هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعاد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، على خلفية قضية القس الأمريكي "أندرو برانسون"، الأضواء على دور المجموعات "الإنجيلية" في التأثير على سياسات واشنطن، وخصوصًا في عهد الرئيس دونالد ترامب.
ورغم طرح أوساط عدة، منذ عقود، تساؤلات حول الطائفة المعروفة بالتعصب الديني، ونفوذها في أروقة الحكم، إلا أنها باتت أكثر إلحاحا بعد قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، نهاية العام الماضي، ومغامرته بعلاقات واشنطن الاستراتيجية مع أنقرة، بسبب محاكمة الأخيرة للقس الإنجيلي "برانسون"، المتهم بقضايا تجسس وإرهاب.
وتدور في وسائل إعلام محلية وعالمية نقاشات حول طبيعة العلاقة بين الإنجيليين وترامب، وخلفياتها، ودور نائب الرئيس، مايك بنس، المنتمي للطائفة، في رسم ملامح المرحلة الغريبة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، خصوصا مع اقتراب انتخابات الكونغرس النصفية، المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ما هي الإنجيلية؟
تعني الإنجيلية، في الديانة المسيحية؛ "تعليم الإنجيل ونشره"، إلا أنها كلمة باتت تعبر عن طائفة لها معتقدات وتفسيرات دينية خاصة.
ظهرت الطائفة خلال القرن الثامن عشر، بعد انتشار تبني بعض الكنائس والحركات البروتستانتية هذا الاسم، لتمييزها بالتزمت الديني عن غيرها.
وتتمتع هذه الكنائس اليوم بانتشار واسع في الولايات المتحدة، إذ ينتمي لها نحو ربع الأمريكيين (80 مليون شخص تقريبا).
كما بات يُعرف الإنجيليون بـ"المسيحيين الصهاينة"، لدعمهم المشروع الصهيوني، ووجود العديد من التقاطعات بين مساعي الجانبين، وإن من منطلقات عقدية/أيديولوجية مختلفة.
ومنذ عقود، يدعم الإنجيليون عموما مرشحي الحزب الجمهوري، لكونهم "ملتزمين أكثر دينيا"، وفق الاعتقاد السائد.
وقد ظهر ذلك جليا في الدعم الكبير الذي حظي به ترامب في انتخابات عام 2016، التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
ففي حين حصل "جورج بوش الابن" على 78% من أصوات أتباع الطائفة، في انتخابات عام 2004، و"جون ماكين" على 74% في انتخابات 2008، و"ميت رومني" على 78% في 2012؛ حصل ترامب على 81%، بحسب تقارير صحفية.
النقاشات الأخلاقية حول تأييد الإنجيليين لترامب
دعم ترامب، قبل وفي أثناء وبعد الانتخابات، أثار الكثير من الجدل في أوساط الإنجيليين، إذ كان من السائد القول عن الرجل أنه "لا يعرف أي آية من الإنجيل"، عدا عن فضائحه الأخلاقية.
وفي حين كشف القس الإنجيلي "جيم واليز"، مؤخرا، أنه لم يدعم الرئيس الأمريكي لأنه "يرتكب الفجور"، ادّعى زعماء دينيون آخرون أنه "تم الصفح عنه"، وأن تلك الشبهات حدثت في الماضي.
وفي حديثه لمجلة "بوليتيكو"، قال القس "توني بركينز"، إنه يتوجب منح فرصة أخرى للرئيس؛ "لأنه تولى قيادة أجندة الإنجيليين".
المعتقدات بشأن إسرائيل والقدس
يعتبر مراقبون أن الطائفة كان لها دور كبير في إعلان الولايات المتحدة اعتبار مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، عاصمة لإسرائيل.
ويؤمن الإنجيليون بأن قيام دولة إسرائيل يأتي "وفقا لتعاليم الإنجيل"، وأن "المسيح"، سيعود للحياة بعد تجمع كل اليهود في تلك الأرض، واكتمال حدودها، أي على كامل تراب فلسطين التاريخية.
