نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على دور
مواقع التواصل الاجتماعي في تعميق معاناة النساء بسبب ظاهرة التحرش الجنسي والإساءة وخطابات الكراهية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن البحث الذي أجري في الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع أثبت أن خطاب الكراهية والتحرش الجنسي، فضلا عن الاعتداءات الوحشية، تحول دون مشاركة النساء في النقاش العام.
وتطرقت الصحيفة إلى حادثة عايشتها العضوة السابقة في البرلمان النمساوي والتابعة لحزب الخضر، سيغريد مورير، حيث تلقت رسائل فاحشة على موقع
فيسبوك من قبل حساب تابع لمحل مشروبات كحولية كانت تتردد عليه. فقررت مقاضاة صاحب هذا المحل الواقع في مدينة فيينا بعد سلسلة الرسائل المسيئة التي تلقتها على موقع فيسبوك. ولم تتمكن مورير من مقاضاة المعني بالأمر، نظرا لأن الاعتداء حدث عبر رسائل خاصة. ودفعها ذلك إلى نشر هذه الرسائل على الإنترنت مصحوبة باسم المتجر ومالكه. لكن هذا المالك رفع دعوى قضائية ضدها بتهمة التشهير، انتهت لصالحه لاحقا.
وتجدر الإشارة إلى أن مورير طعنت في الحكم الذي أصدرته المحكمة في مدينة فيينا، في حين قد تضطر لدفع تعويض يقدر بحوالي 4 آلاف دولار؛ لأنها غير قادرة على إثبات أن صاحب المحل هو الذي أرسل إليها هذه الرسائل الفاضحة. فقد ادعى هذا الرجل أن كل العاملين في المحل يستطيعون الولوج إلى حسابه الخاص، وإرسال رسائل منه.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الواقعة تعدّ مجرد مثال على الانتهاكات البشعة والاعتداءات الجنسية التي تتعرض إليها النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما الشخصيات البارزة في الحياة العامة. وفي المملكة المتحدة، سُلط الضوء، مؤخرا، على المحاولات المستمرة والمتعددة لمكافحة الاعتداءات ضد النساء، خاصة الناشطات منهن في المجال السياسي.
من جهة أخرى، دعا أعضاء في لجنة المرأة والمساواة إلى إرساء قانون جديد لتجريم التقاط ونشر صور جنسية دون موافقة من الطرفين. وقد تزامنت هذه الضجة مع المشاورات التي تقوم بها الحكومة، التي استمرت على مدار أربعة أشهر، حول الحد من الاعتداءات والانتهاكات في الحياة العامة. وتقترح الحكومة فرض مخالفة جديدة على كل شخص يستغل أو يهدد المرشحين أو الناشطين، سواء بشكل شخصي أو عبر الإنترنت.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقا لبلاندين مولارد، الباحثة في المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين، يعدّ تأثير هذه الأنواع من الممارسات سلبيا على النساء الشابات، اللاتي ينتهي بهن الأمر إلى فرض رقابة ذاتية على أنفسهن، وتقليص مشاركاتهن في الحياة العامة. وأضافت مولارد، قائلة: "اعتدنا على تشكيل فكرة مثالية، مفادها أن الإنترنت يشكل مساحة تُسمع فيها جميع الأصوات، ويمكننا من خلق عالم أكثر إنصافا".
وأردفت مولارد أن الفضاء الرقمي يضع العديد من الشابات تحت الضغط لتلبية معايير غير واقعية من الجمال، بينما يواجه الشباب مفاهيم مغلوطة عن الذكورة، لا سيما الذين يخافون من التعرض للسخرية. وأظهر بحث قامت به مولارد لصالح لجنة المرأة والمساواة، أن 57 بالمئة من النساء الشابات و62 بالمئة من الشبان تعرضوا للإساءة عبر الإنترنت أو لخطابات الكراهية.
وأحالت الصحيفة إلى وجود اختلاف بين تعاملات النساء والرجال على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ترتفع نسبة مشاركة الرجال في الأنشطة العامة مثل النقاشات. كما يقومون بنشر آرائهم حول القضايا الاجتماعية والسياسية أكثر من النساء. في المقابل، توجد العديد من الأدلة التي تشير إلى أن النساء الشابات يمارسن رقابة على أنفسهن؛ لتفادي الحكم عليهن بطريقة قاسية على الإنترنت.
وفي هذا السياق، صرحت فتاة سويدية تبلغ من العمر 15 سنة في استطلاع قام به المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين، قائلة: "أنا خائفة جدا من التعبير عن آرائي على مواقع التواصل الاجتماعي. أحتفظ بها لنفسي؛ لأنني متأكدة من وجود أشخاص قد لا يعجبهم منشوري". وأعربت فتاة أخرى تبلغ من العمر 15 سنة عن رأي مماثل، مؤكدة: "أن هناك دافعين وراء كره الآخرين لك، يتمثلان في آرائك والمسائل الجنسية، خاصة إذا كنت فتاة".
وفي الختام، شددت الصحيفة على أن المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين يدعو إلى تضمين هذا المبدأ، أي المساواة بين الجنسين، في الإستراتيجيات والسياسات المتبعة من قبل الاتحاد الأوروبي في مجال الشباب. كما حث على زيادة عدد الأبحاث التي تساعد على فهم كيفية جعل الإنترنت مساحة أكثر أمانا للشابات والشبان على حد سواء. ويدعو المعهد كذلك إلى دعم الشباب ومساعدتهم على إدراك مخاطر الإنترنت، مؤكدا على ضرورة مشاركة الرجال في الجهود الرامية إلى مكافحة العنف ضد النساء.