في خطابه أول أمس الثلاثاء في ولاية ميسيسبي الأمريكية ألقى
ترمب خطابا ضمن الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري؛ خطاب مكرور من حيث المضمون والمحتوى واللغة الفجة والاستعراضية؛ إذ تضمن تكرار التهديد للمملكة
العربية السعودية ودول الخليج بضرورة دفع ثمن الحماية الأمريكية التي لم تمنع إيران من السيطرة على مدخل الخليج العربي؛ أو توجيه ضربات في عمق الأراضي السورية بالقرب من القوات الأمريكية والمليشيا الكردية الحليفة لها شرق الفرات؛ و لم تمنع الحوثيين من إطلاق الصواريخ على السعودية أو مهاجمة ميناء جيزان بزوارق مُفَخّخة.
خطاب ترمب تحدث عن كل شيء تقريبا لكنه لم يتطرق إلى التصعيد في الخليج العربي واحتكاك الزوارق الإيرانية التابعة للحرس الثوري مع حاملة الطائرات الأمريكية (ثيودور روزفلت)؛ كما لم يتطرق إلى الرد الروسي المبطن بتدمير نووي متبادل؛ ردا على تهديدات المندوبة الأمريكية لدى الناتو "كاي بايلي هاتشيسون" بضرب روسيا في حال لم توقف برنامجها لتطوير الصواريخ المجنحة؛ والتي عادت فتراجعت عنها عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
لم يعلق على تسليم روسيا صواريخ أس 300 لسوريا رغم اعتراض الكيان الإسرائيلي وأمريكا؛ ولكن ترمب تحدث عن إنجازاته مع الصين وكندا وألمانيا وتحدث عن مرشحة للمحكمة العليا الذي يواجه سلسلة من الفضائح؛ وداعب أحلام الناخبين بالحديث عن المليارات التي جمعها من دول الخليج الثرية وعلى رأسها السعودية؛ ترمب حوَّل العرب وملياراتهم وتريليوناتهم إلى مادة ترويجية إعلامية في حملات الحزب الجمهوري الانتخابية؛ محرجا العرب وخصوصا الدول الغنية وعلى رأسها الخليجية، إذ أصبحت مقولة "عليكم أن تدفعوا المليارات أيها العرب" شعارا انتخابيا للحزب الجمهوري وترمب شخصيا.
تصعيد خطابي ضدّ إيران
ترمب يصعد في لهجته مع إيران ولكنه على أرض الواقع لم يستطع منعها من مهاجمة الأراضي السورية ولم ينجح في وقف مضايقاتها للقطع البحرية الأمريكية في الخليج العربي؛ ولم يوقف تقدمها في العراق إذ تعزز نفوذها السياسي والإقتصادي بعد الانتخابات العراقية البرلمانية بشكل لافت؛ ترمب يتحدث عن النجاح ويتجنب مناقشة التحديات والفشل في الملف الفلسطيني والسوري والعراقي والعلاقات المتوترة مع تركيا وباكستان والهند والمانيا وروسيا والصين؛ مداعبا آمال وطموحات الكثير من الأمريكيين السذج المولعين بالقادة الشعوبيين.
على الجانب الآخر من العلاقة تقف الدول العربية محتارة في الطريقة التي ستتعامل بها مع مطالب ترمب التي لا تنتهي؛ إذ أصبح كالزوجة المتطلبة التي لا تنتهي طلباتها ولا يرضيها شيء ولا يقنعها شيء؛ علما بأن استقرار الأسرة ونمائها يعتمد على الشريكين وقدرتهما على تفهم احتياجات كل منهما للآخر وقدراته الفعلية؛ فتارة يعمد ترمب الى دفع دول الخليج إلى تزويده بأكثر من 500 مليار دولار وتارة أخرى يطالبها برفع سقف الإنتاج النفطي لتخفيض أسعار النفط ثم يعود ليطالب الدول العربية بمزيد من الأموال؛ يسحب منظومة باتريوت الدفاعية بحجة الصيانة تارة؛ وأخرى بحجة الحاجة إليها في مواقع أخرى من العالم؛ تارة يهدّد بالانسحاب من سوريا ثم يعود ويتراجع ويشيد بجهود السعودية في إعمار سوريا وتمويل الجهود الإنسانية شرق الفرات.
مطالب لا تنتهي
مطالب ترمب لا تنتهي اذ يطالب دول الخليج بالتطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي ودعم صفقة القرن ونقل السفارة الى القدس؛ دون مقابل في حين يقدم منح عسكرية للكيان الإسرائيلي تقدر بـ 38 مليار دولار لتعزيز قدراتها الدفاعية فهو لا يكتفي بحمايتها بل ويدفع ثمن هذه الحماية ويزامن هذه القرارات مع الحملة الانتخابية للكونغرس الأمريكي.
الدول العربية رغم سخائها فإنها عاجزة عن الإيفاء بمتطلبات الإدارة الأمريكية؛ فالمبالغ التي أنفقت لتجاوز قانون جاستا والإتفاق النووي الإيراني لم تكن كافية أمام نهم الرئيس الأمريكي ومتطلباته لتعزيز شعبيته وتدعيم حملة الحزب الجمهوري لانتخابات الكونغرس النصفية؛ مسألة ستتكرر بعد عامين عند انطلاق الحملة الرئاسية؛ منذرا بأعباء إضافية واستنزاف كبير لموارد الدول الخليجية وعلى رأسها المتورطة في الصراع اليميني؛ فالحاجة أشد الحاحا بعد التدهور الأمني الكبير الحاصل في منطقة الخليج والبحر الأحمر وتنامي التهديد الحوثي؛ ما يعني أن دول الخليج مقبلة على أزمة مالية وسياسية يصعب تجاوزها، فهل بات ترمب ملاذا لهذه الدول أم عبئا يستنزفها دافعا بها للخروج من عباءته؟ سؤال ستختلف وتتباين أساليب الإجابة عنه من دولة إلى أخرى في الخليج العربي.