هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قلل وزير الري المصري محمد عبد العاطي من خطورة تزايد ظهور قاع نهر النيل في شكل جزر داخل مجرى النهر خلال الأشهر الماضية، نافيا أن "يكون هذا مؤشرا لبداية أزمة المياه المرتبطة بسد النهضة"، مؤكدا في الوقت ذاته أن "بحيرة ناصر لديها مخزون من المياه يتم استخدامه طبقا للحاجة".
ورغم التطمينات التي قدمها عبد العاطي خلال لقاء
تليفزيوني الأسبوع الماضي، إلا أنه أكد أن مصر تعاني من أزمة مياه خطيرة، وأن
بلاده تعد أكثر دول العالم جفافا بسبب ندرة الأمطار وانتشار الصحراء التي تمثل 95
بالمئة من مساحتها، مشددا على أنه "لم يتم التوصل لأية حلول مع الجانب
الإثيوبي فيما يتعلق بسد النهضة".
وتأتي تصريحات الوزير بالتزامن مع تحذيرات أطلقتها
لجان الرصد التابعة للوزارة من انتشار ظهور أجزاء من قاع النيل في شكل جزر نتيجة
انخفاض منسوب المياه، وهي الجزر التي ظهرت بكثرة في محافظة الدقهلية خلال العام
الماضي، وأصبحت تعاني منها معظم محافظات دلتا النيل، في ظل عدم قيام الحكومة
بتعويض فارق المياه من بحيرة ناصر.
من جانبه، تساءل الكاتب الصحفي سليم عزوز عن مدلول
تصريحات وزير الري المتعلقة بعدم التوصل لأي تقدم مع إثيوبيا في ملف سد النهضة،
وعلق ساخرا عبر صفحته في "فيسبوك": "أين القسم الذي جعل السيسي
رئيس وزراء إثيوبيا يردده خلفه بألا يضر مصر في مياه النيل".
اقرأ أيضا: لماذا تشيد مصر خمسة سدود جديدة على النيل في أوغندا؟
وتعليقا على هذا الموضوع، قال الباحث المتخصص في
شؤون المياه وائل الحسيني إن "انتشار الجزر داخل حوض نهر النيل، يعني انحسار
المياه بمعدل منخفض جدا"، مبينا أن "ذلك أدى لظهور أجزاء من قاع النيل،
وهي حالة لم تشهدها مصر منذ إنشاء السد العالي في ستينيات القرن الماضي".
وأوضح الحسيني لـ"عربي21" أن "السد يقوم
بتعويض هذا العجز من المياه الموجودة ببحيرة ناصر، والتي تمثل احتياطيا استراتيجيا
للمياه"، مضيفا أن "السياسات المائية التي انتهجتها مصر في ظل الحكومات
المتعاقبة كانت خاطئة، وتسببت في الخطر المائي الذي يحيط بمصر".
واستدرك قائلا إن "الكارثة الأكبر كانت في أداء
حكومات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، التي تعاملت مع أخطر قضية تهدد مصر
باستخفاف وخداع"، مؤكدا أن "الوضع الكارثي الحالي يأتي قبل بدء تشغيل سد
النهضة".
وذكر الحسيني أنه "إذا كانت الأمور تسير بهذا
الشكل الآن، فما هو الوضع مع بدء ملو السد وفقدان مصر ما يقرب من ربع المياه
القادمة إليها"، مفيدا أن "منع الحكومة لزراعة الأرز ليس هو الحل
السحري، وإنما الحل في سلسلة إجراءات لم تقم بها الحكومة حتى الآن، أبرزها وقف
البحيرات والأنهار الصناعية وملاعب الجولف، التي أصبحت عنوانا ثابتا للمدن الجديدة
التي تنفذها الدولة".
وتأكيدا للتداعيات الخطيرة، قال الخبير في بحوث
المياه الدكتور فتحي عمران إن "هناك تقارير عديدة رصدت خطورة الوضع المائي
بمصر"، منوها إلى أنه "قدم حلولا للجهات المسؤولة لإنقاذ ما يمكن
إنقاذه، ولكن الحكومة لم تتعامل معها".
اقرأ أيضا: خبير سوداني يحذر من خصخصة إسرائيل للنيل ومصر تبرئ أثيوبيا
وأوضح عمران لـ"عربي21" أن "أزمة سد
النهضة ليست هي الوحيدة في مشاكل المياه بمصر"، مبينا أن "هناك مشكلة
التصحر ومشكلة غرق الدلتا، وكلاهما يمثل خطورة على مستقبل مصر وليس نهر النيل
فقط"، بحسب تقديره.
واستدل عمران بدراسة لمجلة الجيولوجيا الأمريكية حول
التأثيرات السلبية لسد النهضة على مصر، والتي حذرت بأنه مع بدء أعمال ملو السد فإن
حصة مصر من المياه العذبة سوف تنخفض بنسبة 25 بالمئة، ما سيكون له تأثير مباشر على
فقدان ثلث الكهرباء التي ينتجها السد العالي، كما أن تسرب المياه المالحة لمياه
النيل والمياه الجوفية يعرض ثلث المياه العذبة في الدلتا للخطر وسيؤدي لهجرة أكثر
من 5 ملايين مواطن من الدلتا.
وأكد أن أزمة المياه يمكن أن تؤدي لفقدان مصر 60
بالمئة من إنتاجها الغذائي بحلول عام 2025، بسبب جفاف الدلتا المتوقع، والذي بدأت
ملامحه بعدد من المحافظات التي ظهر قاع النيل فيها بشكل واضح، ما نتج عنه "شطوح"
البواخر النيلية السياحية بأسوان، وهروب الأسماء من مصارف الدقهلية.
وتساءل عمران عن مصير مخزون المياه الجوفية بالصحراء
الغربية الذي أعلن عنه السيسي في بداية حكمه، وقال إنه سوف يساعد على زراعة ثلاثة
ملايين فدان كان من المفترض أن تضاف للرقعة الزراعية بمصر، ولكن يبدو أن هذا
الكلام لم يكن له أي وجود على أرض الواقع.
ورأى الخبير المائي أن مصر تعد الدولة الوحيدة التي
يرتبط بشؤون المياه فيها أكثر من وزارة وهيئة، فهناك وزارة الري والموارد المائية
ووزارة الزراعة ووزارة الإسكان، وهيئة الثروة السمكية بالإضافة لوزارة الخارجية
وأخيرا المخابرات العامة، ورئاسة الجمهورية، ومع ذلك تشهد مصر نقص بالمياه متجدد
بنسبة 2 بالمئة سنويا، متوقعا أن تزيد لمعدلات أكبر مع بدء ملو وتشغيل سد النهضة.