هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عُرف في ألمانيا بـ"الغراب" و"ميزو توزييه" أو "عازف الليل"، منذ ظهوره الأول في الدوري الألماني "البوندسليغا" في صفوف نادي "شالكة" بسبب ذكائه وتحركه في الملعب وتميزه في صناعة الأهداف للمهاجمين وتسجيلها بنفسه أيضا.
مسيرته الرياضية مع المنتخب الألماني اختزلت أخيرا
بصورته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فأصبحت الصورة هي أصل الحكاية، وحديث
السياسيين في برلين، حتى إنجيلا ميركل الرصينة والجادة جدا جدا، دخلت على خط
الأزمة.
تلخص عبارته الغاضبة: "أكون ألمانيا عندما نكسب
مباراة، وعندما نخسر يصفونني بالمهاجر"، مشكلته مع ما يقول بأنه: "تمييز
عنصري يطال لاعبي كرة القدم في ألمانيا".
يمتاز مسعود أوزيل ذو الأصول التركية، المولود في
عام 1988 في "غيلسنكيرشن" بألمانيا، بالبراعة والارتجال في اللعب، ويمكن
بسحرية رجله اليسرى أن يفتح كل الأبواب بتمريراته الدقيقة المذهلة لمساعدة زملائه
في التسجيل، وأفضل مثال على ذلك زميله
سابقا في "ريال مدريد" كريستيانو رونالدو الذي سجل 40 هدفا في الدوري
الإسباني عام 2011، منها 26 هدفا سجلها من تمريرات حاسمة لأوزيل.
وهو رائع في السيطرة على الكرة والرؤية الثاقبة مثل
الأرجنتيني ليونيل ميسي، ويمتلك أوزيل قدرة التسديد من بعيد.
يلعب أوزيل كصانع ألعاب، وكثيرا ما يقترب من أسطورة
كرة القدم الفرنسية زين الدين زيدان في طريقة لعبه ومهارته وتمريراته السحرية.
بدأ أوزيل مسيرته الكروية مع ناد صغير بضواحي
"غيلسنكيرشن" لينتقل بعدها في عام 2005 إلى نادي "شالكه"،
لكنه تعرض للعديد من المشاكل مع إدارة النادي مما أدى إلى انتقاله إلى نادي
"فيردر بريمن" والذي فجر فيه مواهبه بوسط الميدان وقاد الفريق إلى نهائي الدوري الأوروبي والذي خسره بصعوبة.
حقق أوزيل في موسم 2009–2010 مع " فيردر
بريمن" نجاحا ساحقا أبهر كل متابعي
الدوري الألماني وكشافي المواهب، وتوقعوا له مستقبلا زاهرا، وهو ما توّج باستدعاء من
طرف مدرب منتخب ألمانيا يواخيم لوف للمشاركة في كأس العالم 2010.
بعد مشاركة ناجحة مع المنتخب في كأس العالم فُتحت
أمام أوزيل أبواب الشهرة على مصراعيها، وانهالت عليه العروض من أكثر من ناد، ولم
تكن ثمة رغبة لدى "فيردر بريمن" بالاستغناء عن أوزيل، لكنه في النهاية
رضخ، وتعاقد أوزيل مع نادي "ريال مدريد" الإسباني الذي جعله نجما من
نجوم كرة القدم، وحاز معه في الموسم الأول له على كأس ملك إسبانيا ضد الغريم
التقليدي "برشلونة".
وكانت لدى أوزيل رغبة جارفة في اللعب لصالح "ريال مدريد"، لتحقيق
حلمه باللعب في نفس نادي لاعبه المفضل وقدوته زين الدين زيدان، وهو ما صرح به
قائلا: "أنا سعيد جدا لأنني سألتقي زيدان، وهو مثلي الأعلى منذ الصغر، وكنت
معجبا برؤية فنياته وتقليدها في الملعب".
حتى المدرب جوزيه مورينو المتعجرف وقليل المديح
للاعبين يقول إنه لاعب "ساحر"، موهبته دفعت أيضا رئيس نادي "ريال
مدريد"، فلورنتينو بيريز إلى التصريح بقوله: "بالنسبة لي، أوزيل إذا ما
استمر زخمه، سوف يصبح ببساطة أفضل لاعب على هذا الكوكب."
لكن، دوام الحال من المحال، فبعد وصول لوكا مودريتش
إلى "ريال مدريد"، ادعت بعض وسائل الإعلام عدم سعادة أوزيل من هذه
الصفقة، لكنه أنكر هذا الكلام في إحدى مقابلاته، وقال بأنه يتطلع إلى زيادة مستواه
للحفاظ على مكانه في التشكيلة الأساسية.
في صيف 2013 وفي آخر يوم من سوق الانتقالات وافق
أوزيل على الانتقال إلى نادي "أرسنال" الإنجليزي، وتمت الصفقة بالفعل، وبلغت 42.5 مليون يورو، ونجح أوزيل بإحراز
لقب كأس الاتحاد الإنجليزي في أول مواسمه، وأيضا تكرر الأمر في الموسم التالي حيث
أحرز لقب كأس الاتحاد الإنجليزي.
بدأ أوزيل اللعب مع المنتخب الألماني تحت 19 سنة في
عام 2006، وفي عام 2009 لعب لصالح منتخب ألمانيا
الأول، ويومها صرح المدرب يواخيم لوف بأن "أوزيل هو مستقبل كرة القدم الألمانية".
