يشكل مترو الأنفاق وسيلة النقل الرئيسية الثانية بعد سيارات الميكروباص لدى سكان القاهرة الكبرى التي تضم ثلاث محافظات، حيث تربط خطوط
المترو الثلاثة الحالية بين غالبية مناطقها، وهي الخطوط التي يرتادها كذلك القادمون للعاصمة يوميا من المحافظات لأداء بعض الخدمات، في ضوء المركزية الشديدة للبيروقراطية
المصرية.
وإذا كانت البيانات الرسمية تشير لاستخدام 2.4 مليون شخص لخطوط مترو الأنفاق يوميا، فإن ثلث هذا العدد يمكن إضافته، والذي يمثل من يركبون بدون
تذاكر، في ضوء تقادم ماكينات دخول محطات المترو، وهي الماكينات التي تم استبدالها حاليا بأخرى جديدة مما سيزيد الإيرادات.
وكان الهدف الرئيسي من إنشاء مترو الأنفاق في العاصمة المصرية في ثمانينيات القرن الماضي؛ التخفيف من مشكلة المرور المستعصية، بامتصاص جانب من حركة الركاب بالطرق للمترو.
ونجح مترو الأنفاق في مهمته، خاصة مع الشرائح الشعبية التي تناسبت قيمة تذاكره مع أحوالها المعيشية.
إلا أنه لم ينجح في مسعاه لتقليل حركة السيارات الخاصة، لعدم توفير الأماكن المخصصة لانتظار السيارات الخاصة بجوار محطاته، لكنه قلل من كم الانبعاثات الضارة بالبيئة، المتولدة من وسائل النقل الجماعي البري.
وبقيت
أسعار تذاكر المترو منخفضة لتنافس وسائل النقل الجماعي الأخرى، لتظل ثابتة منذ عام 2006 وحتى آذار/ مارس من العام الماضي (لمدة 11 عاما)، حين تمت زيادتها بنسبة 100 في المئة. وعلل المسؤولون ذلك بزيادة
أسعار الكهرباء التي تعتمد عليها خطوط المترو بشكل رئيسي لحركتها، وأكدوا أن تلك الزيادة ستغطي المصروفات، ولن تكون هناك زيادة أخرى قبل عدة سنوات.
تبخر وعود عدم زيادة الأسعار
لكن تلك الوعود قد تبخرت، وتحولت لمطالبة بزيادة جديدة لأسعار تذاكر المترو، بحجة تراكم خسائره، والتي بلغت 619 مليون جنيه، وتراكم مديونياته لجهات أخرى، مثل شركتي الكهرباء والمياه، وشركة للمصاعد وشركة للنظافة، بنحو نصف مليار جنيه، حتى نفذت السلطات تلك الزيادة الجمعة الماضية بنسب تراوحت بين 50 في المئة إلى 250 في المئة، بعد تقسيم الرحلات لثلاث مراحل تختلف حسب عدد محطات كل منها.
وتشرف هيئة خدمية حكومية على إنشاء الأنفاق بأنحاء البلاد بلغت مخصصاتها بموازنة العام المالى الحالي تسعة مليار جنيه، اتجه معظمها للاستثمارات؛ نظرا للتوجه لإنشاء محطات إضافية بالخط الثالث للمترو، والذي سيتجه من وسط المدينة إلى حى إمبابة الشعبي، كما سيبدأ العمل بخط رابع سيربط حى الهرم بالجيزة بمدينة السادس من أكتوبر كمرحلة أولى به.
وبجانب الهيئة القومية للأنفاق، توجد شركة حكومية لإدارة وتشغيل مترو أنفاق القاهرة، وظلت الشركة تحققق ربحا حتى العام المالي 12/2013 الذي شهد حكم الرئيس محمد مرسى، ثم بدأت الشركة تعاني من الخسائر المتتالية حتى العام المالي الأخير.
ورغم انخفاض قيمة الخسائر بالعام المالي الأخير 16/2017 المنتهى آخر حزيران/ يونيو الماضي إلى 121 مليون جنيه، في ضوء استفادة ذلك العام المالي بأكثر من ثلاثة أشهر من زيادة أسعار التذاكر للضعف في آذار/ مارس من العام الماضي، إلا أن أسعار الكهرباء استمرت بالزيادة في تموز/ يوليو الماضي، وكذلك الزيادة السنوية لأجور العاملين البالغ عددهم حوالى 7400 شخصا.
مستخدمو المترو بلا كيان يحميهم
وهو ما سيتكرر في تموز/ يوليو القادم، إلى جانب ضغوط صندوق النقد الدولي لتقليل الدعم لوسائل النقل العامة، ومطالبته بإنشاء جهاز مختص بالنقل يضمن تنفيذ ذلك، وعجز وزارة النقل عن توفير الصيانة والإحلال المطلوب للخط الأول الذي مر عليه 31 عاما.
ولذلك، زادت الحكومة سعر التذاكر من سعر موحد بلغ جنيهين للتذكرة، إلى ثلاث شرائح، حسب المسافات، تترواح قيمتها بين ثلاثة وخمسة وسبعة جنيهات، واستغلت الحكومة حالة التعتيم التي تمارسها بعدم نشر ميزانية شركة إدارة وتشغيل المترو، حتى أن أعضاء لجنة النقل بالبرلمان طالبوا بمعرفة تلك الميزانية لتقييم أداء الشركة.
ويرى بعض الخبراء أن حجم العمالة الموجود أكبر من احتياج الشركة، وأن هناك قصورا بالتسويق الذي كان يمكنه زيادة الإيرادات بدلا من الرفع الكبير للتذاكر، وأن إهمال الصيانة لسنوات أدى لتدهور مستوى الخدمة وزيادة تكلفة إحلال القضبان والعربات بالخط الأول الذي افتتحت مرحلته الأولى عام 1987.
لكن في ضوء احتكار شركة إدارة المترو للنشاط، وعدم وجود كيان مستقل للدفاع عن حقوق مستخدمي المترو، يسعى لضمان جودة الخدمة ومعيارية تكلفتها، لا يستطيع مستخدمو المترو سوى الرضوخ للأمر، رغم أنه ستتبعه زيادة قريبة بأسعار تذاكر القطارات والوقود والكهرباء، في ضوء القبضة الحديدية للنظام الحاكم التي لا تسمح بأي رأي معارض، لا بالبرلمان ولا عبر وسائل الإعلام، وعقاب أصحاب هذا الرأي المعارض ولو كان قد تم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.