هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت "مقالا للصحافي باتريك كوكبيرن، يقول فيه إنه عندما تم تنصيب دونالد ترامب رئيسا العام الماضي، فإن الكثيرين توقعوا أن يكون وجوده في البيت الأبيض أقل خطرا مما كان عليه خلال الحملة الانتخابية.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن أمل هؤلاء كان في أن تكبح المؤسسة السياسية والبيروقراطية في واشنطن جماح ترامب، وقالوا إن المتطرفين في السلطة يتحولون إلى محافظين مطاوعين، ويسعون للحفاظ على الوضع الراهن.
ويقول كوكبيرن: "حول هذا الوقت أرسل لي صديق قصاصة، هي عبارة عن افتتاحية (نيويورك تايمز) في 31 كانون الثاني/ يناير 1933، وعنوانها: (ألمانيا تغامر)، حيث اعترف فيها الكاتب بوجود تشكك في تعيين رئيس للحكومة الألمانية (مستشارا)، كان (ينتقدها بشكل علني)، وكان يهدد بتدميرها، لكن الافتتاحية توقعت بكل ثقة بأن ذلك لن يحدث، مدرجة أسبابا عدة، مثل المعارضة داخل حكومته، (إن هو سعى لترجمة خطابه الهمجي خلال حملته إلى أفعال سياسية)".
ويلفت الكاتب إلى أن "القيود على سلطات الزعيم الجديد تشير إلى أنه لن يتغير شيء: فالمالية الألمانية كانت في أيد محافظة قوية؛ ومحاولة إقامة ديكتاتورية ستؤدي إلى إضراب عام؛ ولن تتغير السياسة الخارجية الألمانية؛ وسيقيل الرئيس الألماني بول فون هندبيرغ المستشار الجديد بالسرعة التي نصبه فيها ذاتها".
وينوه كوكبيرن إلى أن كاتب الافتتاحية طمأن القارئ، بالقول: "قد يكون الحال هو أن نرى هتلر (المدجن)، الذي يتحدث عنه الألمان بأمل.. ودائما يمكننا البحث عن بعض هذه التحولات عندما يقوم ديماغوجي متطرف بشق طريقه عنوة إلى مركز مسؤول"، وأضاف أنه "يجب التوقف عن إصدار الأحكام بشأن الزعيم الألماني الجديد؛ حتى يظهرأنه أكثر من مجرد (محرض طائش) سوف يضطر (الشعب الألماني لأخذ قفزة في الظلام)".
ويعلق الكاتب قائلا: "أدركت في وقتها أن صديقي الذي أرسل لي القصاصات كان يريد الإشارة إلى مدى سهولة التقليل من تقدير الدرجة التي قد يصل إليها الديماغوجيون المتعطشون للسلطة في مناصبهم أكثر من ذي قبل، لكني لم استخدم القصاصات لأنني شعرت أنه كان من المبكر مقارنة ترامب بالديكتاتوريين التاريخيين -الذين كان موسوليني وهتلر أسوأ مثالين عليهم- الذين فازوا في الانتخابات بأكثرية، ثم حاولوا القضاء على أي معارضة لسلطتهم في الداخل والخارج".
ويقول كوكبيرن: "من نابليون الثالث وحتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم، هناك صفات مشتركة كثيرة بين الزعماء الشعبويين القوميين الأقوياء: الشعارات البسيطة والوعود الغامضة تضمن كسب الأصوات، ومهاجمة الإعلام المستقل، وازدراء القانون (على الرغم من الإشادة بالالتزام بالقانون والنظام)، والسيطرة على البرلمان وتهميشه، والشوفينية والعسكرية، وتهم الفساد، والسعي الحثيث وراء السلطة".
ويذكر الكاتب ان "الرئيس أوباما توقع أن يجد ترامب السفينة الأمريكية المتمثلة في الدولة يصعب تغيير مسارها، لكنه استطاع فعل ذلك، وكبار الحكومة الذين كان يتوقع الكثير منهم، أتوا وذهبوا، ومن تبقى منهم يهمل رأيهم ويهانون، مثل وزير الدفاع جيم ماتيس، الذي قال إن الاتفاقية النووية مع إيران تؤدي الوظيفة المطلوبة".
ويبين كوكبيرن أن "ترامب قام بشكل منتظم ومنهجي بتفجير النقاط الثابتة في السياسة الخارجية الأمريكية، ما جعل درجة الحرارة السياسية ترتفع بشكل مستمر في الشرق الأوسط، وكما قال لي معلق بأن هناك (أجزاء متحركة) لا يمكن التنبؤ بكيفية تصرفها أكثر من أي وقت مضى في الأزمات المختلفة، وهي أجزاء قد تفلت في أي لحظة".
