هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، يتحدث فيه عن اللاجئين السوريين، وخشيتهم من العودة إلى سوريا.
ويبدأ الكاتب تقريره بالإشارة إلى قصة أبي أحمد، الذي يبيع لوحات كتبت عليها آيات قرآنية في بيروت، حيث يبقي عينيه مفتوحتين لاصطياد الزبائن، وفي الوقت ذاته لملاحظة ما إذا كان هناك عناصر من الشرطة.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن أبي أحمد، قوله إن بلدته مليئة بقوات النظام وبالشبيحة، "فكيف يتوقعون مني العودة؟"، حيث قضى أبو أحمد الست سنوات الماضية في العاصمة اللبنانية بيروت، في الوقت الذي التهمت فيه الحرب بلاده، متسببة بأكثر من مليون لاجئ دائم مثله.
وتقول الصحيفة إنه الآن في الوقت الذي تقارب فيه الحرب، التي دامت سبع سنوات، كما يراها البعض، إلى نهاية اللعبة في شمال غرب سوريا، فإن أبا أحمد اصبح يخشى على مستقبله ويشعر أنه أصبح مهددا، فقد تم إسكات الجزء الأكبر من سلاح الثورة في وسط وجنوب سوريا، فيما يزعم السياسيون في دمشق وبيروت وعمان بحدة متزايدة بأن البلد الذي أصابه الدمار، والذي نزح منه 6 ملايين شخص، أصبح اليوم آمنا لعودتهم.
ويستدرك شولوف بأن القليل من السوريين مقتنعون بذلك، فيقول أبو أحمد، البالغ من العمر 41 عاما، الذي نزح من أحد معاقل المعارضة في الغوطة: "يمكن أن أخدم بلدي بفخر وأضحي بدمي لأجله وأنا مبتسم، لكن ليس هكذا.. ليس لأجل هذه الفوضى، لا نستطيع العودة لانتقام الجيران، سيشون بك ويتهمونك بأنك خائن وستجد نفسك في السجن، لا لشيء، بلدتي مليئة بقوات النظام والشبيحة، فكيف يتوقعون مني العودة؟".
ويفيد التقرير بأن المانحين الدوليين وعمال الإغاثة والدبلوماسيين يشعرون بالقلق من الإصرار على أن سوريا ما بعد الحرب أصبحت آمنة، ومن دوافع تلك الادعاءات، لافتا إلى أن كبار المسؤولين في المجموعات المذكورة يتفقون على أنه يجب عدم الخلط بين الهدوء النسبي الذي يسود سوريا، وأن النظام بقي هو نفسه، فرغم توسلات رئيس النظام السوري بشار الأسد فإنهم لا يتوقعون استقبالا دافئا للاجئين.
وتلفت الصحيفة إلى أن الولاءات انقسمت في الأوساط السياسية في لبنان بخصوص سوريا، حيث يعارض حوالي نصف البرلمان اللبناني الأسد، بينما تدعمه البقية، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي أصبح فيه الأسد في موقع المنتصر، بدعم من روسيا وإيران، فإن المترددون بدأوا في تغيير مواقفهم، أما حلفاء الأسد فيقومون بما يرغب فيه، ويحاولون تكريس وجهة النظر بأن الأمن والعفو ينتظران العائدين.
وينقل الكاتب عن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، قوله: "ندعو الشعوب الصديقة كلها للتعامل مع القضية السورية بواقعية.. فليس من مصلحة أحد أن ينهار الاقتصاد اللبناني تحت عبء الهجرة المكثفة، لقد تغيرت الظروف في سوريا، وأصبحت مناطق كثيرة آمنة، فليس هناك سبب لبقاء اللاجئين".
وينوه التقرير إلى أن المزاج في الأردن، حيث كان الملك عبد الله الثاني معارضا للأسد في بداية الحرب، تغير أيضا، فالترحيب الذي لاقاه اللاجئون السوريون عام 2012 استبدل بعداء وإبعاد قسري، وقال الملك عبدالله لمفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، بداية الأسبوع: "على المجتمع الدولي أن يواجه مسؤولياته تجاه الدول المستضيفة، وعلى رأسها الأردن، فقد أثرت الأزمة السورية على البنية التحتية الأردنية والاقتصاد الأردني وقطاع التعليم والرعاية".
وتورد الصحيفة نقلا عن العديد ممن راقبوا الأزمة في سوريا، التي تسببت بمقتل 600 ألف شخص على الأقل، وتسببت بنزوح أكثر من نصف السكان، قولهم بأن مزاعم تغير جذري في سوريا ليست صحيحة،.
وينقل شولوف عن أحد اعضاء فريق حكومي بريطاني متخصص في الشأن السوري، قوله: "يمكن للسوريين أنفسهم أن يقرروا إن كانوا يشعرون بالأمن الكافي لعودتهم إلى سوريا.. يجب علينا أن نتذكر لماذا فر السوريون من بيوتهم ابتداء: البراميل المتفجرة والحصار والتجويع والاعتقال والتعذيب.. فبالنسبة للملايين الذين غامروا بكل شيء للوصول إلى لبنان، فإنهم فعلوا ذلك لأنه لم يعد أمامهم خيار، والحقيقة هي أن الكثير من السوريين لن يكونوا آمنين في سوريا ما دام الأسد في السلطة، حيث يواجهون الاعتقال والإخفاء والسجن والتعذيب والإعدام، وإكراههم على العودة هو بمثابة التوقيع على مذكرة إعدامهم".
