هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على بعد 2
ميل شرق خزاعة التي تقع على السلك الفاصل جنوب قطاع غزة، وعلى بعد النظر
أقيم كيبوتس "نيريم"، وهو عبارة عن مزرعة يقيم فيها بضع مئات من
الإسرائيليين، يعمل غالبيتهم في زراعة الأراضي، واصطلح على تسميتها إسرائيلياً
غلاف غزة.
فيها نشأ الطفل
"نير" ذو 9 أعوام، وأقيمت مزرعة والده على أراض فلسطينية تعود لعائلات
مقيمة في خانيونس بينها عائلة النجار التي يقيم غالبية أبنائها في خزاعة، وكانت قد
تعرضت للكثير من الاعتداءات الإسرائيلية على مدار نشأتها، وكان آخرها تدمير جزء
مهم من القرية الوادعة عام 2014، وقتل فيها ما يتجاوز 100 مواطن فلسطيني، وهدمت
مئات المنازل ومسحت بعض الأحياء كاملة ومن بينها حي عائلة النجار.
في هذا الحي نشأت رزان
أشرف النجار 21 ربيعًا، لكن الحكاية لم تبدأ بميلاد رزان، بل أجداد رزان الذي
قتلوا وشردوا على يد أجداد "نير"؛ لتكشف حكاية رزان ونير عن أصل الصراع،
وما مثلته مسيرات العودة من إعادة وعي الشباب الفلسطيني الذي تمثله رزان، في
مواجهة روايةالاحتلال الكاذبة التي فضحها نير الذي تعرض لانتقادات كبيرة من
الجمهور الإسرائيلي بقوله: "إننا نعرف لماذا يفعلون بنا ذلكّ؛ لأننا جئنا
مكانهم، وطردناهم ونسيء لهم"، بينما في مقابل ذلك كتبت رزان آخر منشور لها
على صفحتها الشخصية "راجع ومش متراجع، وارشقني برصاصك ومش خايف، وأنا كل يوم
هأكون بارضي سلمي وبأهلي حاشد"، وأنها متمسكة بالمشاركة في مسيرات العودة
مهما كان السبب وأنها بدأت مشوارها ولن تتوقف عنه.
حكاية الفتاة والطفل هي
نتاج 70 عامًا من الحرب التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، والتي تقوم على تغيير
الوعي ومحو الذاكرة لصالح تدافع الأجيال، لكن جاءت مسيرات العودة على غير موعد
بالنسبة لإسرائيل التي لا زالت مضطربة، ولم تحسم خياراتها في التعامل معها، ولا
زالت تكتفي بالرد الذاتي، وهو اتهام حماس أنها من تنظمها؛لتهرب من أزماتها
الداخلية، وهي رواية ضعيفة أمام الوقائع.
المشاركون الذين نشاهدهم
ونقابلهم على مدار الشهرين الماضيين وبينهم وحدات الكوشوك وقص السلك والسيطرة على
قنابل الغاز، والمتطوعين من المسعفين والنشطاء، هم شبان يقودهم دافع المقاومة،
بعيدًا عن الفصائل وبطرق سلمية، وبتقديري لو أن حماس أرادت أن تمنعهم، قد لا تتمكن
من ذلك لأسباب ترتبط بدوافع هؤلاء، وقد يكون العكس أن حماس هي من أوجدت في هؤلاء
التعبير عن ما أرادته من تغيير للواقع في قطاع غزة وكسر الحصار، وبإشراك كافة الفصائل
تحت مسمى اللجنة التنسيقية لمسيرات العودة وكسر الحصار، والتي تقومها الجهاد
الإسلامي وبعضويتها كل الفصائل، ومشاركة خجولة من حركة فتح، لكن عناصرها يشاركون
بصفتهم الشخصية، وخاصة عناصر التيار الإصلاحي بحركة فتح الذي يقوده القيادي
الفتحاوي محمد دحلان.
