هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هاجمت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية السعودية على خلفية ما أعلنته الخميس كنتائج للتحقيق الذي أجرته في قضية مقتل الصحفية جمال خاشقجي، متوقعة أن واشنطن قد تستبدل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بآخر "أقل رعونة".
ونشرت الصحيفة افتتاحية بقلم هيئة التحرير - ترجمتها "عربي21" تحت عنوان "المملكة العربية السعودية بعد خاشقجي"، أوردت فيها الرواية التي ذكرها وكيل النيابة العامة السعودية، وقالت إنها برأت فيها محمد بن سلمان من القضية".
وأضافت الصحيفة متسائلة: "هل ستغلق الرواية الأخيرة ملف قضية خاشقجي أم لا، هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة"، مضيفة: "لكن من المؤكد أن تركيا غير مقتنعة، وهي التي فيما يبدو تملك بحوزتها تسجيلا صوتيا كاملا لما جرى، وقد قامت بتسريب أجزاء منه بالتدريج إلى الجمهور".
وتقول الصحيفة: "بالفعل، يصعب تصديق أن ركاب طائرة من عناصر الأمن، بما في ذلك مختص بالطب الشرعي، سافروا جوا إلى اسطنبول فقط من أجل إقناع السيد خاشقجي بكل لطف".
وعن أفق العلاقة بين واشنطن والرياض، تقول نيويورك تايمز: "ما بات واضحا هو أن العلاقة بين المملكة المغموسة بالنفط والولايات المتحدة بحاجة لأن تتغير".
وتاليا نص الافتتاحية كاملة:
في ضربة مزدوجة يوم الخميس، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستطلب عقوبة الإعدام، بينما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض من أعضاء فريق من السعوديين يشتبه في قيامهم بقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول. إذن، باتت الصورة واضحة بعد شهر ونصف من جريمة القتل، ومفادها أنه كانت هناك محاولة فاشلة لإعادة أحد منتقدي النظام إلى بلاده انتهت بشكل سيء جدا، تم التعرف على المتهمين، وأنزلت بهم عقوبات صارمة، وبذلك تغلق القضية.
نعم، وتمت تبرئة محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما. فقد طمأن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الصحفيين في الرياض يوم الخميس قائلا: "صاحب السمو الملكي ولي العهد لم يكن له أي دور على الإطلاق في هذه القضية." ولذلك لم تصل العقوبات الأمريكية إلى مستوى الأمير نفسه، ولا إلى مستوى أحد من المقربين منه.
هل ستغلق الرواية الأخيرة ملف قضية خاشقجي أم لا، هذا ما ستكشف عنه الأيام. لكن من المؤكد أن تركيا غير مقتنعة، وهي التي فيما يبدو تملك بحوزتها تسجيلا صوتيا كاملا لما جرى، وقد قامت بتسريب أجزاء منه بالتدريج إلى الجمهور (وكان آخر مقطع سربته يتعلق بواحد من عناصر فرقة الموت يوجه مسؤولا عنه عبر الهاتف قائلا له: (أخبر سيدك" أن المهمة قد تمت). وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاووشأوغلو أن جريمة القتل لم تكن نتيجة قرار وليد لحظته، وقال: "لقد تم إحضار المعدات اللازمة والأشخاص المعنيين مسبقا لتنفيذ عملية القتل ثم لتقطيع الجثة فيما بعد".
وبالفعل، يصعب تصديق أن ركاب طائرة من عناصر الأمن، بما في ذلك مختص بالطب الشرعي، سافروا جوا إلى اسطنبول فقط من أجل إقناع السيد خاشقجي بكل لطف، وهو الذي أصبح ناقدا لولي العهد من منفاه الاختياري، بالعودة إلى بلاده.
قد لا يتسنى بتاتا معرفة الحقيقة، وخاصة إذا تمكن المدعي العام السعودي من الحصول على عقوبة الإعدام، التي قال إنه سيطالب بها، لخمسة من السعوديين المشتبه بهم، وبذلك يتم القضاء على الشهود الرئيسيين في القضية. ولكن ما بات واضحا، هو أن العلاقة بين المملكة المغموسة بالنفط والولايات المتحدة بحاجة لأن تتغير.
لا يقتصر الأمر ببساطة على أن السخط الناجم عن عملية الاغتيال البشعة سيضع آل سعود في موقف دفاعي، وسوف يُكسب حليف الرياض المهم ومزودها الرئيس بالسلاح مزيدا من النفوذ لكي يوجهها أكثر فأكثر باتجاه الأهداف الأمريكية. إنما الذي تغير هو أن عملية الاغتيال والمحاولات البائسة للتستر عليها تركت الامبراطور (ولك أن تقرأها ولي العهد) بلا ملابس.
