اعترف المرشد الأعلى للجمهورية
الإيرانية علي
الخامنئي، في منتصف شهر آب/ أغسطس بأن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران بشكل متزايد مؤخرا، إنما تعود في حقيقة الأمر إلى أسباب داخلية وليس خارجية.
وقال المرشد في خطاب ألقاه في طهران، إن خبراء الاقتصاد والعديد من المسؤولين يعتقدون أن سبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، داخلي وليس خارجيا!
يعدّ مثل هذا الموقف لافتا للانتباه، اذ جرت العادة في إيران ودول المنطقة أن تنسب المشاكل الداخلية إلى الخارج، في محاولة للتهرب من تحمل المسؤولية، أو لتجنب تغيير السياسات المتّبعة.
رمي المشاكل على الخارج لا يحمل معه أي تكاليف سياسية، كما أنه عادة ما يلقى تجاوبا من الجمهور المحلي أو الإقليمي، نظرا للصورة السلبية التي يمثلها الخارج لدى الرأي العام في غالبية دول المنطقة.
لمثل هذا الأمر تبريراته الموضوعية بطبيعة الحال، لكن غالبا ما يتم استغلاله وتوظيفه من الأنظمة السياسية لأهدافها الخاصة.
لكن إذا كان الأمر كذلك، فهذا يستدعي بطبيعة الحال السؤال: "لماذا لم يقم خامنئي هذه المرّة بما كان من المفترض أن يقوم به، بأن يلقي اللوم على الخارج كما جرت العادة؟".
جزء من الجواب على هذا السؤال نجده في الطبيعة المركّبة للنظام الإيراني. شكليا، يوجد أجهزة ومؤسسات في إيران تقوم بما تقوم به نظيراتها في الدول الأخرى لإدارة شؤون البلاد، لكن عمليا يوجد حزام آخر من السلطات فوق هذه المؤسسات وهو حزام سلطة المرشد الأعلى.
عندما خاضت المؤسسات الإيرانية المفاوضات مع إدارة أوباما وتوصلت إلى
اتفاق النووي، كان الشعب الإيراني يتوقع أن يلمس نتائج هذا الاتفاق على الصعيد الاقتصادي تحسّنا في وضعه المعيشي.
وبالرغم من أن الأموال كانت قد دخلت إلى إيران، وكذلك فعلت الشركات الأجنبية، إلا أن الوضع الاقتصادي اتجه إلى التدهور ثم ما لبثت واشنطن أن انسحبت من الاتفاق، وشرعت في فرض العقوبات مجددا.
على أحد ما أن يتحمل تبعات ما يجري داخليا، فالأموال دخلت البلاد، لكنها ذهبت في الغالب إلى الحرس الثوري الذي ازدادت موازنته بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية، في وقت يسيطر فيه على جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية الضخمة في البلاد، ولا شك أن تمويلا إضافيا ذهب لمعارك إيران الخارجية وأذرعها الإقليمية في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
المرشد الأعلى هو من أعطى الضوء الأخضر لمسؤولي المؤسسات الإيرانية وعلى رأسهم رئيس الجمهورية بالتفاوض مع أمريكا، وهو أيضا من يمتلك صلاحيات اقتطاع الأموال للحرس الثوري ولنشاطات إيران التوسعية الخارجية ولتمويل أذرعها، وهذا يعني أنه يتحمل إلى حد كبير مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
في تعامله مع هذا المأزق، المرشد أمام خيارين، إما أن ينكر وجود أزمة من الأساس وهذا سيؤدي إلى تزايد التآكل في مصداقيته أمام العامة، وإمّا أن يلقي اللوم على الولايات المتّحدة.
الخيار الأول غير ممكن، والخيار الثاني أصبح مستهلكا لدرجة أنه فقد إلى حد كبير تأثيره السياسي، وأصبح البعض ينظر إليه على أنه شماعة لتغطية الأخطاء، بالتالي، فإن الاستعانة بهذه الذريعة –حتى وإن كانت صحيحة- أصبح يؤدي إلى حد بعيد عكس الهدف المطلوب من استخدامها.
هذا ما يفسر إلى حد بعيد تصريحات المرشد الموجهة إلى المسؤولين الإيرانيين. اتّهام المرشد لهؤلاء المسؤولين يخدم هدفه الأساسي -في رفع المسؤولية عن نفسه- بشكل أكبر من استخدام ذريعة أمريكا في هذه المرحلة، فهو يجعل من المسؤولين في السلطات أدناه بمثابة كبش فداء، ويعفي بذلك نفسه من المسؤولية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإشارة إلى وجود مشاكل داخلية فيه شيء من الصحة، الأمر الذي يخدم المرشد في مجالات أخرى تتضمن تعزيز مصداقيته وتجديد ثقة العامة بأحكامه.
فضلا عن كل ما ذكر، فإن التصريح يتيح لخامنئي قدرة أكبر على المناورة السياسية مستقبلا، إذ إنه يحضر الناس للتأقلم مع الوضع القادم، ويدفع الحكومة القائمة والمسؤولين الجدد إلى بذل أقصى الطاقات لتحسين الوضع، وإذا فشلت، فإن البدائل الداخلية حاضرة بشكل أكثر تشددا، كما أنه سيبقى بإمكان المرشد في جميع الأحوال استخدام ذريعة واشنطن لاحقا إذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي جراء التغييرات الحاصلة.