هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اختتمت، أمس الخميس، فعاليات منتدى مستقبل الاستثمار بالمملكة العربية السعودية (دافوس الصحراء )، الذي قاطعه أكثر من 20 من كبار المسؤولين الدوليين والرؤساء التنفيذيين لبنوك وشركات عالمية، بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسعى من خلال هذا المؤتمر، الذي نظمه صندوق الثروة السيادي السعودي على مدار ثلاثة أيام متتالية، إلى تحسين صورة السعودية كوجهة تجارية واستثمارية مربحة، والحصول على اتفاقيات بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع رؤية 2030.
وقال ابن سلمان للمستثمرين الدوليين في المنتدى (تعليقا على الانسحابات الدولية الكبيرة من المشاركة في المنتدى، باستثناء روسيا وشركاتها التي حضرت بكثافة في محاولة لكسب ود المملكة)، إن الغضب الذي أثاره مقتل خاشقجي لن يعرقل مساعي الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في المملكة... فهل حقق المنتدى أهدافه؟
25 اتفاقية
السعودية من ناحيتها، أعلنت، بحسب تصريحات وزير الطاقة خالد الفالح للتلفزيون الرسمي، الخميس، أنه "تم توقيع أكثر من 25 اتفاقية خلال فعاليات المنتدى بتكلفة بلغت 56 مليار دولار"، مضيفا أن الشركات الأمريكية كان لها نصيب الأسد من هذه العقود.
وأكد الوزير السعودي أن أمريكا ستظل جزءا أساسيا من الاقتصاد السعودي، مستطردا: "ما يربطنا من مصالح أكبر مما يتم إضعافه من خلال الحملة الفاشلة لمقاطعة المؤتمر".
اقرأ أيضا: لماذا أصرت الرياض على عقد منتدى الاستثمار رغم الانسحابات؟
وقالت شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو"، إنها أبرمت اتفاقات مع 15 شريكا دوليا تجاوزت قيمتها 34 مليار دولار خلال المؤتمر. وتشمل هذه الشركات عمالقة خدمات حقول النفط الأمريكيين شلومبرجر وهاليبرتون وبيكر هيوز. كما تم إبرام اتفاقات أيضا لجلب استثمارات وتكنولوجيا أجنبية إلى قطاعات التعليم والرعاية الصحية وبناء المساكن.
وفي المقابل، قلل خبراء اقتصاد في تصريحات لـ "عربي21" من أهمية الأرقام والاتفاقيات التي أعلنتها السعودية، مؤكدين أن غالبية الاتفاقات عبارة عن مذكرات تفاهم للدعاية والتسويق الإعلامي ولن تتطور تلك المذكرات إلى مرحلة عقود، كما حدث في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي ومؤتمر الاستثمار في تونس.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، إن السعودية "تسعى من إعلان هذه الاتفاقيات إلى إيصال صورة بأن العمل يجري بصورة طبيعية في المنتدى الذي شهد مقاطعة دولية ملحوظة والعشرات من إلغاءات المشاركة من كبار المصرفيين والمسؤولين التنفيذيين وكبار الشخصيات".
سمعة الشركات
وتتخوف الشركات العالمية الكبرى على سمعتها من تطور قضية خاشقجي وكذلك من العقوبات المتوقعة على النظام السعودي، بعدما بات شبه مؤكد أن دول العالم وقادتها لا يصدقون الرواية السعودية بما في ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ونقلت رويترز انطباعات أحد المشاركين الغربيين عن المنتدى قائلا: "كان مثل أي منتدى سعودي محلي هذا العام... انخفضت نوعية المتحدثين بالمقارنة مع العام الماضي... صانعو السياسات البارزون غابوا".
اقرأ أيضا: افتتاح مؤتمر الاستثمار بالرياض.. ووزير سعودي يقر: نمر بأزمة
وقال مسؤول تنفيذي من شركة مالية صينية، إن "قضية خاشقجي محت بعضا من رونق المؤتمر... بعض التنفيذيين الغربيين ينأون بأنفسهم... لا يرغبون في القدوم وتقديم بطاقاتهم التعريفية".
