هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في برلين. وعلى الرغم من الاختلافات التي تعمق المنافسة بينهما، إلا أن ظهور ترامب على الساحة السياسية كان أمرا كافيا ليجبر المسؤولين على التعاون فيما بينهما.
وقالت في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ميركل وبوتين عدوان حميمان، لكنهما من القادة الدوليين الذين يتميزون بالبراغماتية والإستراتيجية. وفي هذه البيئة الدولية المضطربة والأكثر قابلية للاشتعال، أيقن كل من ميركل وبوتين أنهما في حاجة إلى التعاون فيما بينهما.
وقد جاء هذا اللقاء بعد شهر تقريبا من الاجتماع بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين؛ إلا أن اللقاءين مختلفان تماما عن بعضهما. وعلى الرغم من ذلك، سيكون الرئيس الأمريكي العنصر الأساسي خلال النقاش بين المستشارة الألمانية والرئيس الروسي. وإلى حد كبير، يعد ترامب العامل الذي حفز عقد هذا الاجتماع.
وبينت الصحيفة أن من بين المواضيع المقرر مناقشتها بين ميركل وبوتين، نجد القضية السورية والمسألة الأوكرانية وخط أنابيب غاز نورد ستريم 2. وخلال هذا اللقاء، لن تحاول ميركل وبوتين إقامة صداقات، لأنهما على يقين بأنهما ليسا بصديقين. على عكس ذلك، سيظهر ميركل وبوتين في صورة الزعيمين اللذين يحاولان التعاون في بعض المجالات، متجاهلين اختلافاتهم العميقة والسيئة، وذلك من أجل الدفاع عن مصالح بلدانهم.
وبشكل عام، يمكن وصف ما يحدث في العلاقات الثنائية الألمانية الروسية بالسخرية في المعاملات، أو البراغماتية المعاصرة أو الواقعية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المستشارة الألمانية دعت دائما إلى ترك الحوار مفتوحا بين البلدين، حتى بعد ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية من قبل روسيا بشكل غير قانوني.
وأوردت الصحيفة أن عدم وجود علاقة شخصية وثيقة بين القائدين لا يعني بالنسبة لهما البحث عن مكان محايد، مثلما حدث خلال لقاء ترامب ببوتين الذين اجتمعا في هلسنكي. تبعا لذلك، ستلتقي ميركل ببوتين في قلعة ميسبيرج، التي تعد مقر الحكومة للمناسبات الكبرى؛ وهي نفس الطريقة التي استقبل بها الزعيم الروسي المستشارة الألمانية في بلاده.
وخلال هذا اللقاء أيضا، لن يحتاج الزعيمان إلى مترجم، إذ تجيد ميركل اللغة الروسية بعد أن درست في ألمانيا الشرقية، ويتقن بوتين اللغة الألمانية بعد أن كان وكيلا للجنة أمن الدولة في درسدن الألمانية.
وأوضحت أن الرئيس الأمريكي يقف وراء العديد من المشاكل التي تواجه ميركل وبوتين. كما أن هذا العامل هو الذي دفع القائدين إلى البحث عن التعاون فيما بينهما. وبعد أن تحدى ترامب العديد من القوى العالمية، بدءا بروسيا والاتحاد الأوروبي ووصولا إلى تركيا، لا ترغب كل من روسيا وألمانيا في التشكيك في النظام التجاري الدولي القائم على قواعد منظمة التجارة العالمية.
وأضافت الصحيفة أن ميركل وبوتين تعارضان أيضا قرارات ترامب المعادية للاتفاق النووي الإيراني؛ إذ أنها الخطوة التي تهدد مصالحهم بشكل غير مباشر. وعلى وجه الخصوص، سيعيق التخلي عن الاتفاق النووي الإيراني العلاقات التجارية الروسية والألمانية مع إيران.
وبالمثل، لا ترغب ميركل وبوتين في أن تغرق تركيا في أزمة اقتصادية على الرغم من أنهما يخشيان رئيسها، رجب الطيب أردوغان. وفي حقيقة الأمر، تحتاج ميركل لأردوغان لوقف تدفقات المهاجرين، ويحتاج بوتين للقائد التركي لإنجاح مخططاته في سوريا.
ونقلت الصحيفة أن ترامب يعارض وبشدة خط أنابيب نورد ستريم 2، خاصة وأنه يرغب في تصدير الغاز الأمريكي المسال إلى الاتحاد الأوروبي. وقد دفعه مواصلة بناء خط أنابيب الغاز الثاني الذي سيربط روسيا وألمانيا مباشرة عبر بحر البلطيق، إلى اتهام ألمانيا بالخضوع إلى سيطرة روسيا. كما أدى هذا المشروع الحاسم إلى إشعال الحرب التجارية بقيادة ترامب.
وأضافت أن ميركل شعرت بأنها بين المطرقة السياسية والسندان الاقتصادي، وعليها الاختيار بينهما. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لخط الأنابيب الثاني، إلا أن ميركل واصلت في بنائه، واختارت ضمان مصالحها الاقتصادية عبر تأمين غاز طبيعي منخفض الثمن وخال من المخاطر الجيوسياسية.
وأوردت الصحيفة أنه خلافا للتعتيم الإعلامي، ستكون المسألة السورية قضية مركزية خلال الاجتماع الروسي الألماني. وخلال هذا اللقاء، ستقنع برلين موسكو بلعب دور الوسيط والحصول على وعود من الأسد تضمن عدم تعرض اللاجئين للانتقام؛ خاصة الذين تم إيواؤهم في أوروبا، وبشكل رئيسي في ألمانيا. تبعا لذلك، ستضمن ميركل انتعاش شعبيتها المتآكلة في ألمانيا منذ سنة 2015.
في الأثناء، يرى بعض الخبراء أن بوتين سيطلب من ميركل إقناع الاتحاد الأوروبي بعدم المشاركة في فرض عقوبات على روسيا، واتباع نفس سلوك الولايات المتحدة الأمريكية. ومن شأن هذه الوعود أن تخفف من الضغوطات المفروضة على الحكومة الروسية المتورطة مع الإدارة الأمريكية، والتي تعاني أيضا من تباطؤ الاقتصاد وتراجع قيمة عملتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن النظام العالمي الحالي الذي يسيطر عليه ترامب، يشهد حركة تغيير تحالفات بشكل مستمر. ويظهر الاجتماع بين ميركل وبوتين أن كلا الزعيمين يحتاج إلى الآخر لإعادة إثبات وجوده على الساحة الدولية في عهد ترامب. وعلى وجه الخصوص، أحدث ترامب تغييرات جذرية على رقعة الشطرنج العالمية وسبب ثورة في العلاقات الدولية. كما أدت رسائله المتناقضة عبر "تويتر" إلى تقويض تحالفات صلبة في بعض الأحيان وتليين المواقف بين أعداء تقليديين في حالات أخرى.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن كلا من روسيا وألمانيا تسعيان إلى إبراز مكانتهما في النظام العالمي الجديد، البعيد كل البعد عن الاستقرار والوضوح. ويتطلب الأمر منهما اتفاقيات جديدة مع مختلف الجهات الفاعلة في العالم.