هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعكف المتحدثون الإسرائيليون باسم الحكومة والجيش على امتداح الدور
الكبير والحاسم الذي قامت به الأجهزة الاستخبارية في الحروب الأخيرة على قطاع غزة؛
لأنه لولا المعلومات الاستخبارية التي وفّرتها هذه الأجهزة، لما استطاع أن يحارب
قوى المقاومة في غزة.
يدور
الحديث عن أبرز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي أدارت حروب غزة، وهي جهاز الأمن
العام "الشاباك"، وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وجهاز
الأمن الخارجي- الموساد، وهذه الأجهزة اضطلعت وما تزال بالدور الحاسم في الحروب
ضدّ غزة وقوى المقاومة؛ لأنها تتولَّى عبر شبكات العملاء التي تحتفظ بها تزويد
المستوى السياسي بالمعلومات التي ساعدته على اتخاذ القرارات الحاسمة.
وبحسب
مراقبين، فقد شكلت حروب غزة نماذج صارخة على فداحة الأخطاء الاستخبارية، والثغرات
الأمنية التي وقعت فيها مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمختلف مسمياتها، ولعل
الإخفاق الأكبر الذي وقع فيه الجيش يكمن في نجاح المقاومة الفلسطينية، وهي منظمة
تخوض حرب عصابات، في "خطف دولة بأكملها" بعد سنوات عديدة من التسلح
والتخفي، بحيث استفاق الإسرائيليون ليجدوها أكثر تنظيما، وأكفأ قتالية وتدريبا مما
كانت في جولات القتال السابقة، وأسفر عن تغير الوضع مع مقاتليها في ساحة المعركة.
وأسهمت
سلسلة الإخفاقات الأمنية والاستخبارية في بروز شروخ أولية في الإسناد الذي تمنحه
القيادة السياسية العليا للجيش منذ بداية كل حرب في غزة. وعبّرت محافل سياسية
ووزراء في الحكومة، في محادثات مغلقة، عن قصور الاستخبارات في جمع المعلومات عن
تعاظم المقاومة الفلسطينية، والاستعدادات المكثفة التي أعدّتها للمواجهة مع الجيش
الإسرائيلي.
وأشارت
الوقائع اليومية لحروب غزة، كما يذكر متابعون، إلى أن أحدا ما غفي في
"الحراسة"، وهي أجهزة الأمن، رغم أنها حذّرت بأن حماس تستعد للمواجهة،
لكنها فشلت في قدرتها على التسلل داخل الحركة لإعداد قائمة أهداف نوعية لهجوم
يكسرها، وربما رأى رجال الاستخبارات "الغابة"، لكنهم بالتأكيد لم
يلاحظوا الأشجار! لأنهم أعطونا الإحساس بأنهم منشغلون بمنح إنذارات باختطاف جنود
فقط، ولكن طوال الوقت تعاظمت حماس إلى حجم جيش.
ثم
تمثلت سلسلة من الإخفاقات الأمنية والاستخبارية بالمفاجآت التي قدمتها حماس خلال
المعارك، لتثير تساؤلات مقلقة في ضوء عدم تزود الجيش بمعلومات من الاستخبارات بأن
لديها صواريخ وأسلحة بهذه القدرة.
وهناك
الشواهد التي تشير إلى أن العقبات التي واجهها الجيش في الجبهة العسكرية أمام حماس
لم تكن فقط متعلقة بالناحية اللوجستية، وإنما بصورة أساسية شكلت إخفاقا استخباريا
شموليا في فهم الواقع الفلسطيني في غزة، وبات من الواضح أن المعطيات الميدانية
تشير إلى أن الجيش لم يُجهّز نفسه لكل السيناريوهات، ويبدو أن إحدى المشكلات في
هذه الحروب هي مستوى التوقعات العالية من الجيش، بفضل التقارير الأمنية المغلوطة.
