هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتباين آراء الباحثين والمحللين السياسيين بشأن التدخل التركي في الملف السوري، مقارنة بالتدخل الإيراني في الملف ذاته، ففي الوقت الذي تتفق فيه كلمتهم على أن إيران وضعت كامل ثقلها في دعم نظام بشار الأسد في وقت مبكر من اندلاع الثورة السورية، يرى بعضهم أن الدور التركي في دعم فصائل المعارضة السورية كان ضعيفا ومرتبكا.
ووفقا لمحللين سياسيين، فإن اختلاف موقف الدولتين الإيرانية والتركية في الشأن السوري يرجع إلى "اختلاف بنية النظام السياسي لكل منهما بخلفياته التاريخية المعروفة، واختلاف رؤى ومشاريع الدولتين الإقليمية، إضافة لطبيعة ارتباطهما بالنظام الدولي الحاكمة لسياساتهما في الإقليم".
وفي التفاصيل، أوضح الكاتب والباحث السياسي المختص في الشأن التركي، الدكتور سعيد الحاج، أن "النظام الإيراني بعد الثورة الإسلامية عام 1979 لم يكن متناغما تماما مع النظام الدولي، ما أتاح له حرية أكبر للتحرك في الإقليم، متكئا في حركته تلك على قوى سياسية، ومليشيات عسكرية مرتبطة به بشكل كامل في العالم العربي، وهي في أغلبها تتبع "المذهب الشيعي الاثني عشري".
وأضاف لـ"عربي21": أما بالنسبة لتركيا، فهي بحسب طبيعة نظامها السياسي بخلفيته التاريخية المعروفة، وانتمائها لحلف شمال الأطلسي، وطلبها لعضوية الاتحاد الأوروبي تعتبر دولة داخل (السيستم) الدولي، لذا فإن رؤيتها وتطلعاتها وإمكاناتها للتدخل في ملفات معينة تختلف عن إيران".
وتابع الحاج حديثه بالقول: "ويمكن القول إن الاختلاف الأساسي بين الدولتين يتمثل في أن تركيا وتحديدا حتى عام 2011 كانت تنتهج أسلوب القوة الناعمة بشكل حصري في سياستها الخارجية، بينما استخدمت إيران القوة الخشنة كأداة أساسية في سياستها الخارجية، وهو ما انعكس بالتالي على القضية السورية، فرأينا كيف كان التدخل الإيراني مبكرا وقويا، بينما جاء التدخل التركي متأخرا جدا".
ولفت الحاج إلى أن ذلك الوضع اختلف بعد التدخل الروسي في سوريا أواخر 2015، الذي أحدث انقلابا جذريا في مسار الثورة السورية، وكذلك بعد فشل الانقلاب في تركيا، ما جعل المقاربة التركية للقضية السورية تختلف كثيرا، حيث رأينا بداية استخدامها للقوة الخشنة كالتدخل العسكري في "درع الفرات"، و "غصن الزيتون"، وازدياد دعمها لفصائل المعارضة السورية.
وذكر سعيد سببا آخر لاختلاف طبيعة تدخل الدولتين في الشأن السوري، يرجع إلى كون إيران بما تمتلكه من معلومات وحضور وامتدادات في المنطقة كانت جاهزة للتدخل السريع في الشأن السوري بعد الثورة، على عكس تركيا التي لم تكن تمتلك الكثير من تلك الأدوات والإمكانات، وهذا ربما الذي جعل بعضهم يصف تدخلها بالضعيف والمرتبك".
وأشار سعيد إلى أن اختلاف رؤية كل من إيران وتركيا للثورة السورية، خاصة في بداياتها، كان أحد الأسباب الهامة في اختلاف مقاربتهما للشأن السوري برمته، فبينما كانت إيران ترى في الثورة خطرا داهما على النظام الذي هو حليف قوي لها في المنطقة، وصلة وصلها بحزب الله اللبناني، كانت تركيا حتى أواخر 2015 ترى أن ثمة من يسعى لاستدراجها وتورطيها في الشأن السوري، ما أظهرها في موقف المرتبك والمتردد.
من جهته، رأى الناشط السياسي الكويتي، عضو حزب التحرير، أسامة الثويني، أن "أمريكا ومنذ بداية الثورة في سوريا وضعت أدوارا وخطوطا ومهاما، حددت من خلالها مساحات حركة اللاعبين الدوليين والإقليميين في المشهد السوري".
وأردف قائلا لـ"عربي21": "وحينما قامت الثورة الشعبية ضد النظام، حرصت أمريكا على احتواء الحراك الشعبي، والحفاظ على النظام السياسي والأمني في دمشق، واستخدمت من أجل ذلك شتى السياسات والأساليب، وحددت الأدوار والحدود لمختلف اللاعبين السياسيين الدوليين والإقليميين (روسيا، تركيا، إيران، السعودية..الخ)، على حد قوله.
وقارن الثويني بين التدخل الإيراني والتركي في الشأن السوري بأن "الأول كان داعما قويا على مختلف الصعد، وتم تحت سمع أمريكا وبصرها، إضافة لامتلاكها مشروعا طائفيا توسعيا، وكان تدخلها في جميع الجغرافيا السورية، أما تركيا فكانت تدعم فصائل موصومة دوليا بالإرهاب، لذا كانت تتعامل معها بحذر شديد".
وأضاف: "لم تكن تلك الفصائل مرتبطة قلبا وقالبا بتركيا، ما أضعف حضورها العسكري في المشهد الفصائلي، إضافة إلى فصائل قامت تركيا بتشكيلها وتدريبها ودعمها ماليا (درع الفرات، وبعض الفصائل الشيشانية والقوقازية".
وأشار الثويني إلى أن "الهم التركي كان متجها بشكل أساسي إلى الشمال السوري جغرافيا، وإلى الكيان الكردي استراتيجيا، مع الالتزام بالمصالح والحدود الأمريكية، التي من ضمنها منع وصول السلاح النوعي للفصائل، ما أضعف الحضور التركي العملياتي في الثورة السورية".
بدوره، قال الباحث الأردني المتخصص في التاريخ السياسي للمنطقة، نعيم التلاوي، لـ"عربي21": "إيران لديها مشروع واضح، وسعت إلى تسويقه في المنطقة، وهي حريصة على إيجاد مواطئ قدم لها في المناطق التي تعتبرها حيوية لها، كالعراق وبلاد الشام ومصر ".
وطبقا للتلاوي، فإن "إيران رأت في الثورة السورية عامل تهديد لمشروعها في المنطقة، وأنها ستشكل سدا منيعا في وجه تصديرها لثورتها ومذهبها، لذا لم تقف مكتوفة الأيدي حينما قامت الثورة الشعبية في سوريا، بل سارعت إلى التدخل المبكر".
وأضاف: "في المقابل، فإن تركيا ليس لديها مشروع في المنطقة، إضافة لوجود تناقضات داخلية عميقة (الأكراد، قوميون..)، مع وجود ما يقارب 12 مليون علوي متغلغلون في المجتمع التركي، والمؤسسات التركية، وهو ما يمنع تركيا من وضع كامل ثقلها في سوريا كما فعلت إيران".
وختم التلاوي حديثه بالإشارة إلى أن "تركيا دعمت -وما زالت- الشعب السوري، والفصائل السورية المعارضة"، واصفا الدور التركي في الشأن السوري بـ"المرضي إذا ما استحضرنا التناقضات العميقة في المجتمع التركي، وقرأنا بتأنٍ المعادلات السياسية المعقدة إقليميا ودوليا".