الدعاية الإسرائيلية فشلت
في تقديم الرواية الحقيقية حول مسببات انطلاق مسيرات العودة، وأجهز عليها
"نير" بأقواله، وفي نفس السياق قال الكاتب المسرحي الإسرائيلي
الشهير يهوشع سوبول "لو كنت طفلًا في غزة لأسهمت في إطلاق طائرة ورقية
حارقة على إسرائيل" ولم يسلم من الانتقادات الواسعة، مما يدلل على أن الرواية
الفلسطينية وحكاية رزان لم تعد قصة فتاة بل تعبير عن صراع الرواية بين المحتل
والذي تمثله عائلة الطفل "نير" والضحية وهي المسعفة رزان النجار، والتي
جاء في أعقابها اعتذار الفريق الأرجنتيني عن إقامة المبارة في إسرائيل رغم التدخل
الدبلوماسي الذي أشرف عليه نتنياهو لمنع ذلك، لكن فشل كما هي روايته التي يدفع بها
عن القناصة من أمام قصر الإليزيه بباريس "أنه يتفهم المأساة الإنسانية في غزة
ويعمل على حلها، لكن حماس من تتحمل ذلك".
رواية رزان صرخ بها
النائب العربي الدكتور أحمد الطيبي وسط الكنيست بقوله: "قيم رزان النجار تفوق
قيم عنات بيركو-عضو كنيست - وحذاء رزان النجار يسوى أغلى من رأس نيكي هيلي-مندوبة
الولايات المتحدة في الأمم المتحدة والتي صوتت ضد قرار طرحته الكويت يدين
إسرائيل".
السلطة الفلسطينية التي
تشارك على استحياء في ذلك، لم تجد بدًا من الانخراط فيها ولو بأشكال غير فاعلة،
لاعتبارات لها علاقة بخشية استغلال حماس ذلك؛ لزج السلطة في مواقف تتصادم مع
إسرائيل، ولا يتعارض مع دعواتها للمقاومة الشعبية كما في الضفة الغربية، ولا تكون
لحماس فيها اليد العلياً، ولا تطويرها أدوات المقاومة المسلحة، في حين هاجمها بعض
المقربين من عباس، ووصفها بالمغامرة على حدود غزة، وردت رزان بقولها: "لكل
الناس الي بتزاود على مسيرة العودة وسلاح المقاومة وعلى الطواقم الطبية والصحافة
احنا بنروح ع السلك بدون ما حد يجبرنا ولما يصير علينا اشي احنا بنتحمل الوجع مش انتو".
انهارت الرواية
الإسرائيلية أمام الشباب على حدود غزة، الذين حافظوا على سلمية المظاهرات،
واستخدموا أدوات لم تخطر لإسرائيل على بال، وتعيش حالة إرباك في مواجهتها كما يحدث
في مواجهة الأطباق الورقية الحارقة، وفشل الأسطوانة الإسرائيلية المتكررة بالقول: "إن
حماس تقوم بصناعة تلك الطائرات"، وأنها قصفت مصنعا لإعدادها.
كما كان يقال فالشباب
يتقدم على قيادته دائمًا، ويمتلك رواية واضحة عما حدث على مدار 12عامًا يزاوج فيها
بين النقلات النوعية للمقاومة الشعبية كما هو الحال في الانتفاضة الأولى التي تعرف
بانتفاضة الحجارة، كما هو الحال في مسيرات العودة التي أعادت للشباب روحهم الوطنية
بعد أن أنهكها الحصار والانقسام على مدار 11 عامًا، لكنه تفاجأ أنه أمام مشهد جديد
نجح فيه الشبان غير المؤطرين، فيما فشلت فيه الفصائل والأحزاب بوضع
القضية الفلسطينية على سلم الأوليات، وأكثر من ذلك قدمت أنموذجًا جديدا بإمكانية
العمل الشعبي السلمي على حدود غزة، وبنفس الوقت إبقاء المجال مفتوحا أمام الفصائل
المسلحة لاستخدام المقاومة العسكرية في مواجهة الاحتلال، هو نجاح جديد للرواية
الفلسطينية التي عمل الاحتلال على التركيز دائما على المقاومة المسلحة ووسمها
بالإرهاب، والتحريض عليها.
بدماء المسعفة رزان
النجار وزملائها الصحفيين وكذلك 13 طفلا استشهدوا في مسيرات العودة ضمن 123 شهيدا،
13.900 جريح، وكما قالت رزان أنها ذهبت لمسيرات العودة بمحض إرادتها وللدفاع عن
عزة قضيتها وتأدية رسالتها الإنسانية، يمكن القول اليوم إن لدينا رواية واضحة تهزم
رواية الاحتلال الذي فشل في إقناع الطفل نير بروايته، وكذلك الكاتب المسرحي
الإسرائيلي يهوشع سوبول، عوضًا عن الصور العالمية التي تصدرت المشهد الإعلامي
والدولي على مدار شهرين، وساءت وجه إسرائيل.