باتت خيارات الحكومة
المصرية في التعامل مع أي
رد فعل شعبي تحسبا لحدوث أي انفجار؛ نتيجة رفع الدعم عن الطاقة الوقود والمياه
محدودة، بعد أن عجزت عن الوفاء بوعودها في تحسين معيشة المواطنين، أو توفير حلول
اقتصادية واجتماعية جذرية تحميهم من فخ الغلاء والفقر، إلا من خيار واحد.
وقال خبراء
سياسيون واقتصاديون لـ"
عربي21" إن الخيار الأمني أصبح هو الخيار الوحيد
للسلطة في مصر للتعامل مع خروج التذمر الشعبي عن السيطرة، وترجمته إلى غضب في
مظاهرات أو وقفات أو حتى اعتصامات أو إضرابات.
الخيار الأمني
وفيما يتعلق بخيارات الحكومة، قال الخبير في
الاقتصاد السياسي، محمد شيرين الهواري، لـ"
عربي21": "بعد الزيادات
الجديدة في
أسعار المحروقات والطاقة والمياه والتي ستؤدي إلى موجة تضخمية جديدة لم
يعد الشعب يتحملها حتى لو افترضنا – وهو المُتوقع فعلياً - أنها ستكون أقل وطأة من
ارتفاعات ما بعد تعويم سعر الصرف في نوفمبر 2016، تجد الحكومة نفسها الآن أمام
المهمة الصعبة لكيفية احتواء الغضب الشعبي".
ورأى أن
"أغلب الظن أن الدولة ستلجأ مجدداً إلى أساليب الترهيب والتخويف الأمنية
المعتادة، بل وقد تتصاعد حدتها في الأيام القليلة المقبلة وهو ما رأينا بالفعل
مقدماته وقت إلقاء القبض على محتجين سلميين اعترضوا علناً على زيادة أسعار تذاكر
المترو".
وأضاف: "هذا بالطبع بالإضافة إلى بعض
الإجراءات الشكلية في برامج الحماية الاجتماعية المختلفة التي لن تفيد المواطن
المطحون في شيء حيث ستخصص لها مبالغ ضئيلة للغاية فقط؛ لأن الدولة لو كانت تملك ما
يُمكنها من التعويض الكامل لما اضطرت إلى تقليص الدعم في الأصل".
نظام منتخب وآخر عسكري
وتطرق رئيس اللجنة المالية والاقتصادية، بمجلس
الشورى السابق، محمد الفقي، إلى وجود خيارين، أحدهما خاص بنظام شرعي منتخب، والآخر
بنظام انقلابي عسكري، قائلا: "أي نظام سوي منتخب لم يكن ليقدم على تلك
الخطوات؛ لأنه يعلم أن هناك برلمانا سوف يحاسبه، وأنه يجب أن يفي بوعده للشعب الذي
انتخبه، وأن يقدم تعويضا عينيا أو ماديا للفقراء من خلال قاعدة بيانات كاملة".
وأضاف لـ"
عربي21": "أي نظام
منتخب لم يكن ليهدر عشرات المليارات من الدولارات من أموال دعم الخليج في المرحلة
السابقة، ومن التي توفرت له من فروق الأسعار في السلع والخدمات التي يتحصل عليها
من الأفراد ويستغلها لصنع نهضة اقتصادية، ولكان حاسب الفاسدين وتحصل على
الضرائب
من المتهربين، وأوقف مهزلة منح مؤسسات تابعة للجيش مناقصات بالأمر المباشر، في
حين لا تخضع لأي رقابة ولا تدفع ضرائب ولا جمارك، كل ذلك على حساب جيوب المصريين
وتقديم الخدمات والسلع لهم بأسعار مضاعفة".
ورأى أن
"النظام بعقليته الأمنية لن يختار سوى التخويف بالعصى والمزيد من التهديد
للمصريين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال أدواته الإعلامية في تضليل
المواطنين، وتزييف الوعي العام، والوعود الكاذبة"، مشيرا إلى أن "
السيسي
من المستحيل في ظل الإجراءات التي تتم أن يمتص غضب المصريين وكل ما يقوله سيكون
وعودا زائفة كالتي كررها على مسامع المصريين وسط تخبط واضح في تصريحات أخرى قال
فيها إن مصر شبه دولة، وإن على الشعب أن يقاسي ويتألم".
وأعرب عن اعتقاده أن "سياسات الاستدانة
وقمع الفقراء وإلغاء الدعم، والاستجابة لشروط صندوق النقد لا تضع أي أفق لأي أمل
في الخروج من المأزق الاقتصادي؛ ما سيترتب عليه المزيد من الغضب الشعبي المكتوم،
وهو غير قابل للاستمرار، وسيتولد عنه عواقب وخيمة اجتماعية واقتصادية وأمنية".
لا حلول
فيما توقع الباحث السياسي والأكاديمي المصري،
محمد الزواوي، أن لا يطرح نظام السيسي أية حلول اقتصادية، قائلا: "لا أتوقع
أن يقوم النظام الحالي بأي برامج اقتصادية لرفع المعاناة عن المواطن الفقير؛ ولكن
فقط المزيد من القمع والترويع والتهديد"، مشيرا إلى أن "الحكم الحالي هو
حكم استبدادي يستخدم الحديد والنار لترويع الناس من أجل الحفاظ على صورة الدولة
المصرية كدولة كبيرة مناسبة فقط للنخبة التي جاء ليحافظ على مصالحها".
ودلل على ذلك بمظاهر البذخ "في الإنفاق
على الحفلات وعلى افتتاح المشروعات الوهمية مثل تفريعة قناة السويس، في الوقت الذي
يضيق فيه الخناق على المواطن الفقير برفع الدعم، وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي
وتحولها لدولة جابية تعمل على إغناء الحكومة، ورفع رواتب الوزراء والمحافظين
والنواب، والتلويح بانتشار الجيش في غضون 6 ساعات في حال وجود أي تمرد من الشعب".
خيارات أمنية
ويرى الكاتب الصحفي، عزت النمر، أن
"خيارات السيسي واضحة لكبح غضب المصريين؛ وذلك إنما يكون بالقوة الغاشمة،
وعصا الداخلية الغليظة، وتدخل الجيش إذا لزم الأمر، ومازال السيسي يبني سجونا جديدة
ويهدد ويتوعد ويمارس التخويف والتهديد كلغة لا يعرف غيرها".
مضيفا لـ"
عربي21" أن "السيسي
ليس معنيا بامتصاص غضب المصريين؛ لأنه أتى بانقلاب عسكري غشوم، لذا فشأنه شأن
الاستبداد وحكم العسكر لا يمارس السياسة ولا يعرف دروبها، واختار أن يدير مصر
بالحديد والنار، ويحلو له أن يقدم نفسه كمعاناة، وليس لديه رغبة أو إرادة في تعويض الشعب أو فتح بارقة أمل له".