كان أكثر ما لفت نظري في حوار عسكري
الانقلاب مع جريدة الشاهد
الكويتية هو وصفه للربيع العربي بالفوضى، وأنه (الربيع العربي) كان بسبب أوضاع
خاطئة ثم معالجة خاطئة.
والحقيقة
أن الثورات المضادة لم تكن تملك حلولا للأوضاع التي سبقت الثورات ولا هي قادرة على
احتواء الثورات ولو فكرياً على الأقل. فالثورات المضادة التي قامت بها أجزاء من النظم
نفسها التي أنتجت هذه الأوضاع (الخاطئة) كما يسميها عسكري الانقلاب، غير قادرة على
معالجة هذه الأوضاع. كما أن هذه الأجزاء من النظم والتي هبت لإنقاذ النظم من موجة
التغيير، ليست بطبيعتها قادرة على احتواء هذه الثورات فكرياً. فأقصى ما تستطيع
تقديمه هو التصادم مع الثورات والمعالجة الأمنية والتعاطي العنيف وبالتالي خلق
المزيد من المظلوميات والمساهمة في تفاقم الأوضاع.
احتواء
الثورات
وعسكري
الانقلاب يتحدث بهذه اللهجة التي تشعرك بالثقة لأنه يتصور أنه طالما انطفأ الحراك
المناهض للانقلاب فإن هذا يعني نجاح الثورة المضادة في محاصرة الرغبة في التغيير
لدى الناس. والحقيقة أن هذا غير حقيقي، فالطريقة التي تعامل بها الانقلاب مع
مناهضيه كانت حلولاً تصادمية وصلت إلى حد القيام بمجازر مروعة كمجزرة رابعة
والنهضة، استشهد فيها الآلاف.
ويمكننا
القول أن الثورات المضادة لم تنجح إلا في زيادة الأمور سوءاً على المستويين الاجتماعي
والسياسي، ففي الحالة
المصرية سنجد أن الانقلاب خلال سعيه لإعادة الجماهير الراغبة
في التغيير إلى المربع الصفر قد زادت نسب الفقر بمعدلات سريعة في الفترة من 2013
وحتى الآن، ونتج عن هذا بدون شك اتساع الشريحة المناهضة للانقلاب. بالإضافة إلى
زيادة تعقيد الأوضاع السياسية ووضع شريحة كاملة في خصومة مع الانقلاب خصوصا بعد
التفاصيل المريعة لمجازر رابعة وغيرها والتي لم يتورع فيها الانقلاب عن قتل النساء
والأطفال ومشاهد المجزرة التي حُفرت في الضمير الشعبي ولم يعد من الممكن أن تنخلع
منه.
ناهيك
بالطبع عن التدهور الاقتصادي والفشل المدوي في ملفات كالتعليم والصحة وهي كلها
أسباب يمكنها إسقاط حكومات ونظم في الأحوال العادية. ولكن نتيجة لإحكام القبضة
الأمنية، عادت شريحة لا بأس بها إلى مقاعد المتفرجين، فالانقلاب استطاع محاصرة حق
التظاهر الذي انتزعه الشعب في 25 يناير عن طريق قانون التظاهر كما تكفلت طريقة
الإدارة الخاطئة لمرحلة ما بعد الانقلاب في زيادة تعقيد تفاصيل المشهد وتأخير أي
حلول.
ورقة
الشرعية
في
ظل هذا كله يبقى المنطلق الوحيد الناجح حتى الآن والذي لم يتم استغلاله كما ينبغي،
هو
شرعية الرئيس مرسي وهو المكسب الواضح الذي لم يستطع الانقلاب حتى الآن مواجهته
رغم اختطاف الرئيس محمد مرسي منذ الساعات الأولى للانقلاب. والبعض يتجاهل مسألة
الشرعية نفسها وينزلق إلى نقاشات حول القدرة على استعادة الشرعية من عدمه والواقع أن
الأمرين منفصلين، ولابد في البداية من الإصرار على الشرعية وبناء موقف موحد في
مواجهة الانقلاب وإعادة تجميع الكتل الرافضة للانقلاب خلف مسمى الشرعية.
والانقلاب
رغم تمكنه الكامل من كل مفاصل الحياة في مصر إلا أنه ما يزال يفتقر للشرعية، وذلك
لأن الرئيس مرسي لم يتنازل عن منصبه، ولأن هناك كتلة صلبة ما تزال مصرة على شرعية
الرئيس، ولهذين السببين يتعمد الانقلاب دائماً تغييب ذكر الرئيس وتقليل مرات ظهوره
في جلسات المحاكمات الهزلية كما يحاول من جانب آخر تفتيت الكتلة المتمسكة بشرعية
الرئيس بطرق عديدة.
ولهذا
فإن الحل الوحيد الممكن والعملي الآن والذي يمكنه إعادة تنشيط الكتلة المناهضة
للانقلاب هو إبراز الشرعية كمنطلق وحيد في مواجهة الانقلاب العسكري.