أعلنت الحكومة
المصرية، أمس الأربعاء، بدء
حظر البث المباشر لأي قناة تلفزيونية من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي المملوكة للدولة، ومنعت الحكومة استيراد أجهزة البث التلفزيوني إلا عن طريق الجهات التابعة لها، تنفيذا لقانون تنظيم الصحافة والإعلام الجديد.
كما بدأت الحكومة في إلزام جميع المواقع الإلكترونية العاملة في البلاد بالحصول على ترخيص من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للسماح لها بالاستمرار في عملها.
وأثارت هذه القرارات جدلاً في مصر، حيث يرى معارضون أنه يهدف إلى قمع الحريات في البلاد عبر إحكام سيطرة النظام على وسائل الإعلام، بينما يقول مؤيدو النظام إن القانون الجديد يهدف إلى القضاء على الفوضى الإعلامية حرصا على استقرار البلاد!
يقضي على الفوضى
وكان رئيس سلطة
الانقلاب عبد الفتاح
السيسي قد صدق في مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي على قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي تضمن العديد من البنود التنظيمية لوسائل الإعلام العاملة في البلاد بكافة صورها.
وشدد الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أحمد سليم على أنه سيتم إلغاء تراخيص أي مؤسسة إعلامية لا تلتزم بأحكام القانون الجديد، مشيرا إلى أنه تم إنذار ست شركات ومطالبتها بوقف البث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي بسبب عدم حصولها على تصريح من المجلس، كما تم تنفيذ حملة بالتنسيق مع وزارة الداخلية لمصادرة أجهزة البث غير المرخصة.
وأوضح سليم أن هذه القرارات صدرت نتيجة وجود فوضى إعلامية في الفترة الماضية، مشيرا إلى أن القنوات التي تبث من خارج المدينة، وأغلبها تابعة لجهات عربية وأجنبية ستوفق أوضاعها مع القانون الجديد وستفتتح مقرات لها بالمدينة.
الجميع تحت الرقابة المشددة
وقال مؤيدون للنظام إن قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تؤكد حرص الدولة على تنظيم قطاع الإعلام ووقف الفوضى التي شابت المشهد الإعلامي وأساءت لصورة مصر في الخارج، مؤكدين أن هذه الخطوة تأخرت كثيرا.
وفي هذا السياق قال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة صفوت العالم إن وجود قانون لتنظيم الصحافة والإعلام هو أمر طبيعي وكان لابد من تفعيله منذ سنوات بعيدة، لافتا إلى أن هذا القانون سيؤدي إلى "ضبط" المشهد الإعلامي بشكل جيد.
وأكد العالم، في تصرحات صحفية، أن هذه الضوابط الجديدة لا تمثل قيدا على حرية الإعلام لكنها ستضع حدا لما أسمته "العشوائية" التي ترتب عليها تشغيل محطات بث خارج إطار القانون أصبحت منصات لترويج الشائعات، وتحولت بعض القنوات الدينية إلى منابر لنشر التطرف، مؤكدا أن منع البث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي سيقضي على هذه القنوات.
كما أشادت وكيل لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب جليلة عثمان بالقانون، مؤكدة أن هذه الخطوة سوف تقضي على الإعلام "غير الرسمي"، وطالبت بعدم الالتفات لمن يعارضونه مستخدمين عبارات مطاطة مثل تكميم الأفواه وقمع الحريات لتخويف الدولة ومنعها من مواجهة الفوضى الإعلامية.
وأضاف عثمان، أن الإعلام يحتاج إلى ضبط ومتابعة لأن مصر تتعرض لحرب شرسة من أعدائها بالداخل والخارج، مشددة على أن القانون الجديد سيخضع جميع وسائل الإعلام لرقابة مشددة من جانب الجهات العليا، حسب تعبيرها.
"عقليات تجاوزها الزمن"
في المقابل، قال الخبير الإعلامي محمود عبد الرحيم إن الغرض من هذه الترسانة من القوانين ليس تنظيم المشهد الإعلامي والصحفي بل ممارسة مزيد من القمع والرقابة على وسائل التعبير عن الرأي.
وأوضح عبد الرحيم، في تصريحات لـ "
عربي21" أنها تواصل بذلك مسلسل تقييد الحريات حيث تم حجب مئات المواقع الإلكترونية منذ العام الماضي، ووصل عدد الصحفيين المقبوض عليهم لأكثر من ثلاثين صحفيا، مشيرا إلى أن مصر تحتل المركز 161 على مستوى العالم في حرية الصحافة، وفقاً لتقرير منظمة "مراسلون بلا حدود".
وأضاف أن الحكومة تتذرع بحجة القضاء على الفوضى الإعلامية حتى تحكم قبضتها على جميع القنوات التلفزيونية عبر جمعها في مكان واحد يسهل السيطرة عليها ومراقبتها ووقف بثها في أي وقت إذا خالف التعليمات، لافتا إلى أنه لن يسمح بنقل أو تغطية الأحداث داخل مصر إلا لمن لمن ترضى عنه الحكومة فقط.
وأشار محمود عبد الرحيم إلى أن النية الحقيقية للحكومة من وراء هذا القانون ظهرت في تصريحات رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد، الذي أكد أن من أسماهم مناصري جماعة الإخوان والمحرضين ضد الدولة سيتم حرمانهم من إنشاء قنوات تلفزيونية أو مواقع إلكترونية لأنهم يبثون مواد محرضة، وهوالوصف الذي تطلقه الحكومة على كل من يعارض سياساتها.
وأكد عبد الرحيم أن الزمن تجاوز هذه العقليات ولا يمكن حجب الحقيقة عن الناس كما كان يحدث في عهود سابقة، موضحا أن أي حادث يمكن أن تنقله وسائل التواصل الاجتماعي وقت حدوثه عبر دون الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية.