هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعدت مراسلة الشؤون الخارجية في صحيفة "صاندي تايمز" كريستيان لامب، تقريرا عن أرشيف قالت إنه يحتوي على مليون وثيقة فيها إدانة لنظام الرئيس بشار الأسد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ان الوثائق جمعها فريق يشرف عليه بيل وايلي (54 عاما)، وهو الجندي الكندي السابق والمحقق في جرائم الحرب، الذي شعر بالإحباط من العمل مع محكمة الجنايات الدولية، عقب شعوره بأنها بطيئة في عملها ومكلفة.
وتذكر لامب أن وايلي أكد أن الأرشيف يثبت "مئة بالمئة سيطرة الأسد المطلقة عن كل شيء يحدث في النظام، وهو مسؤول عن عمليات قتل أكثر من تنظيم الدولة.. وفيه أدلة دامغة ضده"، مشيرة إلى أن الأرشيف محفوظ في 265 صندوقا محفوظة في مكان سري مراقب بكاميرات.
وتكشف الصحيفة عن أن هناك في داخل الصناديق مليون وثيقة، منها تقارير مخابرات سرية تفصل التعذيب المنهجي والقتل للمعارضة، لافتة إلى أن معظم الوثائق تحمل شعار الدولة السورية، النسر، وبعضها يحمل توقيع الأسد نفسه، وتعد المجموعة الأكثر إدانة التي تم جمعها في الحرب المستمرة.
وينقل التقرير عن وايلي، قوله إن الوثائق جمعها وهربها سوريون من داخل سوريا، حيث غامر بعضهم بحياته، ولا يزال اثنان معتقلين في سجون النظام، وتم تصوير كل صفحة هربت من أجل بناء أرشيف رقمي، وتم وضع شيفرة التعرفة "الباركود" على كل ورقة وترقيمها وتخزينها في الصناديق، مشيرا إلى أن المشروع يعود إلى بداية الثورة السورية عام 2011، ومولته الحكومة البريطانية.
وتفيد الكاتبة بأن وايلي، الذي عمل مع الجيش السوري الحر، قام بتدريب 60 متطوعا، ويقول: "أهم شيء كنا نريده منهم هو التركيز على التوثيق الصادر عن النظام؛ لأن كل ما أردناه هو الإدانة"، ويضيف وايلي أن هذه هي المرة الأولى التي جمعت فيها وثائق تصور التسلسل القيادي "وتذهب إلى القمة.. لدينا الآن صورة واضحة حول الكيفية التي يعمل من خلالها النظام".
وتبين الصحيفة أن الوثائق تكشف أن الأسد أنشأ في بداية الثورة خلية مركزية لإدارة الأزمة، التي كانت بمثابة وزارة للحرب، وكانت تلتقي كل ليلة تقريبا في مكتب أرضي في مقر قيادة حزب البعث القطرية في دمشق، حيث ناقش المجتمعون سبل قمع الثورة، لافتة إلى أنه بسبب حاجة الخلية لمعلومات عن التظاهرات في البلاد كلها، فإنها طلبت تقارير عن كل تظاهرة تدور في البلاد أعدتها اللجان الأمنية وأجهزة المخابرات.
وبحسب التقرير، فإن الوثائق تكشف عن تبادل المعلومات بين اللجنة والمسؤولين الأمنيين، والتقارير التي كتبوها عن نجاح الأساليب التي اقترحتها خلية الأزمة، وتساءل وايلي قائلا: "السؤال عمن كان يدير الخلية المركزية لإدارة الأزمة، والجواب بشكل قاطع هو الأسد.. حتى لو لم يكن الأسد يجلس في اللقاءات فنحن نعرف أنه تلقى تقارير ووقع على التوصيات".
وتقول لامب إنه خلافا للتقارير التي تحدثت عن شقيقه ماهر الأسد، الذي اعتبرته المسؤول الحقيقي عن إدارة شؤون البلاد، فإن الوثائق تكشف عن أن "الأسد ليس مجرد رمز، بل لديه سلطة فعلية وقانونية يقوم بممارستها"، ويقول وايلي: "الجميع يتحدثون عن ماهر، لكننا لم نعثر على شيء بشأنه، وفي المقارنة لدينا الكثير عن الأسد، إنه مثل إدانة سلوبدان (ميلوفوسيتش)، الذي كان من الصعب السيطرة عليه".
وتورد الصحيفة نقلا عن أحد زملاء وايلي، قوله إن لديهم أدلة أكثر من تلك التي تم جمعها لمحاكمات نيورمبيرغ، مشيرة إلى أن وايلي يعرف وثائق المحكمة التي قام بدراستها كجزء من رسالته للدكتوراة في القانون الجنائي الدولي في جامعة يورك في تورنتو الكندية، التي بدا من خلالها مسيرته العملية.
ويعلق وايلي قائلا: "كانت لدى نيورمبيرغ وثائق أكثر؛ لأن الدولة (الألمانية) انهارت، لكن التكنولوجيا الحديثة تساعدنا على بناء قاعدة معلومات أفضل.. لم أشاهد حالة توثيق قوية في حياتي العملية" مثل الوثائق السورية.
ويؤكد التقرير أنه تم التثبت من هذه الوثائق عبر 55 ألف صورة هربها المصور في الشرطة العسكرية المعروف باسم "قيصر"، الذي قام هو وفريقه بتصوير جثث المعتقلين، التي حولتها المخابرات العسكرية إلى المستشفيات العسكرية، وحملت كل جثة علامة أربعة على الجبهة، وحملت جثثهم آثار التعذيب والتشويه، والحرق والرصاص وفي بعض الحالات التذويب، فيما وصف الناجون من سجون النظام هذه الممارسات من قبل، لكن لم يتم تتبع أثرها للمسؤولين السوريين وتوقيع الأسد.
وتلفت الكاتبة إلى أن منظمة وايلي "المفوضية الدولية للعدالة والمحاسبة" قامت بتوسيع تحقيقاتها في عام 2014، إلى تنظيم الدولة الذي توسع من العراق إلى سوريا، ووافقت الحكومة العراقية على السماح له بفحص الوثائق التي تم الحصول عليها من التنظيم في العراق كلها، مشيرة إلى أنه يقوم بعملية بناء قاعدة بيانات رقمية لها.
وتنقل الصحيفة عن وايلي، قوله إن "الاهتمام تركز في الغرب على تنظيم الدولة؛ لأنه أعلن عن جرائمه وطرقه الجديدة في قتل ودفن وإحراق الناس أحياء، والطريقة التي أثار فيها الرعب في الغرب.. مع أن كل الجرائم التي ارتكبت في سوريا كانت في غالبها على يد نظام الأسد لا تنظيم الدولة".
ويورد التقرير نقلا عن وايلي، قوله إن توثيق جرائم النظام يوما بعد يوم ليس سهلا، مشيرا إلى أنه عمل في السابق محققا في راوندا والكونغو ويوغسلافيا، وكان ضمن فريق الدفاع عن صدام حسين، وكلف مشروعه حتى الآن 23 مليون يورو، وهو مبلغ صغير مقارنة مع ميزانية محكمة الجنايات الدولية.
وتستدرك لامب بأن الإحباط الكبير بالنسبة لوايلي هو أن عمل منظمته قد لا يؤدي لتقديم الأسد إلى المحاكمة، لافتة إلى أن منظمته قامت بإعداد ملف قضائي من 499 صفحة عن سجل التعذيب المدعوم من الدولة، الذي لا يوازيه أي سجل في الوحشية.
وتقول الصحيفة إنه "على خلاف الإبادة في راوندا والبوسنة، فإنه لا توجد هناك محاكم جرائم حرب خاصة لسوريا، وليس من المتوقع إنشاء واحدة في المدى القريب، فمجلس الأمن الدولي المخول بإنشاء محاكم كهذه عاجز بسبب الفيتو الروسي".
ويقول وايلي: "هذا أمر محبط وقد انتظرنا طويلا.. عندما بدأنا كنا نعتقد أن الأسد سيطاح به وسيقدم لمحكمة الجنايات الدولية".
وبحسب التقرير، فإن الوثائق التي جمعها وايلي تكشف عن أن الأسد كان على حافة الانهيار، في عام 2013، حيث أنقذه الإيرانيون وحزب الله، وثانيا عام 2015 عندما تدخل الروس لإنقاذه.
وتنوه الكاتبة إلى أنه بدلا من محاكمة الأسد، فإن المواد التي تم جمعها ستسخدم في أنحاء أوروبا كلها لمحاكمة مسؤولي النظام الصغار، وناشطي تنظيم الدولة، الذين فروا إلى أوروبا، مشيرة إلى أن وايلي تلقى خلال العام الماضي 60 طلبا في قضايا تتعلق بـ550 مشتبها به في محاكم قادمة.
وتذكر الصحيفة أن هناك وحدة دعم لدى المفوضية، تقوم بتحديد عدد من "الجناة الخطيرين" من قوات الأمن، الذين هربوا إلى أوروبا، ويقول وايلي: "سنرى عددا من الجناة يحاكمون في أوروبا، لكنهم من الصف الثالث- حكام المحافظات.. التناقض هنا أننا سنحاكم مسؤولين في صف الوسط في أوروبا، فيما يظل الكبار أحرارا في دمشق".
ويشير التقرير إلى أن وايلي يعترف بأنه من الصعوبة بمكان الحصول على وثائق من النظام، وقال إن آخر ما وصل يعود إلى عام 2016، لافتا إلى أن مستوى التحقيق في سوريا سينخفض في نهاية العام، حيث سيتحرك فريقه للتحقيق في بورما وجرائم بوكو حرام في نيجيريا.
وتختم "صندي تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن وايلي يعترف بأن عمل فريقه لم يكن مضيعة للوقت، خاصة أن الروس سيكتشفون في النهاية أن الأسد يعد عائقا، وسيقايضونه بالتقارب مع الغرب، وتخفيف العقوبات الاقتصادية، ويقول: "لا أعرف إن احتجنا عامين أو خمسة أعوام، لكن ليس عشرة أعوام، والعدالة ستنال من الأسد".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا