هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ديلي بيست" مقالا لأستاذة علم اللاهوت في جامعة بيرمنغهام كانديدا موس، تقول فيه إن افتتاح السفارة الأمريكية في القدس أحيط بالجدل الكبير.
وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الأسبوع الذي افتتحت به السفارة شهد موجة من العنف، ذهب ضحيتها ما لا يقل عن 50 محتجا فلسطينيا، قتلهم الجنود الإسرائيليون، ولذلك قد يكون من المفاجئ أن تجد أن المسيحيين الإنجيليين يدعمون، بل يحتفلون بهذا الحدث".
وتلفت موس إلى أن القس المعمداني روبرت جفريس، الذي تم اختياره للدعاء خلال مباركة السفارة يوم الاثنين، قام بالإشادة بالرئيس دونالد ترامب، بصفته شخصا "يقف في الجانب الصحيح منك يا الله عندما يتعلق الموضوع بإسرائيل"، ووصف الرجل، المعروف بتمييزه ضد المورمين والمسلمين، إسرائيل بأنها بركة للعالم بتوجيهها إياه نحو الله "من خلال رسالات أنبيائها، والكتب المقدسة والمسيح".
وتعلق الكاتبة قائلة: "لم تكن هناك إشكالية في دعوات جفريس بسبب تاريخه المتعصب، لكن دعواته كانت تعج بنوع خاص من العقائد المسيحية اليمينية، التي تعتقد بأن وجود السفارة في القدس سيتسبب بعنف ودمار على مستوى كبير، وتعرف هذه المجموعة المسيحية بالتدبيرية السابقة للألفية، وهذه المجموعة الإنجيلية تقرأ افتتاح السفارة على أنه خطوة مهمة وضرورية للوصول إلى نهاية العالم".
وتبين موس أنه "ينظر إلى هذه النهاية على أنها نهاية للعالم، وترتبط بالنسبة للكثير بالدمار والحساب وسقوط القوى المؤقتة كلها، وعودة المسيح، ونهاية العالم كما نعرفه، وبداية فترة من الوجود الأبدي السعيد".
وتجد الكاتبة أنه "مع أن الكثير من النصوص في الإنجيل تناقش (يوم الرب) ويوما قادما للحساب، والمصدر الرئيسي لهذه النصوص هو سفر الرؤيا، وهو آخر أسفار العهد الجديد، الرؤيا أو (نهاية العالم)، الذي في العادة يعزى خطأ لمؤلف إنجيل يوحنا، وهو مثال على ما يسميه العلماء (أدب نهاية العالم)، وهو نوع من الأدب المليء بالرموز المشفرة والتنبؤات المستقبلية، ويعتقد أن سفر الرؤيا كتب في نهاية القرن الأول خلال فترة حكم الإمبراطور دومتيان، لكن لأن التنبؤات مكتوبة على شكل رموز مشفرة فإن المسيحيين تعاملوا مع سفر الرؤيا على أنه جدول زمني لنهاية العالم منذ أن تمت كتابته".
وتنوه موس إلى أن "المسيحيين الإنجليز المتزمتين بدأوا منذ بداية القرن السادس عشر بتطوير رؤية للتاريخ الإنساني، حيث قاموا بتقسيمه إلى فترات مختلفة، كل واحدة تمثل مرحلة من مراحل الخطة الإلهية، وآخر مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني، قبل القيامة، تسمى (مملكة الألفية)، وتتكون من ألف عام يحكم فيها المسيح".
وتفيد الكاتبة بأن "ورثة المسيحيين المتطرفين في العقائد هم الإنجيليون الذين يعتقدون، مثل جفريس، بأن سفر الرؤيا (مع بعض النصوص المكملة من سفر دانيال وسفر حزقيال)، هو الذي يعطي صورة عن نهاية العالم، والعنصر المركزي لهذه العقيدة هو أن المسيحيين الحقيقيين سيجنبون أي معاناة إضافية؛ لأنهم سيرفعون إلى السماء قبل أن تبدأ الأهوال الأخيرة، وسيعاني الآخرون كلهم، وإن كان هذا كله يبدو هامشيا، يمكن أن تتخيل أن سلسلة (لفت بهايند)، التي تتحدث عن النهاية، التي تم نشرها في تسعينيات القرن الماضي باعت 80 مليون نسخة".
وتذكر موس أن "الترتيب الخاص لأحداث نهاية الوقت يختلف من مبشر إلى آخر، ومن مجموعة إلى أخرى، لكنهم يتفقون على أن عودة المسيح ستتبع بناء الهيكل اليهودي في القدس، وإعادة بناء إسرائيل بصفتها دولة دينية يهودية، حيث قال أستاذ دراسات العهد الجديد في أكليريكية علم اللاهوت في لانكستر الدكتور غريغ كاري، إن الذين يعتقدون بمثل هذه المعتقدات يؤمنون بأن (نهاية الزمان تدور حول إسرائيل والقدس)".