وضمن
تكتيكات الحرب الاستخبارية التي قادتها المقاومة في غزة، جاء الفشل الاستخباري
للجيش الإسرائيلي بعجزه عن جمع المعلومات عن منصات الصواريخ والأنفاق، وأماكن
اختفاء قادة وكوادر المقاومة، وطبيعة القدرات القتالية لها، فيما أثبتت كتائب القسام
قدرات استخبارية لافتة، من خلال جمع المعلومات عن المواقع العسكرية الإسرائيلية في
محيط قطاع غزة، والمناطق والبلدات الجنوبية.
وبلغت
القدرات الاستخبارية لدى المقاومة حدّ جمع المعلومات عن مواقع ومنشآت إستراتيجية،
مثل مبنى وزارة الحرب في تل أبيب، التي تمكنت من رصدها عبر تسيير طائرات استطلاعية
دون طيار فوقها، فضلا عن توفير معلومات دقيقة حول عمليات هجومية إسرائيلية قبل
حدوثها، مثل عملية التسلل البحري قبالة شاطئ السودانية شمال مدينة غزة.
كما
تمكنت المقاومة استخباريا من تحديد أماكن الحشود العسكرية الإسرائيلية في المناطق
الحدودية قبل وأثناء عملية الاجتياح البري، ما سمح لها بإدامة قصفها، والاشتباك
معها.
ولذلك
جاءت التحذيرات الإسرائيلية من مستويات قيادية من مغبة تعمق الجيش داخل المناطق
المكتظة في غزة، لمخاطر احتمال خطف جنود، فحماس تنتظر الفرصة لاختطاف عدد منهم، والتلويح
بهم كصورة النصر النهائية في الحرب، فلديها التفوق على المستوى الأرضي، وحولت أرض
القطاع "مترو أنفاق" يختفي مقاتلوها من مناطق المواجهة، ويخرجون خلف
خطوط القوات ليهاجموهم.
وسادت
المخابرات الإسرائيلية حالة من القلق عقب مؤشرات تدلل على أن حماس تتعمد استهداف
قادة ألوية النخبة والوحدات المختارة في الجيش، بناء على معلومات استخبارية مسبقة،
وجاء نصب "كتائب القسام" كمائن لوحدات إسرائيلية مختارة في طريقها
لتنفيذ عمليات خاصة في عمق غزة يؤكد هذه المخاوف، ونجاحها باستهداف ضباط كبار
منحها القدرة على الادعاء بأن عمليات التسلل التي قامت بها هدفت لقتل ضباط كبار،
وليس لاستهداف المدنيين، كما يفعل الجيش.
وأثارت
القدرات الصاروخية لحماس وقصفها غالبية المدن الإسرائيلية الذهول لدى المسؤولين
الأمنيين، وأوجدت حالة من الرعب في صفوف الإسرائيليين، باعتبار ما جرى فشلا
استخباراتيا كبيرا بشأن معلومات الأمن حول قدرات حماس الصاروخية، وأكثر المتشائمين
في المؤسسة الأمنية توقع أن تصل فقط إلى شمال تل أبيب، وملايين الإسرائيليين لم
يتوقعوا أن تصل صواريخ غزة لمناطق سكناهم شمال الكيان.
وبدا
واضحا أن حماس تعلمت في حرب غزة الأخيرة أن تكون أكثر حذرا، ففي مواجهات سابقة كان
بارزا استهداف خلايا الإطلاق خلال مرحلة الإعداد، لكن هذه المرة تشير شرائط
الفيديو إلى أن قسما من منصات الإطلاق موجودة داخل تحصينات تحت الأرض، في حين
يحافظ طاقم الإطلاق على بعد آمن من مكان الإطلاق، وهذا تطور استخباري بالدرجة
الأولى.
وكشفت
الاشتباكات العسكرية مع مقاتلي حماس عن إخفاق استخباري باكتشاف منظومة القيادة
والتحكم لديها، والعثور على أمكنة قادتها، فكتائب القسّام واصلت التحكم بقواتها،
وإطلاق الصواريخ، والهجوم على القوات المتوغلة على مشارف غزة. وفي ظل غياب
المعطيات الاستخبارية، اختار الجيش استخدام النيران الكثيفة ضد المناطق المأهولة،
وتعريض المدنيين الفلسطينيين للقتل والتشريد.