هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" مقالا للباحث سيث فرانتزمان، تحت عنوان "لماذا يهتم الجميع بشرق سوريا؟"، يتساءل فيه عن سبب الاهتمام بهذه المنطقة.
ويقول الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن المنطقة التي ستخليها الولايات المتحدة الواقعة شرقي نهر الفرات مهمة بدرجة تتكالب عليها القوى كلها، مشيرا إلى أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا ترك عددا من الأسئلة، خاصة أن شرق سوريا منطقة استراتيجية مهمة واقعة بين تركيا والعراق.
ويشير فرانتزمان إلى أن هذه منطقة مهملة في سوريا من الناحية التاريخية، مشيرا إلى أنه مع خروج القوات الأمريكية فإن التهديدات تواجه ملايين سكان المنطقة، الذين يتساءلون عما سيأتي بعد.
ويفيد الكاتب بأن المنطقة تضم محافظة الحسكة وأجزاء من محافظتي دير الزور والرقة، والمنطقة الوحيدة المستثناة من هذا هي منطقة صغيرة قرب الفرات، حيث تقع مدينة منبج في شمال سوريا، التي تأثرت بعمق مع صعود تنظيم الدولة عام 2013، لافتا إلى أن المنطقة ظلت مهمة من الحكومة السورية، حيث جردت حكومة الأسد 120 ألف كردي من جنسياتهم السورية بعد عام 1962، وقامت حكومة الأسد باضطهاد الأكرادـ وطردت الكثيرين من أراضيهم، وأسكنت مكانهم عربا، وهو ما فاقم حالة السخط التي أدت إلى أعمال شغب في مدينة القامشلي في عام 2004.
ويلفت فرانتزمان إلى أن المناطق الأخرى من شرق سوريا، والواقعة على طول نهر الفرات، شهدت دينامية مختلفة، ففي دير الزور انتفعت بعض المناطق فيها نظرا للاستثمارات الحكومية بسبب حقول النفط الواقعة فيها، إلا أن القبائل العربية فيها تبعت السياسة في العراق أكثر من اتباعها السياسة في دمشق، منوها إلى أن هناك تقارير تشير إلى أن بعض السكان احتفظوا بصور صدام حسين في بيوتهم لا الأسد، واستخدم المقاتلون الأجانب المنطقة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وما تبعه من فوضى للوصول إلى العراق.
ويذكر الباحث أن "العراق اشتكى إلى الحكومة السورية من تدفق هؤلاء المقاتلين، وطالبها بوقف موجاتهم، إلا أن دمشق لم تفعل، إما رغبة منها في مواجهة الأمريكيين، أو للتخلص من مشكلة الجهاديين ونقلها إلى العراق، ومع اندلاع الحرب في سوريا بدأ المقاتلون يتنقلون ما بين العراق ووادي الفرات في سوريا للهجوم على النظام، ومع صعود تنظيم الدولة قام المقاتلون بالسيطرة على الرقة في عام 2013".
وينوه فرانتزمان إلى أن "منطقة شرقي سوريا واسعة، وهي بمساحة ويست فيرجينيا، وغنية بالمصادر الطبيعية والنفط في المنطقة الجنوبية قرب نهر الفرات، والقمح والزراعة في المناطق القريبة من تركيا، لكن مناطق كثيرة فيها ليست ذات كثافة سكانية عالية، خاصة المناطق الصحراوية، وعدد سكانها حوالي 7 ملايين نسمة".
ويبين الكاتب أن "المنطقة تعرضت إلى تغير كبير، فبعد خروج مقاتلي التنظيم منها عام 2017 دمرت الرقة، ولا تزال الجثث تكتشف فيها من تحت الأنقاض، وأصاب الجفاف مناطق عدة، وتظهر خريطة المساعدات الأمريكية لعام 2017 في المنطقة أن السكان بحاجة لكل شيء من المواد الأساسية والتغذية والملجأ والمياه النظيفة، وهذا هو الحال في مناطق الأكراد وتلك التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم الدولة عام ما بين 2016- 2017، وساهمت المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأجنبية بمساعدة العديد من العائلات لزرع الحبوب".
ويشير فرانتزمان إلى الدور الذي أدته الولايات المتحدة في دعم قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة تنظيم الدولة، و"هي قوات نشأت من قوات حماية الشعب الكردية التي تحولت إلى جيش مسلح، وهي إن لم تقطع علاقاتها مع المقاتلين الأكراد الذي يشكلون الغالبية فيها، إلا أن فيها مقاتلين عرب وغيرهم، وظلت المناطق الكردية محاصرة من تنظيم الدولة حتى التدخل الأمريكي عام 2014، وقد احتل التنظيم مناطق واسعة من العراق وسوريا وحكم الملايين، وتعد تركيا قوات حماية الشعب الكردية جزءا من الحركة الانفصالية (بي كي كي)، ولهذا فهي إرهابية".
ويقول الباحث إن "منطقة شرق سوريا لم تتناسب مع التحالفات التي شكلت في الشرق الأوسط، الأول التحالف الذي تقوده إيران، الذي يضم الحكومة السورية وحزب الله والمليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، أما التحالف الثاني، فتقوده تركيا، ويضم قطر والمعارضة السورية، والتحالف الثالث تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، وليست الدول كلها في الشرق الأوسط مرتبطة بهذا التحالف أو ذاك، إلا أن معظم الدول العربية، مثل الأردن والكويت والسلطة الوطنية، مرتبطة بالسعودية أكثر من ارتباطها بالدوحة وأنقرة".
