن النظام معارضيه وقتلهم حسب تقارير "أمنستي إنترناشونال" على قاعدة واسعة. وقتل في الحرب حوالي 600.000 معظهم ماتوا على يد النظام. وفاز الأسد في عام 2014 بولاية ثانية تنتهي في عام 2021. وحثت الأمم المتحدة النظام والمعارضة على العمل لإنجاز مسودة دستور جديد، إلا أنها تعترف بعدم حدوث ذلك. وترى الصحيفة أن سوريا الواقعة على البحر المتوسط والقريبة من الدول الغنية تعد من أهم المناطق الجيوسياسية في المعادلة الدولية. وقال وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر مرة: "لا يمكنك شن حرب في الشرق الأوسط بدون مصر، ولا يمكنك صناعة سلام بدون سوريا".
وتتعامل روسيا مع البلد كوسيلة لتعزيز موقعها الدولي وملء الفراغ الأمريكي. أما إيران فترى فيها شريكا في النزاع السني- الشيعي. وتعلق الكاتبة بالقول إن أمريكا لم تقدم استراتيجية واضحة في سوريا من ناحية الحد من التأثير الإيراني وسحق تنظيم الدولة.
وفي الشهر الماضي تخلى ترامب عن الأهداف الغامضة وأمر بسحب ألفي جندي من سوريا. وعرّض القرار حلفاء أمريكا، وهم أكراد سوريا لخطر هجوم تركي، على نحو دفع الأكراد إلى البحث عن تسوية مع النظام قد تؤدي لتخليهم عن معظم ما سيطروا عليه. وسيكون الأسد على حافة استعادة معظم مناطق سوريا. وحذر مستشار الأمن القومي جون بولتون، النظام من استخدام السلاح الكيماوي، مؤكدا على الموقف الأمريكي وهو الرد على أي هجوم. وذكر أن أمريكا عاقبت النظام مرتين.
ويرى كثيرون أن ما ينظر إليه على أنه انتصار للأسد هو مجرد رقصة حرب فارغة. ويشيرون إلى دمار معظم المدن السورية بما فيها العاصمة الصناعية للبلاد. وسيكون من الصعب على النظام إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه بدون عمليات إعمار.
ويرى كمال علم، الباحث الزائر في المعهد الملكي للدراسات المتحدة أن سوريا لن تستطيع الوقوف على قدميها بدون 400 مليار دولار لإعادة الإعمار. واشترطت دول الإتحاد الأوروبي عملية ديمقراطية في سوريا قبل أن تنفق يورو واحد. ولكن الحكومات الأوروبية التي تعاني من الضغوط لوقف موجات المهاجرين قد توافق على العمل مع النظام من خلال روسيا. وقال علم: "يمكن للاتحاد الأوروبي العمل من خلال موسكو. وهناك شركات إيطالية ويونانية في سوريا، فيما أبدت الشركات الألمانية اهتماما بالأمر.