هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهد شاطئ مارتيل (شمال المغرب)، نهاية الأسبوع الماضي، توافد العشرات من الشبان المغاربة من أجل اقتناص فرصة للهجرة نحو إسبانيا بطريقة سرية، ما اعتبره مراقبون "سابقة"، ودفع بالسلطات المحلية إلى وضع حواجز أمنية على مداخل مدن الشمال لمنع تدفق الشباب الراغبين في الهجرة نحو أوروبا.
حواجز أمنية
وكشف مرصد الشمال لحقوق الإنسان (غير حكومي)، أن السلطات الأمنية عمدت إلى نشر العشرات من الحواجز الأمنية في مداخل مدن الشمال لمنع الشباب من التوجه نحو أوروبا بطريقة غير شرعية، لافتا إلى أنها قامت بحملات توقيف "لعشرات الشباب في مداخل المدن السياحية الشمالية والتأكد من هوياتهم وإلزام الشباب القادم من مدن الداخل إلى العودة إلى مدنهم الأصلية".
اقرأ أيضا: واشنطن بوست: ترامب دعا إسبانيا لبناء "جدار عازل" شمال أفريقيا
وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، قد أعلنت أمس الأحد، أن عناصر البحرية الملكية تمكنت، بتعاون مع الدرك الملكي، من إحباط محاولة للهجرة السرية انطلاقا من شاطئ مارتيل.
وأوضح المصدر، في بلاغ له، أن وحدة قتالية تابعة للبحرية الملكية تنشط على مستوى السواحل المتوسطية تعقبت ليلة 22-23 أيلول/ سبتمبر الجاري قاربا كان منطلقا بسرعة فائقة محاولا الوصول إلى شاطئ مرتيل لنقل مرشحين للهجرة السرية.
وأضاف أن التنسيق بين هذه الوحدة وزورقين سريعين تابعين للدرك الملكي أجبر القارب على الفرار إلى عرض البحر، مشيرا إلى أن أيا من المرشحين للهجرة السرية لم يتمكن من امتطاء القارب.
خطوة غير كافية
الباحث في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية، يوسف القياس، أشاد بوضع الحواجز الأمنية بمداخل مدن الشمال، إلا أنه قال إن تلك الخطوة "غير كافية"، خاصة مع نجاح العديد من الشبان في الوصول إلى الشواطئ الإسبانية حيث "سيكون دافعا قويا للآخرين للالتحاق بأي ثمن".
وأوضح في تصريح لـ"عربي21"، أن الدوافع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية للهجرة غير الشرعية كانت دائما متواجدة، غير أن قوتها وتأثيرها تزايدا بعد 2016.
وليلة أول أمس السبت، عرف شاطئ مارتيل احتشاد العشرات من الشباب بعدما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبر نقل زوارق سريعة معروفة باسم "فانطوم" للراغبين بالهجرة نحو إسبانيا "مجانا".
ورفع المتجمهرون شعارات تناقلتها مواقع التواصل بشكل واسع من قبيل: "الشعب يريد الحريك (الهجرة السرية) بطال (مجانا)"، و"الهجرة الهجرة إلى إسبانيا"، منتقدين الوضع العام بالمملكة.
يشار إلى أن الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، أكد في ندوة صحفية أن السلطات تقوم بمجهودات كبيرة لإحباط محاولات الهجرة ومحاربة عصابات الاتجار بالبشر.
وكشف الخلفي أن مجموعة المهاجرين الذين تم إحباط محاولة مغادرتهم التراب الوطني انطلاقا من سواحل المملكة، بلغ، منذ بداية السنة الجارية إلى غاية آب/ أغسطس الماضي، 54 ألف مرشح للهجرة غير الشرعية، ما بين المغاربة والأجانب من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
اقرأ أيضا: المغرب: الهجرة السرية تتراجع.. وحقوقيون: الواقع يكذّب
من جانبها، قالت صحيفة "إلبايس" الإسبانية، إن حوالي 33 ألفا و115 مهاجرا غير شرعي وصلوا إلى الأراضي الإسبانية، بينهم 6433 مغربيا.