ويلفت فرانتزمان إلى أن "الدور الأمريكي في شرق سوريا زاد في الفترة ما بين عام 2017 و 2018، ورأى البعض في إدارة ترامب بهذا الوجود ورقة نفوذ ضد التأثير الإيراني في سوريا، وأظهر المسؤولون الأمريكيون إشارات إلى وجود أمريكي ولسنوات طويلة في سوريا، وبناء حالة استقرار، بشكل يمنع عودة تنظيم الدولة من جديد، وبحيث لا توسع إيران من تأثيرها إلى المنطقة، لكن ترامب رأى الوجود الأمريكي في سوريا من خلال منظور العلاقة مع النزاع السوري عام 2011، ففي خطابه في قاعدة عسكرية في العراق يوم 25 كانون الأول/ ديسمبر قال إن القوات الامريكية كان من المفترض أن تبقى في سوريا ثلاثة أعوام، واستمرت لمدة 8 أعوام، وكان من المتوقع أن تظل القوات حتى عام 2021، لكن الرئيس أعلن عن الخروج في 19 كانون الأول/ ديسمبر".
ويقول الكاتب إن "هذا ما ترك المنطقة الشرقية في سوريا أمام تنازع للقوى الغربية. إن ظاهرة قوات سوريا الديمقراطية نبعت من عدم الاستقرار الذي نتج بعد الربيع العربي، فكانت منطقة شرق سوريا واحدة من المناطق الخارجة عن السيطرة مثل مناطق في اليمن، ومع خروج الجيش السوري من هذه المناطق عام 2012 قامت وحدات حماية الشعب بالسيطرة على الحسكة في عام 2103، ومن ثم قامت بتطبيق نظام قائم على التعاليم الماركسية، وقد تم التنسيق بين النظام في هذه الخطوات بين الوحدات والنظام السوري وحتى إيران".
وينوه فرانتزمان إلى أن "تركيا وحكومة كردستان في شمال العراق والسعودية وروسيا والولايات المتحدة حاولت أداء دور في منطقة شرق سوريا، وكل واحدة منها شاهدت أمرا يمكنها تحقيقه فيها؛ لأن هذه المنطقة واقعة بين تركيا وإيران والعراق، وأصبحت المنطقة مركز خروج المتطرفين الذين هددوا العراق وسوريا، ومقصد 50 ألف مقاتل أجنبي، ما يجعلها رصيدا استراتيجيا للمنطقة كلها".
ويبين الباحث إن "نجاح الأكراد في سوريا أخاف تركيا التي ترى في المنطقة امتدادا لنِشاط حزب العمال الكردستاني، الذي تخوض حربا معه منذ عام 2015، وضربت تركيا جبال قنديل في شمال العراق لمحاصرة شرقي سوريا، وقامت بالتوغل في شمال غربي سوريا؛ لمنع توسع قوات حماية الشعب، وتريد تركيا التدخل مباشرة في شرق سوريا في المرحلة الأخيرة من حملتها، وهو الذي منع الوجود الأمريكي من تحقيقه".
ويشير فرانتزمان إلى أنه "بالنسبة لروسيا، فشرق سوريا مهم؛ لأنه سيكون منطقة أخرى تساعد النظام السوري في العودة إلى سيطرة دمشق، ويفعل دورها على أنها وسيط، بشكل يزيد من مكانة روسيا في المنطقة، التي أسهمت في التوسط مع إيران وتركيا في أستانة وسوتشي وجنيف، وأثبتت روسيا في كل مكان قدرة على تحقيق إنجازات وتغيير المواقف، ولهذا فإن منطقة شرق سوريا ستكون إنجازا جديدا".
ويقول الكاتب: "أما إيران فلديها مليشيات في المنطقة وتريد دعمها، ولا تريد عودة مقاتلي تنظيم الدولة، وقال أحد قادة المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، إن خروج الولايات المتحدة سيعيد تنظيم الدولة، ولم يقل هذا لدعوة أمريكا للبقاء في سوريا، لكن للحفاظ على دور عراقي وإيراني في المنطقة، ودعت الصحافة الإيرانية لدور من العراق في المنطقة، خاصة الممر البري".
ويستدرك فرانتزمان بأنه "رغم خروج الولايات المتحدة، إلا أن هناك أصواتا تطالب بالبقاء، وهناك الحلفاء، مثل الإمارات والسعودية والمنطقة الكردية في شمال العراق، يطالبون بدور في شرق سوريا. وأعادت دول الخليج علاقاتها مع النظام، وقد تؤدي دورا في تمويل إعادة إعمار شرق سوريا، وعبر الإعلام في الخليج عما يمكن حدوثه لو سيطرت إيران وروسيا وتركيا على المنطقة".
ويختم الباحث مقاله بالقول: "بالنسبة للنظام السوري فإنه يبحث عن نهاية للعبة من خلال ترتيبات مع قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، خاصة بعد مفاجأة خروج الأمريكيين السريعة، وهذا لا يعني نهاية وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، التي قضت حوالي عقد من الزمان وهي تبني جذورها، بعد سنوات من العيش في ظل النظام في دمشق، ولا يعني نهاية تنظيم الدولة، الذي أثبت أنه قادر على حيازة مناطق التي عاشت حرة من تأثير النظام لسنوات طويلة، ولن ينتهي أي من هذه القوى بهدوء".
لقراءة النص الأصلي اصغط (هنا)