نشرت
صحيفة "
أتلنتيكو" الفرنسية حوارا مع الضابط السابق في جهاز المخابرات
الفرنسية ونائب مدير مركز أبحاث الاستخبارات الفرنسية، آلان رودييه، تحدث فيه عن
دوافع
إيران للبقاء لوقت أطول وقدر الإمكان في
سوريا.
وقالت
الصحيفة، في هذا الحوار الذي ترجمته "
عربي21"، إن تدخل إيران في سوريا
قد كلف نظام الملالي ما بين 30 إلى 105 مليارات دولار منذ بداية الصراع، الأمر الذي
يحيل إلى أن تدخلها ليس وقتيا. ولكن لسائل أن يسأل، ما الذي يبرر نية طهران في
البقاء في سوريا؟ وما الأهداف التي ترنو إلى تحقيقها؟
ونقلت
الصحيفة على لسان آلان رودييه أن "الهدف الذي يرنو نظام الملالي إلى تحقيقه
يتجاوز بكثير مجرد نشر أفكار "الثورة الإيرانية" في الشرق الأوسط. ففي
الواقع، يفكر النظام في البقاء أكثر بغية تركيز ما يعرف "بالهلال
الشيعي" الذي يمتد من بغداد، مرورا بدمشق، ووصولا إلى بيروت".
وأردف
رودييه أن "تدخل إيران في كل من البحرين واليمن وتأسيس علاقات جيدة مع قطر
يرمي بالأساس إلى تهديد أمن خصمه الإقليمي، أي السعودية. ويستند نظام الملالي إلى
هذه الأهداف الرئيسية لتشييد قاعدة دائمة له في المنطقة معتمدا في ذلك على المذهب
الشيعي. بعبارة أخرى، يخدم التحالف الإيراني مع كل من سوريا والعراق ولبنان مصلحة
نظام الملالي في البقاء في الحكم، حيث يعمل على استغلال هذا التحالف لخدمة مطامعه
على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية".
وأوردت
الصحيفة وجهة نظر آلان رودييه الذي نوه إلى أن "هذه الأهداف قد كلفت إيران
ثمنا باهظا خاصة في سوريا. فقد رجح أن عدد القتلى الإيرانيين في الحرب السورية قد
بلغ قرابة ثلاثة آلاف قتيل، بينهم جنرالات، بما في ذلك عدد من الميليشيات الشيعية
الأجنبية التي تقاتل تحت قيادة إيران. ولم يكن بشار
الأسد يكذب عندما أنكر وجود
جنود إيرانيين على أرضه، حيث اقتصر الدور الإيراني على إرسال خبراء ومستشارين
عسكريين. كما ينتشر على جبهات القتال مقاتلون شيعة من العراق وأفغانستان وباكستان،
بالإضافة إلى حزب الله اللبناني".
وذكرت
الصحيفة أن الضابط السابق في المخابرات الفرنسية قد أكد أن المستشارين العسكريين
الإيرانيين في سوريا محسوبون على فيلق القدس الذي يترأسه الجنرال قاسم سليماني،
إضافة إلى قادة عسكريين من قوات الباسيج، وبعض الوحدات الخاصة التابعة للجيش
الإيراني.
وفي
سؤال الصحيفة حول النتائج التي يمكن أن تنجر عن الوجود الإيراني طويل الأمد في
سوريا من ناحية المصالح الاقتصادية والانتشار العسكري، أورد آلان رودييه، أنه
"منذ أن وصل للحكم، بات القضاء "على نظام الملالي" شغل ترامب
الشاغل. ولم ينتهج الرئيس الأمريكي أسلوب أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، على غرار
بوش الذي أسقط نظام صدام حسين في العراق عبر تدخل عسكري. فقد اعتمد ترامب أسلوبا
مغاير تمثل في تسليط ضغوط اقتصادية ومحاولة سحق الاقتصاد الإيراني عبر تشديد
العقوبات عليه".
وأضاف
رودييه أنه "مع تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني، يأمل ترامب في تحرك
الشعب الإيراني ضد نظام الملالي. كما تعول واشنطن أيضا على الجماعات المسلحة التي
تقاتل النظام من داخل إيران، والتي تكمن بالأساس في حركة مجاهدي خلق والاستقلاليين
الأكراد والعرب".
وأفادت
الصحيفة أنه، ووفقا لضيفها الفرنسي، يعول النظام الإيراني كثيرا على مسألة الهلال
الشيعي لتحسين وضعه الاقتصادي تجنبا للسخط الشعبي على الرغم من أن الدول المعنية
(أي المنطوية تحت مسمى الهلال الشيعي) تعاني بدورها صعوبات اقتصادية على غرار
لبنان.
وأضاف
آلان رودييه أن طهران قررت الالتجاء أيضا إلى دول أخرى تعادي سياسة ترامب، وتحديدا
الصين، التي تعتبر في حاجة ماسة إلى توريد
أكبر قدر ممكن من المحروقات لتلبية طلباتها. وقد اختارت إيران الصين بالذات لأنها
تؤمن بأن روسيا لا تتمتع بالقدرات الاقتصادية ذاتها مثل الصين، إلا أنه يمكن في
الوقت ذاته التعويل على موسكو كشريك سياسي مهم تجنبا للوقوع في عزلة سياسية
دولية".
وتساءلت
الصحيفة عن الأسباب التي يمكن أن تدفع إيران للانسحاب من الساحة السورية، مثل
الاضطرابات الداخلية، أو الضغوط الشعبية. في هذا الصدد، أوضح رودييه قائلا:
"كما أشرنا في السابق، يمكن للضغوط الاقتصادية التي تسلطها واشنطن على نظام
الملالي أن تخلق توترا واحتقانا شعبيا داخل إيران. ومن المؤكد أن واشنطن ستلعب
جميع أوراقها، كما فعلت خلال الحرب العالمية الثانية، لتحقق مرادها المتمثل في جعل
النظام الأمريكي يحظى بالسلطة المطلقة".
وفي
الختام، أفادت الصحيفة على لسان رودييه أن "السياسة الأمريكية تجاه إيران
يمكن أن تخدم نظام الملالي. ففي حين قد يرفض 80 مليون إيراني سياسة النظام الذي
يحكمهم وتدخل الحرس الثوري في شؤونهم، إلا أن الحس بالانتماء القومي لا زال راسخا
بشدة في قلوبهم. بعبارة أوضح، يمكن للعقوبات الاقتصادية الأمريكية أن تدفع الشعب
الإيراني إلى الوقوف إلى جانب قادته". ويعتقد رودييه أنه في حال قرر الشعب
الإيراني الوقف في صف نظام الملالي، فعلى الأرجح سيصبح من الصعب أن تنسحب طهران من
سوريا، على الأقل على المدى القصير.