هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتابعت مشاهد انهيار جبهات المعارضة السورية المسلحة في السنتين الأخيرتين، فبعد خسارتها لمدينة حلب في الشمال السوري في كانون الأول/ ديسمبر 2016، وافقت فصائل سورية مسلحة في نيسان/ إبريل 2018 على الانسحاب من غوطة دمشق الشرقية، ومؤخرا من محافظة درعا في الجنوب السوري، وتسليم أسلحتها الثقيلة، بحسب اتفاق مع روسيا.
وتثار أسئلة بعد تتابع انهيار جبهات المعارضة التي كانت تعج بأعداد كبيرة من المقاتلين، الذين يمتلكون كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، حول أسباب ذلك، بعد صمودها لسنوات عدة.
وما الذي أجبر فصائل المعارضة على تسليم سلاحها الثقيل وإخلاء مواقعها والاتجاه إلى إدلب؟
في رده على الأسئلة المثارة أرجع الناشط السوري، رامي الدالاتي، أسباب انهيار جبهات المعارضة المسلحة إلى أمرين: "أولهما التدخل الروسي الفعال الذي قلب الموازين لصالح النظام السوري الذي أوشك على الانهيار كما صرح بذلك الروس أنفسهم".
وأضاف الدالاتي لـ"عربي21" أن "التدخل الروسي لا ينحصر بفارق القوة فقط، بل بفارق التوحش، حيث اعتمد الروس السياسة ذاتها التي اتبعوها في الشيشان، التي تقضي بقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، ما يعني كسر إرادة العسكريين حصرا".
أما الأمر الثاني طبقا للدالاتي، فإنه يرجع إلى "القرار الأمريكي القاضي بوقف الدعم العسكري والمالي (الرواتب) من غرفتي الدعم الدولي (الموك والموم) في كل من أنقرة وعمان".
اقرأ أيضا: "عربي21" تكشف تفاصيل اتفاق جنوب سوريا ومصير المعارضة
وإجابة عن سؤال "ما مدى تأثير خلافات الفصائل الداخلية على تسارع انهيار الجبهات العسكرية؟"، قال الناشط السوري إن "الخلافات الداخلية بين الفصائل موجودة منذ اللحظة الأولى للثورة، لكنها لم تكن لتتسبب بذلك السقوط والانهيار المتسارع"، على حد قوله.
وفي السياق ذاته رأى صاحب حساب "مزمجر الشام" الذي يحظى بمتابعة كبيرة على "تويتر"، أن أسباب انهيار جبهات المعارضة كثيرة ومتعددة، منها ما يتعلق بسياسة الدعم وما يترتب عليه من انقسام في معسكر الداعمين، واختلاف رؤاهم وأهدافهم الذي انعكس بالتأكيد على الواقع، ومنها ما يتعلق بقيادات الفصائل ونخبها والتي تحول كثير منها إلى مجرد أدوات بأيدي الممولين".
وأكدّ صاحب الحساب الذي فضل أن تبقى هويته مجهولة، أن "التدخل العسكري الروسي بقوة لصالح النظام السوري كان من الأسباب الهامة في انهيار جبهات المعارضة المسلحة تباعا".
وقال لـ"عربي21": "مع أن لكل منطقة أسبابها الخاصة في السقوط والانهيار، إلا أن ثمة قواسم مشتركة بينهما، يمكن إجمالها بأمرين اثنين: اقتتال داخلي، وتبعية خارجية، كما وقع في حلب وريف حمص والغوطة ودرعا".
وتابع بأن "أسباب السقوط والانهيار تتلخص في الاختراق الكبير للثورة، إما خارجيا حيث استطاع الداعمون اختراق الفصائل وتطويعها وتحويلها لأدوات، أو داخليا من تنظيمات متطرفة أو عميلة للنظام"، مؤكدا أن "الانهيار والسقوط لم يكن سببه الرئيس عسكريا، وإنما اختراق الثورة خارجيا وداخليا".
"خيانة القادة"
من جهته، قال الباحث الشرعي السوري محمد الأمين: "لا شك أن القصف الروسي شرس جدا، وتطبيقه لسياسة الأرض المحروقة يجعل من الصعب كثيرا احتفاظ الفصائل المقاتلة بالأرض، وهذا يبرر الانسحاب من المدن والاستمرار في حرب العصابات".
وقال لـ"عربي21": "لكن ذلك كله لا يبرر بحال تسليم السلاح للنظام بدل إحراقه أو إتلافه"، مؤكدا أن "تسليم السلاح دليل على خيانة القيادة"، بحسب قوله.
بدوره، رأى الباحث الأردني المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية أن من أبرز وأهم أسباب انهيار جبهات المعارضة السورية المسلحة "غياب الرؤية الاستراتيجية عن تلك الفصائل، ما أوقعها في حبائل ومصائد الآخرين بكل سهولة".
وأشار أبو هنية لـ"عربي21" إلى أن غالبية تلك الفصائل لم تكن تمتلك رؤية كلية لإنهاء أزمة سوريا الوطن، بل كانت أهدافهم ومشاريعهم مناطقية وعشائرية وعائلية، ما سهل على الآخرين تنفيذ أجنداتهم عبر تلك الفصائل المنعدمة الرؤية، والضيقة الأفق".
وتابع: "أهدرت تلك الفصائل الراضخة لشروط وإملاءات الممولين فرصا ثمينة؛ لو أحسنت استغلالها ووحدت صفوفها واجتمعت على رؤية واحدة وقيادة واحدة، لتمكنت من إسقاط النظام حينما كان لا يسيطر على أكثر من 10 في المئة من الأراضي السورية".
اقرأ أيضا: صحيفة روسية: هذا موقف موسكو من وجود إيران جنوب سوريا
ولفت أبو هنية إلى أن "غالبية تلك الفصائل كانت مرتهنة حتى في معاركها لإملاءات الممولين والداعمين، الذين حددوا لها الأعداء الذين تجب مقاتلتهم، مثل التنظيمات المتطرفة والإرهابية، وليس النظام الذي قاموا عليه، كي يتحرروا من الفساد والاستعباد والاستبداد"، بحسب تعبيره.
واستغرب أبو هنية في نهاية حديثه من "الذين يعلقون فشل الثورة السورية على مشجب المؤامرات الخارجية الرامية لإجهاضها، ويتناسون في الوقت نفسه جملة الأسباب الذاتية الداخلية المسؤولة بشكل كبير عن إضعاف الثورة وحرف مسيرتها".
وتساءل: "هل يعقل أن الخارج بكل قوته وجبروته وأدواته يستطيع التلاعب بالفاعلين على الأرض، وإملاء شروطه عليهم، لولا قابليتهم واستعدادهم لذلك؟".