أفكَار

إسلاميو فلسطين.. جدلية الدين والسياسة والمقاومة (1من2)

قال بأن المشهد الإسلامي في فلسطين تتصدره حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي
قال بأن المشهد الإسلامي في فلسطين تتصدره حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يتناول المدير التنفيذي لـ "مركز العودة الفلسطيني" في بريطانيا طارق حمود المسار السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية، من زاوية محاولاتها بناء تحالفات سياسية مع باقي المكونات الحزبية الفلسطينية من منطلقين سياسي ومقاوم.

إسلاميو فلسطين.. جدلية الدين والسياسة والمقاومة (1من2) 

 
تشكل الإسلام السياسي الفلسطيني منذ عقود، ويعود به البعض إلى بدايات تشكل شُعب الإخوان المسلمين قبل النكبة، ثم مشاركتهم الفاعلة في حرب 1948. ومع كل التفاصيل التاريخية التي يسردها الباحثون في هذا السياق، فإن بروز حركة "حماس" في أواخر الثمانينيات مثّل العنوان الأبرز لمقاربة مصطلح الإسلام السياسي مع استخداماته المعاصرة.

 

اقرأ أيضا: "حماس".. النشأة والهوية والمسار في مواجهة الاحتلال (1من2)

 

اقرأ أيضا: "حماس" ومنظمة التحرير ومأزق أوسلو.. التوافق الصعب 2من2

لقد سبقت حركة الجهاد الإسلامي حركة "حماس" في النشوء، إلا أنه ولأسباب تاريخية وعوامل تنظيمية فقد تصدرت "حماس" مشهد الإسلاميين في فلسطين، ويقف المشهد اليوم بين التنظيمين على انسجام كبير خاصة مع سيطرة "حماس" على قطاع غزة التي تمثل قاعدة الإسلاميين سواء من "حماس" أم غيرها. مما سبق فإن قياس سلوك "حماس" السياسي يمكن إدراجه على تعبيرات أوسع للإسلام السياسي في فلسطين بدرجة كبيرة من الراحة.
 
الانتخابات ونقطة التحول

لقد شكلت محطة الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 وما بعدها في الضفة الغربية وقطاع غزة نقطة تحول وبداية وعي جديد متبادل بين الإسلاميين أنفسهم ونظرائهم في التيارات الأخرى لواقعية وجود ومشاركة الإسلاميين في العملية السياسية. فبالرغم من كل التعقيدات في العلاقة بين الإسلاميين وخصومهم في تلك التجربة، إلا أن النتاج السلبي والإيجابي لها ساهم بتطبيع فكرة أحقية الإسلاميين في السعي السياسي للسلطة.

 

سبقت حركة الجهاد الإسلامي حركة "حماس" في النشوء، إلا أنه ولأسباب تاريخية وعوامل تنظيمية فقد تصدرت "حماس" مشهد الإسلاميين في فلسطين

إن تجربة "حماس" وعدم قدرتها على تولي حكومة فلسطينية قابلة للاستمرار بعد فوزها الإنتخابي عام 2006 لم يكن ناتجاً من عدم رغبة "حماس" بشراكة أطراف وطنية أخرى وعلى رأسها حركة "فتح"، وإنما لأن دعواتها للشراكة في ذلك الحين كان منفصلاً عن سياقه التاريخي الذي لم تعتد فيه "حماس" على عمل مشترك مع مكونات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الذين يمثلون التيار السياسي السائد فلسطينياً ورسمياً (Mainstream Palestinian Politics) وانحسرت تحالفات "حماس" الوطنية تاريخياً في هوامش التناقضات التي خلفتها أزمة الثورة الفلسطينية المعاصرة. ولذلك كانت دعوة الشراكة الوطنية التي أطلقتها "حماس" حينها حالمة ومنبتّة عن عوامل إنفاذها الفعلية.

لقد تشكلت تحالفات "حماس" السياسية قبل العام 2006 خارج نطاق النظام السياسي الفلسطيني وفي مساحات المعارضة العشوائية التي كرسها سلوك منظمة التحرير الفلسطينية ما بعد أوسلو سواء على صعيد الحالة البنيوية للمنظمة كممثل شرعي ديمقراطي للفلسطينيين، أم على صعيد المسارات السياسية التي خطّتها من خلال عملية التسوية. ولذلك فإن التجربة الأعمق والأهم في تاريخ التحالفات الوطنية بالنسبة لـ "حماس" تشكلت في انخراطها في تحالف الفصائل العشرة خلال التسعينيات حتى لحظة خروجها من دمشق عام 2012 إثر موقفها السياسي من ثورات الربيع العربي. 

لقد كان ولايزال تحالف العشرة يحمل في طياته عوامل ضعف ذاتية، كونه تحالف تشكل خارج الحدود الجغرافية للوطن. وبقي يقود مشروعه من دمشق التي ألقت بظلال تفاعلاتها المحلية على مستقبله الذي برز جلياً حين انطلقت أحداث سورية عام 2011. ولذلك لم تتمكن "حماس" من استثمار هذا التحالف في مراحل الاستحقاق الانتخابي عام 2006 في الضفة الغربية وقطاع غزة كون أغلب الفصائل المنضوية فيه خارج نطاق منظمة التحرير الفلسطينية، ولا تمتلك بنية عمل تؤهلها لدخول سباق محلي بحجم الانتخابات البرلمانية. 

أضف لذلك أن "حماس" لم تستحضر أهمية الدخول بقائمة مشتركة (رغم عرضها للفكرة على بعض الفصائل) مع حلفائها هؤلاء لتعزز فرص مشاركتهم وحضورهم في الداخل الفلسطيني، وذلك بسبب الفجوة الكبيرة بين "حماس" وحلفائها من حيث الإمكانيات والحضور الجماهيري من جهة، ومن جهة أخرى بسبب رفض حركة الجهاد الإسلامي المشاركة بالإنتخابات، وهي التي تعتبر ثاني أكبر الفصائل في هذا التحالف، والفصيل الأكثر حضوراً من بين فصائل التحالف بعد "حماس" داخل فلسطين. 

تحالف متناقض

لقد كانت إشكالية "حماس" حينها هي أن تحالف الفصائل العشرة متناقض جغرافياً وسياسياً عن الواقع الذي أفرز عملية الإنتخابات أساساً في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. فالتحالف تشكل أساساً رداً على مسار التسوية الذي شكل السلطة التي خاضت "حماس" انتخاباتها على أساس نظامها الأساسي. وبالتالي كان من الصعب على "حماس" مواءمة كل تلك التناقضات لصناعة تحالف وطني يمكّنها من مواجهة التيار السائد المتمثل بمنظمة التحرير وفصائلها وسلطتها.

لقد دخلت "حماس" الإنتخابات بقائمتها وحدها (التغيير والإصلاح) وحصدت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي في الإنتخابات بدون تحالفات، الأمر الذي جعل استحقاقات الفوز المتمثل بتشكيل الحكومة تالياً يسير وفق مسار التفرد أيضاً، فشكلت "حماس" حكومة وحدها بعد رفض كافة الفصائل المشاركة فيها استمرت حوالي أكثر من عام.

 

اقرأ أيضا: نحو جبهة موحدة.. لدعم المقاومة الفلسطينية

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل