هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبدو أن قلق العسكر من الشيخ كشك رحمه الله ما يزال يلاحقهم حتى بعد ما يقرب من عقدين من وفاته، فقد نشرت إحدى صحف الانقلاب تقريراً ناقماً على الشيخ الراحل في ذكرى وفاته. وللعسكر كل العذر فالرجل مرعب حقاً. فهو تركيبة نادرة، يستطيع الاستحواذ على اهتمامك بكلمات بسيطة تدخل القلب رغم عمقها، ولهجة ريفية محببة ما إن تقترب من أذنيك حتى تدخل قلبك، ومعان تحمل عمقاً وسخرية ومرارة في آن واحد في مزيج نادر يصعب تكراره.
ملكة غير عادية
حبا الله الشيخ كشك بقدرة غير عادية على التأثير في من يستمع له، حيث لا يملك السامع لإحدى خطبه إلا أن يكملها حتى آخرها. الرجل يسيطر على اهتمامك من اللحظة الأولى، يصل ذلك الصدق الذي يحيط بكلماته إلى قلبك، تشعر وأنت تسمعه بأنك تراه وتصل إليك هذه المرارة التي صبغت كلماته.
كاريزما غير عادية تتجاوز بك المسافات الطويلة بين الضحك والبكاء فلا تدري أتضحك من سخرية الشيخ من أوضاع مصر أم تبكي لكلماته.
مزيج عبقري يجعلك ترى فيه ذلك الشيخ الضرير الذي يقف وحده وسط ظلام حالك رافعاً صوته عله يوقظ تلك النفوس الغافية.
كنت أستغرب كثيراً من هذه القوة النفسية التي لدى الرجل والتي جعلته يقف وحيداً في وجه نظام يمتلك كل شيء بينما هو أعزل ضرير.
برز رغم هيمنة الدولة على الإعلام
بالحسابات المنطقية، لن يمكنك تحديد سبب الشعبية التي نالها الشيخ كشك ولن تفهم لماذا صار له كل هذا التأثير على الناس. فالرجل ظهر في عصر تحكمت فيه الدولة في كل شيء وأصبحت هي التي تقرر من يظهر من الدعاة ومن لا يظهر وأقامت سوراً مرتفعاً وأصبحت تتحكم في المادة التي تدخل عقول الناس وقلوبهم.
عصر أصبح فيه من الممكن للدولة أن تقولب مشاعر الناس وأن تفرض عليهم بالإعلام ما يجب أن يحبوه وما يجب أن يكرهوه.
عصر الصوت الواحد والقناة الواحدة التي تحدد الدولة ما يُعرض عليها والصحف القومية التي يقررون ما يجب أن ينشر فيها وما لا يجب.
تحكم كامل من المنبع ثم رقابة محكمة على منافذ توزيع الرأي.
عصر مقص الرقيب الجاهز دوماً والذي يقرر أن هذا يمكن نشره وأن هذا لا يمكن، وهو عصر ضاقت فيه مساحة الرأي الشخصي وتقيدت كثيراً بالسرد الحكومي. عصر العزلة العقلية شبه الكاملة، وهو فوق ذلك كله عصر خوف سادته أجواء من الريبة والرعب والشك في كل شيء، عصر (الأخ الأكبر) إن صح التعبير، عصر انتشرت فيه جمل من نوع (امشي جنب الحيط) و(من خاف سلم) و(الحيطان لها آذان).
نجح الشيخ كشك رحمة الله عليه بصدقه وبسخريته في هزيمة أسوار الرقابة العالية، ونجح في الوصول إلى قلوب الناس
في هذا العصر ظهر الشيخ كشك وخرج صوته ليتحدى السرد الحكومي وليبلغ آذان الناس وليصل لعقولهم وليرسم الابتسامة على شفاههم وليلقى عندهم هذا القبول وهم يضحكون معه ويلمسون الصدق في كلماته.
نجح الشيخ كشك رحمة الله عليه بصدقه وبسخريته في هزيمة أسوار الرقابة العالية، ونجح في الوصول إلى قلوب الناس رغم قوات الأمن المركزي التي كانت تحيط بالمسجد الذي يخطب فيه كل جمعة، بل نجح حتى بعد كل هذه الأعوام من وفاته في إثارة رعب العسكر الذين يحاولون دون جدوى أن يكسبوا معركتهم ضده.