هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وصف باحثون جماعات "السلفية الجهادية" بأنها تكون قوية الأداء، متماسكة البناء، في بداية "مشوارها الجهادي" لكنها سرعان ما تنقسم على ذاتها، لتدب في صفوفها الانقسامات والتشرذمات المتتابعة.
ووفقا لأحد نشطاء السلفية الجهادية المقيم في لندن، أبو محمود الفلسطيني، فإن "داء التيار الجهادي المميت، وعلته المستديمة المتنقلة من ساحة إلى أخرى، ومن تجربة إلى أخرى، التشرذم وسرعة المفاصلة والاحتكام للسلاح".
وأرجع الفلسطيني أسباب ذلك في كلمة مكتوبة له نشرها على الفيسبوك الأربعاء الماضي، إلى "منهج التربية القائم على الاستعلاء، واحتكار الحق المطلق، وتحقيق الانتشار على حساب سقوط الخصم".
من جهته، استعرض الباحث والأكاديمي السوري، الدكتور أيمن هاروش تجربة "السلفية الجهادية" في سوريا بعد الثورة، مبديا تحفظه الشديد على التقسيم الثلاثي الذي يقسمها إلى غلاة ومميعة وعلى المنهج، لأنه صادر من أحد أجنحتها، وهم غلاة، لكنهم يرون أنفسهم قياسا بمن هم أشد غلوا منهم على المنهج" على حد قوله.
اقرأ أيضا: هيئة تحرير الشام تعتقل أبا المقداد الأردني في إدلب
ولفت هاروش إلى أن "السلفية الجهادية في بداية الأمر كانت حين ظهورها في تنظيم أحرار الشام أواخر 2011 واحدة، ثم ظهرت جبهة النصرة، والتي اختلفت عن الأحرار بالأمور التنظيمية، إذ تبعت النصرة القاعدة، والأحرار كانت مستقلة، لكن الفكر والمنهج كان واحدا".
وأضاف لـ"عربي21": "ثم تطور فكر الأحرار، وأنضجت التجارب فكر قادتها، وحدثت في صفوفهم مراجعات اقتربوا بها من الأمة كثيرا، وابتعدوا عن الغلو ، فرآهم من كان يوافقهم بأنهم ميعوا وبدلوا، ثم انقسمت النصرة بعد إعلان البغدادي للدولة، وكان الانقسام سياسيا بحتا، فمارس تنظيم الدولة غلوه وتكفيره، فاعتبرتهم النصرة غلاة".
ولفت هاروش إلى أن "جبهة النصرة أخفت عقائدها الحقيقة حتى 2014، ثم بدأت بعد ذلك تظهر ما سبقها به تنظيم الدولة الإسلامية، إلى أن فعلت فعله وزيادة، وأسفرت قبل عامين عن غلو لا يقل عن غلو "الدولة".
واعتبر الباحث السوري "جوهر تلك الخلافات يدور على القيادة والسلطة، وليس فكريا البتة، أما بين الأحرار بعد نضجها فهو فكري بحت" مشيرا إلى أن "أحرار الشام بعد مقتل قادتها دخل في صفوفهم من لم يوافقهم على التطور الفكري، فأحدث عرقلة لمسيرة التطور، وكان أقرب إلى الغلو وهم من انشقوا عنها فيما بعد".
اقرأ ايضا: سعد الحنيطي ينشق عن تنظيم الدولة ويكشف تفاصيل مثيرة
من جانبه، وصف ناشط جهادي تنقل بين عدة فصائل في سوريا، وفضل عدم الكشف عن هويته "الخلاف بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة بأنه صراع ومصالح بين رؤوس الجماعة، ومن ثم حولوه إلى صراع منهجي، وصل إلى حد التكفير والردة وما إلى ذلك".
وتابع حديثه لـ"عربي21" قائلا: "أما الخلاف بين "أحرار الشام" وجبهة النصرة فقد كان بسبب سياسة الأحرار وتبعيتها لتركيا وقطر، ومنهجها يميل للإرجاء، وهو ما جعلها تقدم تنازلات في بعض المؤتمرات التي عقدت خارج سوريا" بحسب تصنيف بعض منظري جبهة النصرة لها.
وردا على سؤال: لماذا عجزت جماعات السلفية الجهادية عن إدارة خلافاتها بطريقة توافقية، لا سيما وهي تتبع منهجا واحدا؟ قال الناشط الجهادي "لأن معظم خلافاتها نشأت بسبب صراع المصالح، التي ألبسوها عنوة ثوب الخلاف المنهجي والعقائدي، في الوقت الذي ترى فيه أي جماعة أنها الأقوى تسعى لفرض كلمتها على الآخرين بالقوة، وهم للأسف لم يحكموا شرع الله في خلافاتهم تلك".
بدوره، أوضح الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد أبو فرحة أن "جماعات السلفية الجهادية تختلف فيما بينها، كما تختلف مراجع السلفية الجهادية في العالم، ففي سوريا كانت حركة أحرار الشام تصنف قديما على أنها سلفية جهادية، تنتهج سبيل الجهاد المحلي، وكانت قياداتها خليطا من الإخوان والسلفية، قبل أن يصفي تيار قوي فيها سائر التيارات السلفية داخلها، لتصبح أحرار الشام أقرب ما تكون إلى جماعة إخوانية".
اقرأ أيضا: انتحاري لتنظيم الدولة يقتل 6 عناصر من تحرير الشام
وأضاف: "أما جبهة النصرة سابقا، وهيئة تحرير الشام حاليا، فهم سلفيون جهاديون قريبون من خط القاعدة، لكنهم يختلفون معها في عدم تبنيهم عالمية الجهاد، والاهتمام بالشأن السوري فقط مع حفظ الإخوة لباقي جماعات المسلمين في العالم، وهي تتبنى نهجا أقرب ما يكون إلى السلفية الواقعية، التي تتكيف مع الواقع، بعيدا عن النظريات الصعبة التي تطرحها مرجعيات سلفية جهادية في العالم".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية فهم سلفيون جهاديون تبنوا رؤية إدارة التوحش، والتزموا بأعلى درجات الولاء والبراء التي طرحها أبو محمد المقدسي، وأقاموا خلافة إسلامية، وعادوا كل من لا يتبنى خلافتهم، أما جند الأقصى سابقا فهم سلفيون جهاديون يميلون إلى طرح الشيخ المقدسي، ويتحفظون على تنظيم الدولة، ويصفون هيئة تحرير الشام بالـ "مميعة في العقيدة، ومسائل الولاء والبراء".
وختم أبو فرحه حديثه بإرجاع أسباب تشرذم جماعات السلفية الجهادية في سوريا إلى "تبنيها نظريات صارمة في الفروع، واحتكارها للحق بحكم أن كل واحدة منها ترى أنها الأقرب لمواصفات "الطائفة المنصورة" ما يجعل أي خلاف ينتهي بها إلى التبديع أو الاتهام في الدين والتكفير أحيانا، إضافة لحظوظ النفس بين الأمراء والمرجعيات السلفية، فلا يبعد في أحيان كثيرة أن يكون الخلاف شخصيا، لكنه سرعان ما يغلف بغلاف الدين والعقيدة، وقد تراق الدماء لأجل ذلك".