هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد مختصون بالأمن القومي في القرن الأفريقي أن الاتفاق الذي تم
توقيعه بالرياض بين الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي باستثناء
إريتريا، تحت مسمي "كيان البحر الأحمر وخليج عدن"، يأتي ضمن عدة تسويات
دولية وإقليمية يتم تنفيذها في هذه المنطقة الملتهبة، التي يعبر من خلالها 13% من
إجمالي التجارة العالمية.
ويشير
الخبراء إلى أن تبني السعودية للكيان الجديد يأتي ضمن عدة تحركات سابقة لحماية
الأمن بالبحر الأحمر ضد التهديدات الإيرانية، كما أنه يأتي كخطوة سابقة في حال
التوصل لأي تسويات لإنهاء الأزمة اليمنية الراهنة.
وكان
وزراء الخارجية ومسؤولون بارزون بسبع دول مطلة على البحر الأحمر أعلنوا مساء
الأربعاء بعد اجتماع مطول بالرياض تأسيس "كيان البحر الأحمر"؛ بهدف
تعزيز الأمن والاستثمار والتنمية بالدول المشاطئة للبحر الأحمر.
ووفقا
لبيان الخارجية السعودية، فإن الكيان الجديد يضم مصر والسعودية والسودان وجيبوتي
واليمن والصومال والأردن، وسوف يقوم بحماية التجارة العالمية وحركة الملاحة
الدولية، ويعزز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض، وأنه جاء بمبادرة من العاهل
السعودي الملك سلمان لتحقيق الاستقرار بهذه المنطقة.
وتشير
معلومات حصلت عليها "عربي21" إلى أن الكيان موجه في
الأساس لفرملة التوسع الإيراني والتركي والقطري بالبحر الأحمر، وأنه من المقرر أن
يجتمع فريق من الخبراء الأمنيين بالدول المشاركة في الاتفاق الجديد بالقاهرة خلال
الأسبوع المقبل، لوضع خطة العمل الفنية والتنفيذية لشكل الكيان وحركته على أرض
الواقع.
وفي
تعليقه لـ"عربي21" على الكيان الجديد، يؤكد
الخبير بشؤون الأمن القومي عبد المعز الشرقاوي، أن تشكيل هذا الكيان الهدف الأساسي
منه أمني وليس اقتصاديا، كما جاء في بيان الخارجية السعودية، ومن خلال المشاركين
بالاجتماع الذي سبق إعلان تأسيس الكيان، يتضح أنه تم الاتفاق على تولي السعودية
الإنفاق على القوة العسكرية المقترحة التي سوف تقوم بحماية التجارة المارة بالبحر
الأحمر، على أن تقوم مصر بمسؤولية التنفيذ.
ويري
الشرقاوي أن هناك خطوات بدأتها مصر والسعودية استبقت الإعلان عن هذا الكيان، منها
المفاوضات التي رعتها الرياض في أيلول/ سبتمبر الماضي بين إثيوبيا وإريتريا بحضور
الأمين العام للأمم المتحدة ومفوض الاتحاد الأفريقي ووزير خارجية الإمارات؛ لتثبيت
المصالحة بين البلدين من جانب، والضغط عليها لوقف التعاون مع تركيا وقطر وإيران من
جانب آخر.
وعلى
الصعيد المصري، يضيف الشرقاوي أن التدريبات العسكرية التي تجريها القوات المسلحة
المصرية مع نظيرتها الأردنية، تحت عنوان "مناورات العقبة"، تصب في هذا
الإطار، وكذلك التحركات البحرية المصرية المتواصلة في البحر الأحمر تحت غطاء
العملية العسكرية سيناء 2018.
ووفقا
للمختص بالأمن القومي، فإن الكيان الجديد يعد بديلا للناتو العربي الذي تم طرحه
أكثر من مرة، لمواجهة إيران وحماية الخليج العربي، كما أنه يعكس الرغبة المصرية
بالمشاركة في تحالف إقليمي، ليس موجها بشكل مباشر ضد إيران، ويحظي بدعم أمريكي
وإسرائيلي، وهو ما يتحقق في الكيان الجديد، الذي تتبناه السعودية ومن ورائها
الإمارات، اللتان تعتبران ساحل القرن الأفريقي امتدادا لأمنهما القومي، وتعملان
بكل جهد لعدم وجود سيطرة بديلة لهما في هذه المنطقة الهامة.
ويتفق
الباحث المختص بالقرن الأفريقي، مصطفي عدنان، مع أن الهدف الأساسي من الكيان
الجديد تأمين الممرات التجارية، ومداخل قناة السويس، ومضيق باب المندب، من
التهديدات الإيرانية، سواء عن طريق الحوثيين باليمن، أو نتيجة التهديدات الصريحة
لطهران بأنها ستمنع تصدير النفط لباقي دول المنطقة إذا تم منعها من تصدير نفطها.
ويضيف
عدنان لـ"عربي21" أن الاتفاق شهد غياب
دولتين مؤثرتين في أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهما إريتريا المطلة مباشرة
على البحر الأحمر، وإثيوبيا صاحبة التأثير الأكبر في منطقة القرن الأفريقي، رغم
أنها لا تطل على سواحل البحر الهام، وهو ما يمثل أزمة يمكن أن تشهدها هذه المنطقة
الساخنة إذا ما لجأت الدول الأخرى من أصحاب المصالح بالبحر الأحمر، مثل تركيا
وإيران وقطر، لتشكيل كيان مواز يضم إريتريا وإثيوبيا.
ويؤكد
عدنان أن إريتريا لها ساحل يمتد لمسافة 1150 كم علي البحر الأحمر، بالإضافة لجزر
عديدة هامة تتحكم في منطقة القرن الأفريقي بشكل كبير، ومعظم هذه الجزر مؤجرة
لتركيا وقطر وإسرائيل والإمارات، كما أن الرياض تتهم إثيوبيا بأنها بمثابة مركز
إيراني لدعم الحوثيين باليمن لوجيستيا، وبالتالي فإن أي تحرك أمني أو عسكري للكيان
الجديد بهذه المنطقة، يمكن أن يستفز الآخرين، ويحول مياه البحر الهادئة لساحة من
الصدام.
وحسب
رؤية المختص بالقرن الأفريقي، فإن السعودية تتخذ من كيانها الجديد رأس حربة لتحجيم
النفوذ الإيراني بالقرن الأفريقي، باستقطاب دول مثل الصومال وجيبوتي والسودان،
التي لها مصالح مشتركة مع إيران، مستخدمة ورقة المساعدات والتنمية؛ لإجبارها على
تقليص هذا التعاون، وجعله في أضيق نطاق، إذا كان يستحيل إنهاؤه كليا.