تكمن المفارقة في أن تلك العقيدة - رغم تقاطعها مع أهداف الصهيونية اليهودية - تتضمن الإيمان بأن المسيح بعد عودته، سيقضي على اليهود، متوجا بذلك "نهاية العالم".
قد لا تكون تلك أغرب المعتقدات الدينية السائدة في العالم، لكن الغرابة تكمن في أن يتبناها سياسيون يقودون دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية.
يشار إلى أن مراسم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، شهدت قداسا للقس الإنجيلي المتعصب "روبرت جيفرس"، الذي يتبنى مواقف معادية للمسلمين، بل ولليهود.
وفي تصريح عقب فوز ترامب بالرئاسة، قال "جيفرس" لقناة "سي إن إن" الأمريكية: "على مر التاريخ، تعتبر القدس هدفا لليهود والمسيحيين"، في إشارة إلى دعمه موقف الرئيس الجديد من المدينة.
ترامب، الذي أكد في حملاته الانتخابية أنه سيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أوفى بعهده للإنجيليين، الذين منحوه أصواتهم.
واعتبرت البروفيسورة "إليزابيث أولدميكسون"، الأستاذة بجامعة "نورث تكساس"، في تصريح، أن قرار ترامب ليس "سياسيا، وإنما امتثالا لمعتقدات الإنجيليين الدينية".
وأوضحت "أولدميكسون" أن "الصهاينة المسيحيون يؤمنون بأن الله منح الأرض المقدسة لليهود"، مشيرة إلى أن تلك الأرض تقع على ضفتي نهر الأردن.
تأثير مايك بنس
"بنس" الذي تولى سابقا ولاية إنديانا، وصف نفسه آنذاك بأنه "إنجيلي كاثوليكي"، ثم اتخذ صفات أخرى مثل: "المسيحي"، و"المحافظ"، و"الجمهوري"، لكسب شرائح أكبر من المجتمع.
وفي الرأي العام الأمريكي، يُعرَّف بنس بأنه "متدين"، و"محافظ"، و"لا يحب أن يكون وحده مع نساء أخريات"، و"يكره المثليين جنسيا".
ليس هناك أدنى شك في أن اختيار الرجل لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، أرضى الشرائح المتديّنة بشكل عام، والإنجيليين بشكل خاص.
وفي تعليقه على هذا الاختيار، قال "ريتشارد لاند"، أحد مستشاري ترامب، إن "مايك بنس هو نموذج ذهب عيار 24، ويتحلى بما نود أن نراه في سياسي ينتمي للإنجيليين".
واليوم، تضغط الطائفة المتطرفة بكل قوة على البيت الأبيض، عبر "بنس"، من أجل الحصول على نتيجة بشأن القس "أندرو برانسون" الذي يخضع للمحاكمة.
انتخابات الكونغرس النصفية في الولايات المتحدة
تلعب الانتخابات، التي أشير إليها سابقا، دورا كبيرا في احتلال قضية "برانسون" أجندة البيت الأبيض، وأزمة بين دولتين حليفتين في إطار حلف شمال الأطلسي "ناتو".
فترامب، يسعى إلى مواصلة فترته دون معارضة شديدة من الكونغرس، وصولا إلى رئاسيات عام 2020، التي ينوي الترشح فيها مجددا، وسط مخاوف من تحقيق الحزب الديمقراطي فوزا كبيرا في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يدفعه إلى الحرص على أصوات الإنجيليين خصوصا، والمحافظين عموما.
لا يرغب الرئيس الأمريكي، ولا نائبه، خلال هذه الفترة الحرجة، في أن يسجّل عليهما فشل في قضية "برانسون"، التي تتبناها الشرائح الدينية، وهو ما سيترتب عليه ثمن باهظ في الانتخابات.