هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رأى دعاة وعلماء مصريون أن موافقة المحكمة الإدارية العليا بقبول طعن قضائي يلزم الأزهر الشريف بمراجعة وتصحيح صحيح "البخاري"، يمثل تطورا في الحرب التي يواجهها الأزهر حول تجديد الخطاب الديني، مؤكدين أن المواجهة انتقلت الآن من العلنية بين الأزهر ورئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، لمربع آخر وهو القضاء لمحاصرة الأزهر.
وأكد المختصون الذين تحدثوا لـ"عربي21" أن قرار المحكمة، جاء ليلغي حكما سابقا لمحكمة القضاء الإداري برفض نفس الدعوي من قبل، بما يشير إلى أن رئيس مجلس الدولة الذي عينه السيسي على غير رغبة الجمعية العمومية للمجلس، يدعم مخططه لتدمير المؤسسات الإسلامية وتشويه الثوابت الدينية.
وكانت المحكمة الإدارية العليا برئاسة رئيس مجلس الدولة المستشار محمد أبو العزم، أصدرت حكما بقبول الطعن الذي قدمه "أحمد عبده ماهر" من حيث الشكل على قرار محكمة القضاء الإداري برفض دعواه المطالبة بإلزام شيخ الأزهر بتنقية وتنقيح كتاب صحيح البخاري من الأحاديث المدسوسة، على حد وصفه.
واتهم ماهر، الأزهر وشيخه بالإهمال والمماطلة في تنقية صحيح البخاري من الأحاديث المدسوسة والمنسوبة للنبي محمد، مؤكدا أن هذه الأحاديث تطعن في مصداقية القرآن الكريم، وتثير البلبلة في عقول ونفوس المسلمين في دينهم وكتابهم المقدس، طبقا لقرار المحكمة فإن الدعوى سوف يتم نظرها في دائرة أخرى وصفها القرار بـ "المغايرة".
وفي رده على هذا القرار، أكد أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية وصفي أبو زيد لـ "عربي21" أن "الحكم في مثل هذه الأمور لا يجوز أن يكون للمحاكم والقضاء، وإنما للهيئات العلمية والمجالس البحثية الاجتهادية، والمجامع والعلماء، وليس مكانه ساحات المحاكم والقضاء؛ فهو تدخل للقضاء فيما لا يعنيه، حيث تجزم الدعوى بوجود شوائب وشبهات في أصح الكتب بعد القرآن الكريم وهو جامع صحيح البخاري".
وأشار أبو زيد إلى أن ما جاء بالدعوى من أن "البخاري" احتوى على شوائب وخرافات يجب أن تستبعد؛ إنما يخدم "تجديد الخطاب الديني"، التي يدعو لها السيسي، يؤكد أن الهدف هو وضع الأزهر في مواجهة مع القضاء بعد أن فشل الانقلاب في جولة المواجهة الأولى، التي تصدى لها علماء الأزهر، حتى وإن كان قبول الطعن من حيث الشكل فقط.
وأضاف أن "المحكمة أرادت تجديد فتنة الخطاب الديني مرة أخري لإلهاء الناس عن جرائم الانقلاب والقضايا المتعلقة بمعيشة الناس ومصالحهم المهدرة، فكلما اختفت قضية تجديد الخطاب الديني خرج أحد تابعي الانقلاب لإعادتها للواجهة مرة أخرى، وهو ما يؤكده أن المحكمة أصدرت قرارا في العموم فهي لم تحدد أرقام الأحاديث، أو أسلوب التنقية المقترحة، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا ينقى القرآن أيضا، خاصة إذا كان البخاري هو أول مبين له وأول مفسر بعد رسول الله؟".
وتساءل المختص في مقاصد الشرعية عن المعني المقصود من تصحيح "البخاري"، وهل من حقنا في المقابل أن نطالب الكنيسة بتصحيح الأناجيل، لأن تجديد الخطاب الديني يشمل الإسلام وغيره، وقد احتوى الكتاب المقدس على نصوص تحض على القتل والإرهاب والعدوان، بدليل أن كلمة "سيف" تكررت 400 مرة بالكتاب المقدس.
وعلق أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، محمد بدر الدين، على قرار المحكمة الأخير بأنه يأتي ضمن سلسلة من ضغوط المعادين للدعوة الإسلامية والأزهر بهدف إحراجه وإجباره على الدخول في ملف تجديد الخطاب الديني أو نزع الملف من قبضته ومنحها لقبضة وزارة الأوقاف المنصاعة للانقلاب بشكل كامل.
وعن مقصده من إحراج الأزهر، أوضح بدر الدين لـ"عربي21" أن "الأزهر أمام خيارين إما رفض تنفيذ القرار في حالة صدور حكم في المحكمة الجديدة، وفي هذه الحالة سوف تزداد الساحة الإعلامية بالمزايدين بأن الأزهر لا يحترم القضاء ودولة القانون والمؤسسات، ولا مانع من أن يخرج البعض باقتراحات لسحب سلطة الأزهر من الأمور الدينية، وعدم اعتباره المؤسسة العلمية التي حددها الدستور لمراجعة ما يتعلق بأمور الدين الإسلامي".
وأضاف بدر الدين أنه "في الحالة الثانية وهي مستبعدة، أن يرضخ الأزهر لهذه الإجراءات، فإن بابا من الجدال والتشكيك سوف يفتح ولن يستطيع أحد غلقه، مشيرا إلى أن فكرة تجديد الخطاب الديني يتم قصرها على كتب التراث الإسلامي سواء في الحديث أو التفسير أو السيرة والعقائد، بينما لا يتحدث أحد عن الوضع الاجتماعي المؤسف للأئمة والدعاة، ولا يتحدث أحد عن تزايد مظاهر العلمنة بشكل يثير القلق داخل المجتمع المصري".
ومن وجهة نظر أستاذ الشريعة، فإن "الأزهر يتعرض لأشد حرب منذ نشأته، وهناك محاولات للدفع به في طريق العلمنة، وأن يتحول لمؤسسة دينية على هوى النظام الحاكم، والحجة في ذلك جاهزة وهي محاربة الإرهاب والفكر الداعشي والتوغل الإخواني، وهي أمور لا توجد إلا في أذهان من يرددها فقط".