وزعمت مصادر الصحيفة الإسبانية أن السلطات الأمنية المغربية "تتساهل" مع هجرة الشباب المغربي بعدم مراقبة السواحل الوطنية، في حين قال عضو بإحدى المنظمات الحكومية، إن شباب الريف يركبون "قوارب الموت" بحثا عن مستقبل أفضل في الضفة الأخرى.
عوامل متعددة
قال أستاذ علم الاجتماع، علي الشعباني، إن للهجرة عدة عوامل ما بين سياسية واقتصادية واجتماعية، دفعت بالشباب المغربي للبحث عن وسائل للهروب منها.
وقال الشعباني في تصريح لـ"عربي21"، إن السبب الأول في الهجرة هو ذو بعد اقتصادي فـ "حالة المغرب لا تسر أحدا، لأن المرحلة التي يمر منها المجتمع المغربي هي مرحلة قاسية جدا، فهو يعاني من أزمات على مستويات متعددة، مع انتشار البطالة ومع انسداد الآفاق".
في ما أرجع السبب الثاني إلى "انعدام الإرادات السياسية الحقيقية التي يمكن أن تحدث نوع من الانفراج والطمأنينة لدى هؤلاء الشباب"، لافتا إلى أنها "تكاد تكون منعدمة، ويوما عن يوم تظهر قرارات وإجراءات لا تعمل إلا على التضييق على الشباب"، مشيرا إلى أنه "لا يمكن لهؤلاء الشباب إلا أن يبحثوا عن العوامل والوسائل التي يمكن أن تخرجهم من هذه المشاكل، ومن هذا المأزق الذي يعانون منه".
تشجيع الهجرة
وأكد أستاذ الاجتماع أن الهجرة "مسألة مفتعلة دوليا"، ودليله فتح الدول أذرعها ولو نسبيا لاحتضان المهاجرين بتوفير جميع الظروف لهم، مشددا على أن "الدولة المغربية لا تعمل أي شيء لمحاصرة الهجرة، بل إنها تشجع على ذلك".
وأوضح الشعباني أن المغرب يشجع على الهجرة وليس العكس، وذلك بسبب أنه "لا يقوم بأي إجراء لاحتواء الشباب، ولا يبذل أي مجهود لرفع المستوى الاقتصادي، ورفع نسبة النمو التي يمكن أن تخلق مناصب الشغل".
وسجل وجود هجرة للأطر المغربية من أطباء ومهندسين، "لأنهم اكتشفوا أن الدولة لا تشجعهم وتمنحهم رواتب هزيلة جدا، بعكس ما توفره لهم الدول الغربية، لذلك فضلوا هذه الدول على المغرب"، وفق قوله.
وأكد أستاذ علم الاجتماع أن الشباب يرى آفاق سوداء وسياسات مغلقة، ولا يريد أن يعيش في الضنك والفقر لذلك يجد في الدول الغربية خلاصا له.
اقرأ أيضا: فرنسا تدعو لمساعدة المغرب والجزائر للحد من الهجرة السرية
وشدد الشعباني على ضرورة "تحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع على الأقل لنوقف هذه الظاهرة أو نخفف من وتيرتها".
كما طالب بتحسين الوضع السياسي فـ"لابد أن يحس المواطن بأنه فعلا مواطن يعيش في بلد يحترم كرامته ويعطيه حقوقه، ويجد مساواة في كل شيء، وعدل اجتماعي، وتوزيع للثروات بشكل عادل، أما إذا بقي الأمر على ما هو عليه من محسوبية، ورشوة، وظلم، وعدم توزيع الثروات بشكل عادل، وعدم اكتساب الحقوق، فالباب الوحيد والأمل الوحيد الذي يبقى له هو التماس الهجرة إلى بلد آخر علّ وعسى يجد فيه ما يفتقده في مجتمعه".
ولاقت الفيديوهات المنتشرة للشباب في شاطئ مارتيل ردود فعل متباينة بين نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي، ما بين مشجع للمبادرة التي قام بها أصحاب الزوارق السريعة، وبين رافض لها.