كانت رسالة المحتجين الأردنيين حين خرجوا قبل أشهر إلى الشارع في ما عرف بـ"احتجاجات الدوار الرابع"، واضحة بأنه "لا ملقي ولا رزاز بدنا نغير هالبرواز"، في إشارة إلى
تغيير النهج السياسي والاقتصادي، الذي أثقل كاهل المواطن من خلال جباية لم تنعكس
على الخدمات الأساسية المترهلة.
وحملت رياح الاحتجاجات،
عمر
الرزاز، وزير التربية والتعليم في عهد الحكومة المقالة إلى الرئاسة، ولم يحظَ
رئيس وزراء أردني خلال السنوات السنوات الأخيرة بشعبية كالتي حظي بها الرزاز
مؤخرا، بعدما أجاد التواصل مع الشارع والتقاط الصور مع المواطنين في أماكن عامة.
شخص الرئيس
"الطيب" كما يصفه البعض، لم يمنع ناشطين سياسيين من إمهاله حتى 22 أيلول/سبتمبر
القادم، للبدء بإصلاحات "حقيقية وتغيير النهج" وعدم الاكتفاء بالتقاط
الصورة، وحملات العلاقات العامة"، مطلقين حراكا شبابيا أعضاؤه من جميع
المحافظات تحت اسم "حراك وطن".
ويدعو الحراكيون
الرزاز إلى "جردة حساب ما تم إنجازه بعيدا عن الـ16 مهمة التي حددتها الحكومة
لنفسها خلال 100 يوم من تشكيلها"، وبحسب الناطق باسم "حراك وطن" جمال جيت، فإن "المطلوب هو مجموعة من الإجراءات الإصلاحية، وهي امتداد لمطالب للحراك
الأردني في عام 2011 تتعلق بإصلاحات اقتصادية وسياسية، وإنهاء التبعية السياسية
والاقتصادية، ومكافحة الفساد".
وقال جيت،
لـ"عربي21"، إن "الواقع يجافي التصريحات، فالحكومة الحالية رفعت أسعار
الكهرباء والمحروقات، بينما اكتفت بنشر آلية التسعير وهذا ما لم يخرج المحتجون من
أجله، وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن تخفيض النفقات، نرى أشخاصا يعينون بعقود
فلكية".
وعقب ارتفاع الأصوات
الداعية لمحاسبة الحكومة، نشرت رئاسة الوزراء "إنفوغرافيك" عبر صفحاتها
في شبكات التواصل الاجتماعي، تبين فيه أنها أنجزت نحو 62.5 بالمئة من قائمة
التعهّدات التي أعلنها الرزّاز ضمن البيان الوزاري.
ووصف الرزاز في
تصريحات له، نفسه "بـ الانتحاري" في محاربة الفساد، وأنه حصل على الضوء
الأخضر من العاهل الأردني عبد الله الثاني في محاربة الفساد.
من جانبه رأى مدير مركز عمون
للدراسات علي البطران، في حديث لـ"عربي21" أن "المؤشرات حتى الآن لا تدلل على وجود أي تغيير في النهج السياسي والاقتصادي السائد، لكن ما يجعل الرزاز
مختلفا عن كثير من أسلافه في الحكومات أنه يجري العديد من الحوارات ويتواصل بطريقة جيدة، لكن من غير نتائج، أو انعكاس على حياة المواطن الذي لديه مطالب
معيشية".
ويطمح الأردنيون منذ حراك 2011 إلى إصلاح سياسي،
يقود إلى إصلاح اقتصادي بالمحصلة، بينما طالبوا في احتجاجات حزيران الماضي بـ"تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإلغاء الضرائب على المحروقات التي تصل إلى 40%، وإلغاء
بند فرق أسعار الوقود المثبت على فواتير الكهرباء، وإلغاء ضريبة المبيعات التي تم
فرضها على السلع الأساسية، وسن قانون ضريبة دخل تصاعدي، وإعادة الدعم على الخبز.
عضو المكتب السياسي
للحزب الشيوعي الأردني عمر عواد، بدوره أكد أن "الحكم على الرزاز بعيدا عن
لعبة الأسماء يكمن في معايير محددة مثل موقفه من القضايا الاقتصادية التي تمثل وجع
الناس، ولم نلمس كسياسيين عند الرئيس طرحا حقيقيا في مواجهة السياسات الليبرالية التي
راكمت المديونية في البلد".
وأشار عواد لـ"عربي21" إلى أن "جولات جديدة للاحتجاجات الاجتماعية ستبدأ
في ظل انحياز الحكومة لطبقة الأغنياء على حساب العامة، وبقاء الملفات السياسية
والاقتصادية تدور في نفس الفلك".
وكانت الحكومة
الأردنية تعهدت في أول مؤتمر لها عقب أداء اليمين الدستورية، في التاسع عشر من
يونيو الماضي، بجملة من القرارات "الإصلاحية" ووعود بالشفافية، وشدد
الرزاز في حينه على ضرورة استعادة الولاية العامة للوزارات.
لكن، هل يملك رئيس
الوزراء في الأردن الولاية العامة؟ سؤال يطرح بقوة في الأردن، ويثير شكوك
الأردنيين حول قدرة رؤساء الحكومات على اتخاذ قرارات إصلاحية وسط أحكام
"الدولة العميقة" على مفاصل القرار في البلاد.
وقال الناشط في الحراك
السياسي، محمد السنيد، إن "الرئيس لا يملك الولاية العامة لفتح ملفات وإجراء إصلاحات كبيرة، بسبب سيطرة عدة جهات غير دستورية على القرار، ما راكم الأزمات
السياسية والاقتصادية في المملكة".
ورأى السنيد في حديث
لـ"عربي21" أن "على الحكومة الأردنية ورئيسها استعادة الثقة
الشعبية، فهناك فقدان للثقة بأن هنالك إصلاحا أو مكافحة للفساد، وعلى الرزاز تجرع
الشجاعة لمحاربة الفاسدين وحسم ملفات كبيرة وتقديم المتورطين إلى القضاء، بعيدا عن
الشعارات البراقة التي لم تعد تنطلي على المواطن".