ويقول الكاتب: "قد شهدنا هذا الأسبوع انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية الإيرانية، وقيام اسرائيل بغارات جوية على أهداف إيرانية في سوريا، لكن الأسبوع القادم قد يجلب معه تطورات بالخطورة ذاتها: فهناك الانتخابات العراقية يوم السبت، التي لا يتوقع أن يفوز فيها أي حزب بأكثرية، وتدعم أمريكا وإيران أطرافا مختلفة؛ لمحاولة ضمان أن تكون الحكومة العراقية القادمة تميل لهما، ويخشى العراقيون أن تصبح بلدهم ميدانا للصراع بين أمريكا وإيران، حيث الرهان لصالح إيران؛ لأن أكثرية سكان العراق يتبعون المذهب الشيعي".
ويضيف كوكبيرن: "ستطرح أسئلة عملية بعد الانتخابات، مثل: ما هو مستقبل حوالي 10 آلاف جندي ومقاول عسكري أمريكي في العراق، الذي لم يصبح وجودهم ضروريا كما كان قبل هزيمة تنظيم الدولة؟ وبما أن أمريكا تفرض عقوبات صارمة على إيران، هل ستغرم الأشخاص والبنوك والشركات الموجودة في العراق، التي تتاجر مع إيران؟ فلدى إيران المحفزات كلها للقيام ببعض تجارتها من خلال بغداد، حيث على أمريكا أن تخطو بحذر لئلا تنفر الحلفاء المحليين".
ويشير الكاتب إلى أنه "خلال يومين من الانتخابات العراقية، سيتم نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وسيرفع العلمان الأمريكي والإسرائيلي في الشوارع كلها، وستحمل 150 لوحة إعلانية ضخمة صور دونالد ترامب، وسيحصل هذا في 14 أيار/ مايو، وهو اليوم ذاته الذي سيشارك فيه عشرات آلاف الفلسطينيين في غزة في مسيرة العودة لمحاولة كسر السياج حول القطاع".
ويفيد كوكبيرن بأن "هذه المسيرة تأتي بعد سبعة أسابيع من المظاهرات، التي أطلق عليها (مسيرة العودة الكبرى)، التي يسعى الفلسطينيون من خلالها لتثبيت حقهم في العودة إلى الأراضي التي طردوا أو فروا منها عام 1947، وقتل في هذه التظاهرات ما لا يقل عن 43 فلسطينيا، وجرح 1700 حتى الآن، وعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في حالة احتضار لفترة طويلة، ومع ذلك يقول ترامب للفلسطينيين إن ليس لهم وزن، وألا يتوقعوا الحصول على شيء من خلال الدبلوماسية".
ويذهب الكاتب إلى أن "الخطر هو أن يقوم ترامب، مثل الكثير من الزعماء الشعبوين، بالمبالغة في استغلال أوراق الضغط، فالوضع الأمريكي من الحدود الشرقية لأفغانستان إلى البحر الأبيض، ليس قويا، وقد ينظر إلى قوى إقليمية، مثل إسرائيل والسعودية، لكن ما تستطيع القيام به له هو أقل بكثير مما يتصور، بالإضافة إلى أن هناك ثمنا دبلوماسيا لإهماله حلفاءه الأوروبيين، الذين يرون أن إرضاء ترامب لن يخدمهم، كما أنه يعد علامة ضعف".
ويختم كوكبيرن مقاله بالقول إن "المشكلة هي أن رؤية ترامب للشرق الأوسط تقوم على أجزاء من دعاية المحافظين الجدد، ومعها آراء الزعماء السعوديين والإسرائيليين، التي تخدمهم، وقد يتخيل أن القضية الفلسطينية ستختفي، مع أنها رفضت فعل ذلك على مدى قرن من الزمان، وقد يظن أنه يمكن فصل العراق سياسيا عن إيران، لكن ذلك لن يحصل، كما يبدو أنه يظن أن يحصل على تغير في النظام أو الاستسلام من إيران، من خلال العقوبات، لكن ليس هناك سبب للاعتقاد بأن ذلك سيحدث، وقد لا ينوي ترامب الحرب في الشرق الأوسط، لكنه لا يستطيع الحصول على ما يريد دون حرب، وحتى بعد الحرب قد لا يفعل".