ويبين التقرير أن الحجة الرئيسية التي يستخدمها لبنان هي أن عدد اللاجئين أثر على اقتصاد البلد المتعثر، وأن اللاجئين دخلوا سوق العمل فأثروا على مستويات البطالة المتزايدة، فيما قالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" بأن هذه المزاعم ليست مدعومة بأدلة، وأن اللاجئين يستخدمون كبش فداء، حيث يلامون لقصور في الاقتصاد اللبناني كان سابقا للحرب في سوريا.
وتورد الصحيفة نقلا عن الباحث في الشأن اللبناني في منظمة "هيومان رايتس ووتش" بسام خواجا، قوله: "لقد أضرت الحرب السورية بالاقتصاد اللبناني بكل تأكيد بسبب تباطؤ التجارة، لكن لا علاقة لذلك بأزمة اللاجئين"، مشيرا إلى أن اللاجئين شكلوا عبئا على البنية التحتية اللبنانية، من مجار إلى إدارة قمامة، لكن من جانب آخر فإن المجتمع الدولي دفع 5 مليارات دولار للبنان منذ 2011، ويقوم اللاجئون بالإنفاق على كل شيء من إيجار البيت إلى لوازمه، وهو ما قوى الاقتصاد في لبنان.
وأضاف خواجا: "قد تدعي الحكومات المجاورة بأن سوريا آمنة.. لكن هذا لا يجعل الأمر حقيقة، وما دامت لدى اللاجئين مخاوف متينة من الموت أو القمع داخل سوريا، فإنه يصبح من غير القانوني للدول المستضيفة أن ترغمهم أو تضغط عليهم للعودة".
ويقول الكاتب إنه في شارع الحمراء في بيروت تخشى أم هاني، البالغة من العمر 49 عاما، وهي من ريف دمشق، من ذلك، وتقول: "عندي ثلاثة أبناء، كلهم فوق الثامنة عشر عاما من العمر.. لو بقينا (في سوريا) لتم أخذهم للخدمة العسكرية، وهذا ما لا أستطيع السماح به.. فأي أم تريد أن يموت أبناؤها؟ أحد أبنائي مشلول، والآخران يعملان بكل ما أوتيا من قوة، لكن بالكاد يكفينا كسبهما حتى نهاية الشهر، وكانت هناك اعتقالات تعسفية كثيرة ولم نستطع البقاء، أنا أعد الأيام لتوفر الأمن وأحن إلى بيتي".
ويعلق شولوف قائلا إنها "كغيرها من اللاجئين، فإن أم هاني -اسمها المستعار- اختارت كلماتها بعناية، فيما قال آخرون تحدثوا مع (الغارديان) بأنهم سمعوا دائما قصصا من الداخل السوري بأن الذين عادوا واجهوا تدقيقا كبيرا من المخابرات، مع احتمال اعتقال كبير، خاصة إن أتوا من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة".
وينقل التقرير عن رئيس المخابرات الجوية السورية وأحد أكبر المسؤولين في أجهزة المخابرات الجنرال جمال الحسن، قوله لزملائه من الآجهزة الأخرى بأنه يفضل سوريا بعشرة ملايين نسمة يمكن الوثوق بهم ومطيعين للقيادة، خير من سوريا بثلاثين مليون مخرب، ثم قال لاحقا إن سوريا لن تقبل خلايا سرطانية، وأنهم سيزالون تماما.
وتذكر الصحيفة أن الانتقام كان هو موضوع خطابات المسؤولين السوريين الذين تحدثوا عن مرحلة ما بعد الحرب، فقال ضابط لبناني كبير، على اتصال دائم مع نظرائه السوريين: "سيعاقب كل من وقف ضدهم مع عائلته وعشيرته.. إنهم لا رحمة لديهم وقد انتصروا، لديهم ذاكرة طويلة، وهذه فرصتهم لتشكيل دولة كما يريدون".
وقال خواجا من منظمة "هيومان رايتس ووتش" للصحيفة: "هاجم السياسيون مفوضية الأمم المتحدة للاجئين لقولها الحقيقة.. والحقيقة هي أنه لا ضمانات أمنية في سوريا، وأنها لا تستطيع تشجيع أو تسهيل العودة في الوقت الحاضر".
ويقول الكاتب إنه في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات، فإن واقع اللاجئين السوريين في لبنان سيئ، حيث تظهر إحصائيات الأمم المتحدة أن 74% من اللاجئين ليست لديهم إقامة قانونية، ويعيش 76% منهم تحت خط الفقر، وهناك 300 ألف طفل دون مدارس، مشيرا إلى أنه بسبب شعورهم بالضغط وفقدان الأمل، فإن بعضهم يعود بغض النظر عن المخاطر.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن أبا أحمد، الذي ليست لديه إقامة، ويختبئ كلما رأى الشرطة، يقول إن المخاطرة في العودة كبيرة، ويضيف: "هل سأعود قريبا؟ أشك في ذلك، هل سأبقى هنا؟ أشك في ذلك أيضا، لقد أصبحنا غجرا".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا