جمع لقاء دبلوماسيا سعوديا سابقا معروفا، بآخر
إيراني، في مكان واحد لمناقشة قضايا الإقليم الساخنة في ظل تنافس بلدهما، وما كان مثيرا هو اتفاقهما في العديد من القضايا الهامة التي ناقشاها.
جاء ذلك وفق ما نشره
"معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، كاشفا عن أن الأمير
تركي الفيصل آل سعود من المملكة العربية
السعودية والسفير سيد حسين موسويان من جمهورية إيران الإسلامية تحاورا في 29 كانون الثاني/ يناير الماضي.
وأورد التقرير الذي أعده الباحثان الأمريكيان، أندرو ليدفورد وبانفشة كينوش، أن حوار الرجلين بدا كأنه حوار بين السعودية وإيران لما للرجلين من صلات جيدة بحكومتيهما الحاليتين، "ما يضفي مزيدًا من الأهمية على وجهات نظرهما ويعرض وجهات نظر داخلية حول الطريقة التي ترى فيها كل من الحكومتين صراعها مع الأخرى"، وفق قولهما.
وذكر تقرير المعهد أن الحوار تم في جامعة العمليات الخاصة المشتركة في تامبا في ولاية فلوريدا الأمريكية.
ونادرا ما دار "حوار" بين السعودية وإيران بشأن قضايا الإقليم في لقاءات كهذه، بحسب التقرير الذي تنشره "
عربي21".
وكان مثيرا ما اتفق عليه الرجلان، أن بلديهما يتشاطران هدف الحد من عدم الاستقرار الإقليمي، بالرغم من اختلاف آليات تحقيقه.
وتاليا ما أورده التقرير:
على الرغم من الخطابات الشديدة اللهجة التي يتبادلها البلدان، تستمر المملكة العربية السعودية وإيران في تفادي المواجهة العسكرية المباشرة، ما يدل على أن المصالح الاستراتيجية لا تزال تُبدّى على الصدامات الأيديولوجية.
وأشار الفيصل ومحاوره الإيراني إلى أن الخطابات العدائية قد اضطلعت بدور في منع تحسن الأوضاع المتوترة.
ولا يبدو أن الدولتين تملكان القدرة أو الإرادة للإنفاق على صراع عسكري ثقيل أو للتعامل مع تداعياته. ولكن، لا ترى أي من الدولتين نهاية لهذه المواجهة، ولن يحصل ذلك بحسب كاتبَي هذا المقال من دون تدخل خارجي.
وبناء على الحوار الذي تم بين الرجلين، فقد توصل معدا التقرير إلى أن "الاختلالات الشديدة في موازين القوى في المنطقة تكمن وراء حالات التوتر بين القوتين الإقليميتين".
واتفق المحاوران الدبلوماسيان على أنه حتى الآن، لا تملك أي من السعودية وإيران نفوذا إقليميا كافيا للتفاوض على خاتمة مرضية لأي من الحروب الطويلة الأمد بين الدولتين، التي تُخاض بالوكالة.
وأشار التقرير إلى أن "الولايات المتحدة قد لعبت دورا في تفاقم التوترات الحالية في المنطقة، وجعلت سياستها تتّسم بالتعامل عامة مع السعودية وبمحاولة عزل إيران، إلا أنها تقاعست باستمرار عن توفير الدعم الكافي لحسم الخلل الإقليمي في السلطة بطريقة تتماشى بشكل أفضل مع المصالح الأمنية السعودية والإيرانية".
ومن دون وجود حافز خارجي لتغيير الوضع الراهن، فإن الطريق المسدود الذي وصلت إليه المملكة العربية السعودية وإيران لن ينتهي على الأرجح بشكل طبيعي.
وأضاف الباحثان أن "ما يدعو إلى التفاؤل أنّ كلتا الدولتين استجابتا لهذا الواقع بمحاولة تعزيز الاستقرار الداخلي. وخلال فترات التوترات الإقليمية المتزايدة، غالبًا ما تعود السعودية إلى شؤونها الداخلية وتحاول تجاهل جميع الاستفزازات الإيرانية باستثناء أهمّها".
وسبق أن صرّح ولي العهد الجديد للمملكة، محمد بن سلمان آل سعود، صراحة بأن الحكومة حريصة على الابتعاد عن التأثيرات التخريبية لأجندة إيران الثورية من أجل التركيز على إصلاح المملكة العربية السعودية وبنائها.
وبحسب التقرير، فإنه حتى الآن، لم يثبت النفوذ السعودي أنه قوي بما يكفي لإحداث تغيير فعلي في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، لذا فإنه في حين أن السعودية قامت ببعض المحاولات للتأثير على الموقف الأمريكي تجاه إيران خلال فترات الصراع، فإنّ الاستثمار في الاستقرار الداخلي لمواجهة التهديد الإقليمي الأكبر الذي تشكّله إيران قد أعطى ثمارًا أكثر.
ونقل "معهد واشنطن، عن الأمير تركي الفيصل هذا التفسير للسياسة العامة السعودية أيضا، مشيرا إلى أنه في الأوقات التي اشتدّت فيها التوترات مع إيران، فقد حاولت المملكة مرارا وتكرارا حماية سياساتها في مجال الطاقة والاستثمار، من أجل موازنة الاضطرابات الإقليمية الأوسع.
إيران والنموذج السعودي
وأشار الفيصل إلى أن التحوّل الجاري في البلاد من اقتصاد يعتمد بشكل كبير على الطاقة إلى اقتصاد يستفيد بشكل أكبر من موارده البشرية، لا سيّما من خلال التعليم، هو في جزء منه استجابة للغموض الإقليمي.
وما يثير الاهتمام هو أن إيران قد تكون على أعتاب اتباع النموذج السعودي الحالي المتعلق بإعادة التركيز على القضايا الداخلية، بعد فترة من التوترات مع المملكة.
ولم تعتمد إيران في السابق نموذجًا مماثلاً عندما حاولت توسيع نفوذها الإقليمي. ولكن، مع اعتماد اقتصادها المستمر والشديد على الموارد النفطية وفرص مواطنيها المحدودة نتيجة سوء الإدارة الاقتصادية والعقوبات الأمريكية، فإنها تضطر إيران إلى تصحيح سياساتها.
وحتى مع اضطلاع إيران على نحو متزايد بدور إقليمي نشط، فإن ضغوطاتها المحلية، التي اتخذت شكل احتجاجات واسعة النطاق، دفعت الحكومة إلى البدء في النظر إلى الشؤون الداخلية. وقد تشكّل دعوات الرئيس روحاني الأخيرة لإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية داخل إيران، فضلاً عن الدبلوماسية مع الغرب، في ردّ فعلٍ على الضغوطات الداخلية الرئيسية، جهودًا ناشئة داخل الحكومة الإيرانية لإعادة تركيز جهودها على التنويع الاقتصادي المحلي وخفض التوترات الإقليمية.
وعلى الرغم من أنّ التركيز على المخاوف المحلية والتنويع الاقتصادي أمر مشجّع، فإنها تبقى المنافسة على النفط مصدر قلق رئيسي لكلّ من البلدين. فالمملكة، التي لطالما كانت منتجًا متأرجحًا، ستثبت أنّها مستعدة للتعويض عن خسارة النفط الإيراني في الأسواق الدولية عندما تبدأ العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية على صناعة النفط والغاز الإيرانية في تشرين الثاني/ نوفمبر.
وقد لا تهدف المملكة العربية السعودية بالضرورة إلى إسقاط إيران بالكامل من خلال سياستها النفطية الجديدة، بل إنها ستجبر البلاد على التراجع عن سياستها الخارجية الإقليمية المدمّرة، في محاولة فعلية لـ"إعادة ضبط" التوازن الإقليمي إلى وضع أكثر استقرارًا يصبّ أيضًا في مصلحة المملكة العربية السعودية.
غير أنّ موقف المملكة العربية السعودية الجديد حيال إنتاج النفط سيكون على الأرجح لحظة مسيطرة أخرى في هذا الصراع المتأرجح. وتواصل الحكومتان الانتقال من أزمة إقليمية إلى أخرى كفرصة لإثبات قوتهما وتسليط الضوء على ضعف الجهة الأخرى، مع قليل من التحرّك الملموس نحو نتيجة واحدة أو أخرى.
إنّ تعقّد النزاع الحالي على المستوى الإقليمي يسلّط الضوء على الإمكانات الفضلى للتأثير الخارجي، الذي تم تطبيقه بفاعلية. أما الاتجاه الواعد بشكل أكبر للجهود السعودية، فقد يتمثل في الاعتماد على دعم الشركاء الخارجيين، بما في ذلك التحالف العسكري الذي يقوده العرب بمساعدة عسكرية من الولايات المتحدة، من أجل تطوير تحالف يركز على الاستقرار الإقليمي.
تنافس على النفوذ
ولطالما سعت المملكة العربية السعودية إلى الحصول على دعم دولي لاكتساب نفوذ إقليمي أكبر. بالمقابل، تحاول إيران تعزيز موقفها من خلال محاولة عزل المنطقة عن التأثيرات الخارجية. وتوضح التعليقات التي شاركها الدبلوماسيون السابقون وأثبتتها أحداث العام الماضي أنّ كلّ جانب يرى المقاربتين على أنّهما حصريتان، ما يعني أنّ مقاربة واحدة ستنجح فقط.
