نشرت
صحيفة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على التوترات
بين رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة في
تونس، التي عمقت الأزمة التي تعيشها الطبقة
السياسية في البلاد.
وقالت
الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الأمور ليست على ما يُرام
بين قصر قرطاج والقصبة. ومن الآن فصاعدا، تطورت الأزمة التي يعيشها أعلى هرم
السلطة في البلاد، ما جعلها تنتقل إلى الساحة العامة التونسية. وبعد أشهر من
اندلاع الأزمة، خرج الباجي قائد السبسي عن صمته، ليُلقي خطابا أثار ضجة واسعة،
أثناء مداخلة تلفزيونية له بُثت يوم 15 تموز/ يوليو الحالي. وعلى الرغم من أنه لم
يُشر بشكل صريح إلى رئيس حكومته، إلا أن الطريقة التي صاغ بها السبسي جملته أكدت
أنه يتحدث عن رئيس حكومته.
ونقلت
الصحيفة عن رئيس الدولة هذه الجملة التي ورد فيها الآتي: "حين لا نملك دعما
سياسيا، علينا إما أن نستقيل أو أن نطالب البرلمان بتجديد ثقته بنا". وباستعمال
هذه الكلمات البسيطة، أكد السبسي فتور علاقته بالشاهد. وأثناء الاجتماعات الخاصة،
لم يتردد الرئيس خلال الأسابيع الأخيرة في إظهار انزعاجه من الشاهد.
ففي
اليوم العاشر من الشهر الجاري، وفي اجتماع للمجلس الوطني للأمن، غضب السبسي من
رئيس الوزراء (بحضور بعض الشهود)، واتهمه بأنه مسؤول عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل
ستة أفراد من قوات الحرس الوطني في غار الدماء (شمال غرب البلاد).
وأوردت
الصحيفة أن الباجي قائد السبسي وجه توبيخا للشاهد؛ بسبب
خلافاته المتكررة مع
وزراء الداخلية المتعاقبين، فضلا عن عدم تأنيه بشأن إقالة وزير الداخلية لطفي، على
الرغم من تقديم رئيس الدولة النصح له في هذا الموضوع. في أعقاب هذه التنحية، تم
تعيين مسؤولين جدد في أجهزة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. ويرى السبسي أن يوسف
شاهد أضعف النظام الأمني، وقد أعاد توجيه هذه التهمة إليه على قناة
"نسمة" التلفزيونية.
وبينت
الصحيفة أنه منذ البداية، تعددت أوجه الاختلاف بين القائدين، ذلك أن السبسي هو رجل
سياسة يبلغ من العمر 91 سنة. أما الشاهد، البالغ من العمر 42 سنة، فقد تلقى تكوينا
في مجال السياسات الزراعية. كما تسكنه رغبة الوصول إلى السلطة. وفي مواجهة التجربة
السياسية التي يمتلكها الباجي قائد السبسي، يتميز
يوسف الشاهد بحيويته، على الرغم
من أن المسيرة السياسية تفتقر إلى الخبرات القيادية.
وأفادت
الصحيفة بأن أسباب العداء بين السبسي والشاهد تعود إلى تنامي نفوذ رئيس الحكومة، خاصة
بعد فترة من اختيار رئيس الدولة له؛ لتهدئة التوترات التي تعصف بحزب نداء تونس، في
نهاية سنة 2015. وقد تسببت هذه الصراعات في حدوث انقسامات داخل هذا الحزب، الذي
كان نجل الرئيس، حافظ القائد السبسي، يشغل منصب المدير التنفيذي فيه.
ومنذ
ذلك الحين، أصبحت خلافات حزب النداء مركز الأزمة السياسية التونسية. وقد عبر
الشاهد بشكل مباشر عن ذلك في خطاب بثته التلفزة الوطنية في أواخر شهر أيار/ مايو.
واتهم حافظ قائد السبسي وأتباعه "بتدمير الحزب، وبدفع الكفاءات الوطنية
المنتمية إليه إلى مغادرة النداء".
وأضافت
الصحيفة أنه في غضون سنتين تقريبا قضاهما على رأس الحكومة في القصبة، ارتكب الشاهد
أخطاء فادحة. ففي الوقت الذي اقترح فيه الرئيس قانونا للمصالحة الاقتصادية من أجل
إعادة تحريك العجلة الاقتصادية وطمأنة رجال الأعمال بشأن عدم تعرضهم لتتبعات عدلية
(على خلفية تورطهم في قضايا فساد في ظل النظام السابق)، انتقد يوسف الشاهد مضمون
هذا القانون.
علاوة
على ذلك، يعارض الشاهد، دون الإعلان رسميا عن ذلك، المشروع الرئاسي المتعلق
بالإصلاحات في مجال المساواة والحريات الفردية. وفي الوقت الذي يتوجب فيه على
اللجنة المكلفة بهذا القانون تقديم النسخة النهائية لهذا التقرير، يستعد الشاهد
لافتتاح "المؤتمر التحضيري لقمة الأسرة العربية" في تشرين الثاني/ نوفمبر
سنة 2018، الذي يدافع بشكل خاص عن أولوية حقوق الأسرة، على حساب الحريات الفردية.
وأوضحت
الصحيفة أن رئيس الحكومة يتجاهل وثيقة قرطاج، التي روج لها الباجي قائد السبسي في
شهر نيسان/ أبريل سنة 2018. ومن المفترض أن تحدد هذه الوثيقة خارطة طريق السلطة
التنفيذية. فضلا عن ذلك، يثير سعي الشاهد إلى الحصول على دعم النهضة لتجنب إقالته
من رئاسة الحكومة، التي تُطالب بها قيادة نداء تونس، غضب رئيس الدولة. ويبدو أن
هذا الدعم يوحي للسبسي بخيانة الشاهد لأسرته السياسية.
بالنسبة
لرئيس الدولة، تُعدّ المناورة السياسية التي يقوم بها الشاهد غير مقبولة، ذلك
أنها تخلق أزمة سياسية حادة على رأس أعلى سلطات البلاد. ففي مقابل رهانه على
الشاهد في نهاية سنة 2015، ينتظر السبسي، الذي شارك في بناء الجمهورية الأولى
ويعتزم ترك بصمته في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البلاد، الولاء التام من رئيس
الحكومة الحالي. لكن ظل الشاهد متعلقا بأسرته السياسية الأولى، المتمثلة في الحزب
الجمهوري (حزب الوسط التونسي بقيادة عصام الشابي)، وبصداقاته مع أعضائها.