استطاع المنتخب الألماني بمساعدة أوزيل وزملائه
التأهل إلى نهائيات كأس العالم عام 2014 في البرازيل، ومن ثم الفوز بالبطولة بعد
التغلب على الأرجنتين، لتحقق ألمانيا اللقب الرابع في تاريخها.
جدد لوف ثقته بأوزيل واختاره للمشاركة مع المنتخب الألماني في كأس العالم
2018 في روسيا، وفي أكبر مفاجآت مونديال
روسيا غادر أوزيل برفقة منتخبه ألمانيا كأس العالم من دور المجموعات بعد الخسارة
الكارثية أمام منتخب كوريا الجنوبية.
خروج ألمانيا المذل جدا والذي لا يليق
بدولة كبيرة في كرة القدم أعاد موضوع صورة أوزيل مع أردوغان إلى الواجهة من جديد،
وبدلا من إقالة رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم راينهارد غريندل وجهت سهام نقد
لاذع وموجع لأوزيل تحديدا دون باقي اللاعبين.
كان الجميع بحاجة إلى كبش فداء ليضحى به للخروج من
أزمة ترهل المنتخب وفقدانه لبريقه المعهود.
لم يتأخر أوزيل كثيرا بالرد على الحملة المنتقاة
بعناية والموجهة ضده، فقد أعلن مباشرة بعد انتهاء كأس العالم اعتزال اللعب الدولي وقال في بيان له:
"بحزن بالغ وبعد فترة تفكير طويلة بسبب الأحداث الأخيرة لن ألعب مع ألمانيا
على المستوى الدولي مرة أخرى بسبب شعوري بإهانة عنصرية وعدم احترام".
وعلق أوزيل على الصورة التي جمعته بأردوغان برفقة
زميله لاعب "مانشستر سيتي" إلكاي غوندوغان بالقول: "لا علاقة له
بالسياسة أو بالانتخابات، بل الأمر عبارة عن احترام أعلى منصب في موطن عائلتي".
يضيف: "المعاملة التي تلقيتها من الاتحاد
الألماني وآخرين جعلتني لا أرغب في ارتداء قميص ألمانيا، وأشعر بأنني غير مرغوب به،
وأعتقد أن كل ما حققته منذ مشاركتي الأولى مع المنتخب الألماني في 2009 تم نسيانه".
وكان الأمر مثل كرة الثلج المتدحرجة، فدخلت أطراف
عدة على جبهة القصف، ميركل نفسها دخلت على خط الأزمة قائلة، إن حوالي ثلاثة ملايين
شخص من أصول تركية يعيشون في ألمانيا اندمجوا بشكل جيد، وأكدت أن المهاجرين مرحب
بهم في ألمانيا، وأضافت أنها تقدر أوزيل.
ووصفته بأنه لاعب رائع قدم الكثير للمنتخب الوطني،
وأنها تحترم قرار أوزيل باعتزال اللعب الدولي.
ووجه أوزيل في بيانه يومها انتقادات إلى مسؤولي
الاتحاد وتحديدا رئيسه غريندل الذي خذل لاعبه تماما، ولم يكتف بمهاجمته بل تركه
عرضة للصحف ووسائل الإعلام وانتقادات الجميع بمن فيهم أولي هوينيس رئيس نادي
"بايرن ميونخ"، الذي هاجم أوزيل، قائلا في تصريحات للصحفيين: "إنني سعيد بأن الأمر كله قد
انتهى، إنه يلعب بحماقة منذ أعوام، الآن يخفي نفسه وعروضه المتواضعة خلف هذه
الصورة".
لكن غريندل عاد وبعد مرور أزمة الخروج من كأس العالم
والمشاركة الكارثية بسلام ودون الإطاحة به، وأعرب في تصريحات صحفية عن اعتقاده بأن اللاعب (أوزيل) كان يحتاج لمزيد من
الدعم خلال الأزمة، معربا عن أسفه "إذا ما شعر بأن الاتحاد الألماني لكرة
القدم خذله".
أوزيل قطع أية صلة له بالمنتخب حتى أن المدرب يواكيم
لوف ومدير المنتخب أوليفر بيرهوف منعا من لقاء أوزيل خلال تمارين فريق
"الأرسنال"، لمناقشة الاعتزال الدولي المثير للجدل.
وتواجد لوف وبيرهوف في لندن للمشاركة في مؤتمر
للمدربين نظمه الاتحاد الدولي (فيفا)، ثم زارا موقع تدريب "الأرسنال"
في كولني في شمال لندن لتنقية الأجواء مع أوزيل.
وبحسب صحيفة "بيلد" الألمانية، فقد تم
إبعاد لوف وبيرهوف عن مدخل ملعب تدريبات "الأرسنال"، بأمر من المدرب
الإسباني أوناي ايمري، وقال بيرهوف: "كنا نود الحديث مع أوزيل، لكن علينا أن
نقبل أنه في الوقت الحالي لا يريد إجراء هذا الحوار معنا".
وكان لوف قال مطلع الشهر الحالي إنه غالبا ما حاول
الاتصال بأوزيل دون جدوى.
جرح أوزيل الغائر لن يمحى بسهولة، فالصورة ستبقى
حاضرة في أذهان العنصريين، في ظل سيطرة اليمين الشعبوي على الحياة السياسية في دول أوروبية عدة، وربما ينهي أوزيل حياته
الكروية في وطنه الأم تركيا بعد أن ينتهي عقده مع "الأرسنال".