وترى الكاتبة أن "المشكلة أن الأمور لا تسير بشكل جيد بالنسبة لإسرائيل أو اليهود بالذات، وأوضح كاري بأن تسويقهم لـ(الولاء الثابت لدولة إسرائيل) مرتبط بحقيقة أنهم (يتوقعون هجوما دوليا ضد شعب إسرائيل) في آخر الزمان، وبناء المعبد هو فقط (تحضيرا لهذا الصراع الأخير)".
وتبين موس أن "المشكلة هي أنه في الوقت الذي يعد فيه هذا حدثا سعيدا لمجموعة صغيرة من المسيحيين المتدينين الذين يرفعون إلى السماء، إلا أنه مأساوي بالنسبة لأتباع الأديان الأخرى، و(ليس في هذا أي أخبار جيدة لمن يعيشون في القدس وحولها، الذين ليسوا سوى بيادق في هذا السيناريو من نهاية الزمان، ومعاناة العرب أمر بديهي، بينما يتحمل اليهود النصيب الأكبر من هذا الحدث الضخم)، ويلاحظ كاري أن جفريس نفسه يعتقد أن اليهود لن ينجوا إلا إذا اعتنقوا المسيحية أولا، ولذلك يجب عدم تفسير الدعم لإسرائيل على أنه دعم لحقوق اليهود الدينية، فعلى اليهود في آخر الزمان أن يتحولوا أو يموتوا".
وتفيد الكاتبة بأنه "بالنسبة لليهود في إسرائيل، الذين لا يؤمنون بهذه التفسيرات للتاريخ، فإن هذه السيناريوهات لنهاية العالم قد تبدو غير مهمة، فلم يقلقون بسبب احتمال إبادة ربانية تتم بحسب معتقدات طائفة من المسيحيين، حيث لا يؤمنون بالمسيحية أصلا؟ وإن كان المسيحيون يدعمون وجودك وفي بالهم دمارك، فما المشكلة؟ ففي المحصلة هناك أعداء حقيقيون يحيطون بك على المستوى الأرضي المتفق عليه، والدفاع ضد أولئك الأعداء أمر أكثر أهمية".
وتشير موس إلى أن "التهديد غير المعروف، لكن المهم، هو ماذا سيحصل إن اقتنعت هذه الطائفة من المسيحيين بأنهم يعيشون في نهاية الزمان؟ حيث يصف الإنجيل إبادة لمعظم الناس، وبحسب جفريس، فإن هذه المجموعة تتضمن المورمين واليهود والكاثوليك والمسلمين والمثليين".
وتقول الكاتبة إن "بعض الناس لا يدعمون تدخلات سياسية على أساس معتقداتهم الدينية، بل إنهم يسعون لوقوع هذا النوع من العنف، والعنف على هذا المقياس لا يقلقهم أخلاقيا: فإن قسم العالم إلى أتباع لله وأتباع للشيطان فليس هناك واجب أخلاقي لمحاولة إنقاذ أولئك الذين انحازوا إلى الشيطان، أو أخفقوا في أن يكونوا أدوات ربانية مسلحة، بالإضافة إلى أن سفر الرؤيا يصور محاسبة أولئك الذين لا يتبعون الله كلهم، بما في ذلك الأطفال، ومع أن المسيحيين الذين يعتقدون بالرفع إلى السماء يعارضون الإجهاض، إلا أن مصير الأطفال الذين يعيشون في آخر الزمان لا يحمل تلك الأهمية".
وتجد موس أن "المثير للسخرية هو أن معظم الأكاديميين المتخصصين في دراسة الإنجيل لا يعتقدون أن سفر الرؤيا جدول زمني لنهاية العالم، لكنهم يقولون بأن هذه الوثيقة، التي تعود إلى القرن الأول الميلادي، كتبت ردا على التهميش الذي عانى منه عدد صغير من أتباع عيسى الذين يعيشون في آسيا الصغرى (تركيا الحديثة)".
وتورد الكاتبة أنه "بحسب دراسات البروفيسورة أديلا ياربو كولينز من جامعة ييل، فإن التوقعات التي وردت في سفر الرؤيا كانت لها وظيفة التخفيف عن أعضاء مجتمعه؛ لأنها طمأنت الناس عن وجود خطة ربانية، وفي الواقع فإن معظم التوقعات في السفر افترض المؤلف أنها وقعت".
وتختم موس مقالها بالقول: "إن كان هذا كله يبدو مزعجا من ناحية أخلاقية، فهذا شيء جيد، فنهاية العالم هي الوقت الذي تتوقف فيه المثاليات، من رحمة وتسامح وشفقة لصالح الحكم الرباني والانتقام، يجب على الناس أن يقلقوا بخصوص (الأخلاقيات المسيحية) الجديدة المتعلقة بآخر الزمان؛ لا لأنها ستقع، لكن بسبب الخوف من كيف يمكن أن يتصرف شخص قوي إن ظن أن نهاية العالم جاءت".