قد يرى البعض أن ما حدث في
ماليزيا مؤخراً بعد
الانتخابات البرلمانية أمر عادي، لكن مع عودة مهندس النهضة الماليزية
مهاتير محمد (البالغ من العمر 92 عاما) على رأس السلطة مرة أخرى، بعد نجاح ائتلاف المعارضة بالتحالف مع أنور إبراهيم (الغريم السابق لمهاتير والحليف الحالي) في إزاحة الحزب الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، فقد يستحق الأمر التوقف والتأمل، وربما الانزعاج أيضاً لمن يهمه الأمر، لا سيما إذا ما قرأنا الأحداث من زاوية أخرى في مقاربة ومقارنة بأوضاع المنطقة العربية دون الخوض في تفاصيل الحالة الماليزية كثيراً.
مهاتير محمد يعود على رأس السلطة بعد غياب 15 عاما بانتخاب ديمقراطي حر، ويتم الزج برئيس الحكومة نجيب عبد الرزاق بتهم فساد تتعلق باختلاس نحو 4.5 مليار دولار أمريكي من صندوق التنمية الوطني الماليزي، منها نحو 700 مليون دولار في حسابه الخاص، حيث تتم تلك الإجراءات عبر الآليات القانونية، بعيداً عن مبدأ الانتقام وتصفية الحسابات السياسية، في الوقت الذي يخرج أنور إبراهيم من السجن بعد تبرئته من تهمة أخلاقية مشينة، بعد أن أقر مهاتير بأنه أساء لنائبه السابق ولزعيم المعارضة القابع في السجن أنور إبراهيم، وإنه نادم على ذلك، طالباً منه العفو.
ما يهمنا في هذا الصدد كلمة السر في ما حدث ويحدث في ماليزيا الآن نتيجة حصاد التداول السلمي للسلطة عبر خيار الديمقراطية التي تحتكم لرأي الشعب وخلو المشهد السياسي من الدبابة أو من أي جنرال عسكري يدير دفة الأحداث ويتحكم في خيوط اللعبة حتى لو من وراء الستار، وهذا هو سر نجاح التجربة الماليزية عموماً، رغم وجود بعض الانحرافات والأخطاء والصراعات، لكنها كانت داخل إطار التحول الديمقراطي السلمي المتعارف عليه والمتفق عليه بين جميع الأطراف (الحكومة والمعاضة والشعب).
ثمة درس قاسٍ مستفاد من الحالة الماليزية الأخيرة، وهي تغليب المصلحة الوطنية العليا على الخلافات الشخصية عندما قبل أنور إبراهيم اعتذار مهاتير محمد، ودخل هو وأحزاب المعارضة في ائتلاف مع مهاتير للتخلص من ائتلاف الجبهة الوطنية الحاكم بقيادة عبد الرزاق، لإنقاذ البلاد من الفساد المستشري والذي طال رأس السلطة حسب تقارير محلية ودولية موثقة، الأمر الذي كان له أثر إيجابي بالغ الأهمية على الشارع الماليزي على الرغم من مرارة تلك الخلافات بين الرجلين ، لتكون دليلاً مبهراً على مدى نجاعة التجربة الماليزية، لا سيما مع الهزات السياسية العنيفة قبيل مراحل التغيير من نظام لآخر، هذا في الوقت الذي نأمل أن نكون قد التقطنا الرسالة سريعاً من كوالالمبور، والتي مفادها أن سياسة المكايدة والتعامل بمبدأ الاستئصال (إما أنا أو الطوفان) في ظل خطاب الكراهية المتجذر في العقلية الحكامة، لن تبني وطناً، ولن تكون بحال من الأحوال سبيلاً للتمكين والاستقرار.