تقريبا منذ ولادة السعودية والولايات المتحدة والقوى الغربية العطشى للنفط والمتضورة جوعا لدولارات الاستثمارات السعودية، مغمضة عيونها إلى حد كبير عن رؤية الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك اضطهاد النساء والحريات الدينية وحرية التعبير. ومثل هذه السياسة من غض البصر لم تقتصر على التعامل مع المملكة العربية السعودية، بل لقد تعامل الغرب حتى مع الاتحاد السوفياتي، ومع العشرات من الأنظمة المستبدة بالطريقة نفسها لمنع الحرب وضمان تدفق النفط وغير ذلك من المواد الخام، وفي العقود الأخيرة، لمحاربة الإرهاب.
ولكن الأمير محمد شط وتجاوز كثيرا وعلى عدد كبير جدا من الجبهات. فضمن حملته لاحتواء القوة المنافسة الإيرانية شن حربا غير محسوبة العواقب في اليمن، ما لبثت أن تحولت إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة تورطت فيها الولايات المتحدة، لكونها المزود بالسلاح والموفر للدعم العسكري. ثم فرض الحصار على قطر، واعتقل رئيس وزراء لبنان. وكانت النتيجة أن ارتدت السهام على المملكة العربية السعودية، فبدت كما لو كانت هي مصدر الشرور في المنطقة وليس إيران.
وداخل بلاده، أطلق الأمير ما بدا للوهلة الأولى إصلاحات اجتماعية واقتصادية واعدة، ولكنه ما لبث أن اعتقل جوقة من أبناء عمومته من الأمراء ومعهم عدد من الأثرياء، لا لشيء سوى لتعزيز سلطانه وإحكام قبضته على مقاليد الأمور، وشن حملة قمع ضد المعارضين، وانتهى الأمر، سواء بأمر منه أم لا، بجريمة قتل السيد خاشقجي.
وطوال فترة حكمه السيئ استمر الأمير محمد بالتمتع بدعم الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، الذي رغم انعدام ما يؤهله، وبشكل سافر، تولى حقيبة الشرق الأوسط داخل البيت الأبيض. فقد اعتبرا الأمير الشاب حليفا لهما، بالإضافة إلى إسرائيل، في مواجهة إيران، ناهيك عن كونه مشتريا لما لا حدود له من الأسلحة الأمريكية. وذلك كان من بين ردود الفعل الأولى للسيد ترامب على جريمة قتل خاشقجي، التصريح بأنها لن تؤثر على مبيعات السلاح المربحة.
وأخيرا رشح الرئيس سفير لدى الرياض، وهو المنصب المهم الذي ظل شاغرا منذ توليه الرئاسة. جرت العادة على أن التعبير عن السخط في المجال الدبلوماسي يكون بسحب السفير وليس بتعيين واحد، ولكن جون أبي زيد، الجنرال المتقاعد وصاحب المعرفة الواسعة بشؤون الشرق الأوسط، خيار جيد، ونحن نأمل في أن يقدم للبيت الأبيض ما ينير بصيرته حول السعوديين.
على أية حال، البعض في واشنطن وفي غيرها من العواصم، بدأ يشعر بالقلق ويزداد حذرا من محمد بن سلمان قبل وقوع جريمة قتل جمال خاشقجي بزمن. ثم جاءت الضربة في سطنبول، التي تم توثيقها بكل ما فيها من مشاهد رعب على أشرطة تسجيل صوتية، لتنزع آخر قطعة من الستار، مما حدا بالحكومات وكبار المؤسسات التجارية ورجال الأعمال والسياسيين لتقليص ارتباطاتهم بالمملكة.
ما من شك في أن ما جرى يمنح إدارة ترامب نفوذا هائلا على النظام السعودي الذي بات ضعيفا، ليفرض عليه التصريح بحقيقة ما أدى إلى وفاة السيد خاشقجي، ويفرض عليه وقف الحرب الكارثية في اليمن، وإصلاح ما تم إفساده مع قطر، ومساعدة إسرائيل في إقامة السلام، وإبقاء أسعار النفط مستقرة، وكذلك – وحسبما تنتهي إليه نتائج التحقيقات في موت السيد خاشقجي– استبدال ولي العهد الحالي بولي عهد أقل رعونة وأقل خطورة.
ولكن الاكتفاء بأي من هذه المطالب سيكون نفاقا محضا إذا لم يصاحبه وضع حد للانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان الأساسية من قبل المملكة. هذه الانتهاكات لم تبدأ بجريمة قتل خاشقجي، ولكن ينبغي أن تكون هذه الجريمة نهاية لها وللتواطؤ الأمريكي معها.