وأكد الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، أن منتدى الاستثمار السعودي أو ما يطلق عليه دافوس في الصحراء لا يختلف كثيرا عن مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مصر، ومؤتمر الاستثمار في تونس، مضيفا: "كلها بروباجندا إعلامية لتسويق مشروعات سياسية".
وقال الصاوي في تصريحات لـ "عربي21"، إن "الاتفاقيات التي تم الإعلان عنها في المنتدى، سبق وأن أعلن ثلاثة أضعافها في القاهرة، وقرب مثيلها في تونس، ولكن العبرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات وإنزالها على الأرض".
وأردف: "المنتدى يمكن أن يندرج تحت مسمى التنمية الخطابية الذي انتهجه معظم القادة والزعماء العرب بعد الاستقلال ورحلوا ولم يحققوا منه أي مشروع ناجح على أرض الواقع".
الكعكة السعودية
وحول دلالات المشاركة الروسية في المنتدى السعودي، رغم الانسحابات الأوروبية والأمريكية، أشار الصاوي إلى أن "تاريخ روسيا لا يقل عن أمريكا في التضحية بالمبادئ من أجل المصالح"، مستطردا: "روسيا تاريخها أسود، فروسيا تخلت عن القذافي وعن صدام حسين تحت رشاوى أمريكية مثل السماح لها بعضوية منظمة التجارية العالمية أو عضويتها في مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، أو اندماجها في الاقتصاد العالمي".
اقرأ أيضا: يديعوت: السعودية وولي عهدها لن يكونا كما قبل
وأوضح الخبير الاقتصادي أن روسيا لها شواهد كثيرة في المراهنة ببعض قضايا الشرق الأوسط نظير أن تحصل على جزء من "الكعكة" أو تحقيق جزء من مصالحها الاقتصادية.
وأضاف: "عندما رأت روسيا تزايد حدة الخطاب الأمريكي ضد السعودية وولي العهد السعودي، وألقت قضية مقتل خاشقجي بظلالها على العلاقات بين واشنطن والرياض، فأرادت أن تستفيد من هذا"، مستطردا: "وأظن أن روسيا ستحصل على جزء من الكعكة السعودية في حدود ما ستسمح به أمريكا".
الوقت الخطأ
وعن حضور وفودا ممثلة عن رؤساء الشركات والمؤسسات الذين أعلنوا انسحابهم من المنتدى السعودي، قال الصاوي إن غياب الرؤساء والمديرين التنفيذيين للشركات والمؤسسات المالية العالمية، كان مجرد رسالة إنسانية أكثر من كونه مقاطعة اقتصادية.
وتابع: "لا يعني حضور بعض ممثلي هذه الشركات والمؤسسات من قيادات الصف الثاني والثالث، توقيع اتفاقيات تجارية أو اقتصادية، فإذا كانت السياسية لا تعرف الصلح الدائم ولا الخصام الدائم، فمن باب أولى أن يكون ذلك في عالم البيزنس".
وقال الخبير في شؤون النفط والطاقة نهاد إسماعيل، في تصريحات سابقة لـ "عربي21"، إن المنتدى السعودي فقد زخمه وأهميته لعدة أسباب أهمها انسحاب شخصيات هامة ومؤثرة من قطاعات المال والأعمال والاستثمار الأمريكيبن والأوروببين، وغياب شركات كبيرة ومصارف استثمارية هامة مثل غولدمان ساكس وجي بي مورغان وسوفت بانك الياباني وصندوق النقد الدولي.
وأوضح أن "المنتدى يعقد في الوقت الخطأ، ولا يريد أي شخص بارز أن تظهر صورته وهو يصافح محمد بن سلمان"، معتبرا أن إصرار السعودية على عقده يعد نوعا من التحدي، وإيصال رسالة مفادها أن السعودية جادة في مشاريع رؤية 2030، وأبرزها مشروع نيوم، إلى جانب الزعم بأن أزمة خاشقجي أمر ثانوي لا تؤثر على مشاريع الدولة.