هذه هي صيغة "لا غالب ولا مغلوب" الثابتة بشأن القضايا التي قد تؤدي إلى عدم استقرار في المنطقة. ومع ذلك، تبقى مشاركة القيادة الأمريكية ضرورية لتحويل المنطقة على نحو ثابت إلى إطار دولي أوسع، وإلا فستبقى المنطقة عرضة لحروب بالوكالة وعدم استقرار عام. ليس من السهل استعادة التوازن الإقليمي للقوى بين المملكة العربية السعودية وإيران، ولا سيما أنّ واشنطن تتابع حاليًا استراتيجية عزل طهران من خلال الخروج من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي رأته إيران في مرحلة ما فرصة لكسب قوة وهيبة أكبر إقليميًا.
وفيما تستأنف واشنطن فرض عقوبات على إيران، فقد يكون العرض بشأن الدخول في مفاوضات مع الدولة مثمرًا إذا قبلت طهران به. ففي حال بدأت المفاوضات، من المهم أن ينشئ المسؤولون إطار عمل مدعوما دوليًا يتم بموجبه دعوة إيران إلى التخفيف من تدخّلاتها الإقليمية مقابل دعم نمو البلاد وتطوّرها.
وقد يؤدّي نجاح هذه الاستراتيجية إلى نجاح فعلي للسياسة السعودية الداعمة لتدخّل الولايات المتحدة في المنطقة، ما يعزّز الموقف السعودي بشكل غير مباشر في الشرق الأوسط.. قد لا يضعف ذلك الموقف الإيراني بشكل واضح، ولكنّه سيؤدّي إلى ميزان قوى أكثر استدامة.
وفي حين تبدو إمكانية الاتفاق حول التفاوض مع إيران بعيدة، فإنّ تعزيز الولايات المتحدة للمزيد من الاستقرار في المنطقة ممكن من خلال بعض التدابير العملية. فعلى سبيل المثال، يجب أن تركّز واشنطن على إنهاء مهمة تحقيق الاستقرار في العراق من وجهة نظر أمنية، والتشجيع على المزيد من الاستثمارات السعودية في العراق لمواجهة النفوذ الإيراني.
وسيساعد التواصل المستدام مع التنمية العراقية بشكل بطيء في إعادة التوازن إلى دولة تم إدراجها بشكل متزايد في مجال نفوذ إيران منذ عام 2003. وفي حين أنّ النفوذ الإيراني في العراق لا يمكن إنكاره، فإنّ العديد من الدول الإقليمية تتمتّع بالقدرة على منافسة إيران من خلال تعزيز أمن العراق وبناء بنيته التحتية من خلال مشاريع مشتركة.
ويبقى انحسار النفوذ الإيراني في سوريا أكثر تعقيدًا، إنما في غاية الضرورة، وإلاّ قد تصبح مركز صراع مستقبلي- ولا سيّما في ضوء الهجمات الجوية الإسرائيلية مؤخرًا على المواقع الإيرانية في سوريا. وفي حين لم تثمر الضغوط الممارسة على إيران في إزالة قواتها من سوريا، فإنّ الاحتجاجات الاقتصادية المستمرة في إيران التي تطالب بزيادة الاهتمام بالمسائل المحلية، قد تضغط داخليًا على إيران وبالشكل اللازم للحدّ من توسّعها الإقليمي.
أما هذه النتيجة، التي تميل إلى مصلحة المملكة العربية السعودية من منظور إقليمي، فقد تساعد في نهاية المطاف كلًّا من البلدين داخليًا.
من الواضح أنّ الحالة الراهنة تمثّل وضعًا يستحيل الفوز فيه- فكلّ طرف يناضل من أجل إحراز تقدّم يُضعف الآخر ويدعم هدفًا غير واقعي كقوة إقليمية عظمى وحيدة. وتشكّل مشاركة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ضرورةً في إعادة توازن موازين القوى بين المملكة العربية السعودية وإيران.
ويتمتّع كلّ من البلدين بدرجة من النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة يجب إعادة صياغتها بطريقة تشجّع على استمرار القوة والعلاقات المتوازنة بينهما. وفي حين أنّ إيران والمملكة العربية السعودية قد لا يدخلان في قتال مباشر، فإنّ التأثيرات السلبية للتوتر الإقليمي على العراق واليمن وسوريا تشير إلى أنّه من المفيد لجميع الأطراف المعنية أن تهدئ من عدم الاستقرار وتشجع على إعادة تنظيم الموازين الإقليمية.