نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لمحررها الدبلوماسي باتريك وينتور، يقول فيه إن قادة الدول الأوروبية الموقعة على
الاتفاقية النووية مصممون على الحفاظ عليها، حتى لو وضعهم ذلك في مواجهة مع الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، الذي أعلن يوم الثلاثاء الخروج منها، والمصمم على مواجهة
إيران "الدولة القائدة في رعاية الإرهاب".
ويجد وينتور في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "هذا الصدام يمثل امتحانا كبيرا لمدى التحالف الألماني البريطاني الفرنسي، الذي التزم حتى درجة الإهانة بمحاولة الحفاظ على الاتفاقية النووية، وإقناع الرئيس ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاقية التي وقع عليها الرئيس باراك أوباما".
ويشير الكاتب إلى أن "هناك خطرا من ترنح الجبهة التي اتحدت لإقناع الرئيس، وما هو المدى الذي ستذهب فيه كل دولة لمواجهة واستعداء أمريكا بعد القرار، ولا تنس إسرائيل والسعودية اللتين سارعتا للترحيب بإعلان ترامب".
ويقول وينتور إن "الطريقة التي تحدى فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحكام ترامب، ولهجته الداعية للحرب، ستكون مهمة لما ستؤول إليه العلاقات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ولم يتورع ترامب في إعلانه عن اتهام حلفائه الأوروبيين بأنهم خدعوا (بكذبة عظيمة قدمها نظام مجرم)، ولم يقدم لهم استثناءات من الاتفاق، وقال إنه يريد فرض أكثر العقوبات شدة على إيران، وفي ظل هذا الخطاب فإن مجال التحرك لأوروبا والمحاورة محدود".
وتنقل الصحيفة عن نائب وزير الخارجية في عهد إدارة أوباما توني بلينكين، الذي شارك في التفاوض على الاتفاقية النووية مع إيران، قوله إن قدرة
أوروبا على الحفاظ على الصفقة على قيد الحياة تعتمد على استمرار إيران في الاستفادة منها اقتصاديا، حتى دون التوقيع الأمريكي عليها، مشيرا إلى أن "هذا سيحكم عليه مع مرور الوقت.. ويعتمد على الطريقة التي سترد فيها الشركات على المناخ الجديد، ويعتمد على محاولة أمريكا فرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع إيران".
ويذهب الكاتب إلى أن "بقاء الخطة الأوروبية، التي تريد الحفاظ على الصفقة، يعتمد على الطريقة التي ستقوم فيها وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على الشركات الأمريكية التي تتعامل الآن مع شركات أوروبية تتاجر مع إيران، فأول عقوبات سيتم فرضها من جديد نتيجة إنهاء ترامب الإعفاء هي الطلب من الشركات الكشف عن تخفيض عدد الصفقات التي وقعتها مع إيران لشراء النفط، ومن خلال البنك المركزي الإيراني، ولن يسري المفعول إلا بعد 180 يوما، لكن الرئيس ترامب، الذي بدا في مزاج من لا يريد التنازل، وعد بفرض عقوبات جديدة، مع أنه لم يقدم جدولا زمنيا للقيام بذلك".
ويلفت وينتور إلى أن أحد المصاعب هي أن العقوبات الحالية على إيران، والمرتبطة بسجلها في حقوق الإنسان وبرامج الصواريخ الباليستية، تركت أثرها على المصارف الأوروبية، التي لا تحب المخاطرة، ولديها علاقات مع المصارف الأمريكية.
ويفيد الكاتب بأن المحاولات السابقة في عام 2016 و2017، لم تنجح في البحث عن طرق لفك العلاقة بين الشركات التي تتعامل مع إيران والتهديدات الأمريكية بالعقوبات عليها، ما دفع إيران للشكوى من أن المنافع الاقتصادية التي وعدت بها من الاتفاق لم تتحقق.
ويقول وينتور: "السؤال الآن عما إذا كانت أوروبا ستعثر على وسائل أخرى لحماية الصفقات والتعاملات التجارية مع إيران وعدم شملها بالعقوبات، حيث أشار بلنكين إلى أن الاتحاد الأوروبي تصادم في الماضي مع الولايات المتحدة عندما فرضت أمريكا عقوبات ثانوية، فالعقوبات على إيران وليبيا، التي مررها الكونغرس عام 1996، دفعت الاتحاد الأوروبي لإصدار قانون يؤكد أن العقوبات الثانوية لا أثر قانونيا لها، وهدد الاتحاد الأوروبي بنقل المسألة إلى منظمة التجارة العالمية، وهو ما دفع أمريكا للتراجع".
ويستدرك الكاتب بأن "ترامب مستعد على ما يبدو لمعاقبة الشركات التي تتعامل مع إيران، وتشير لهجة خطابه في البيت الأبيض إلى أنه لن يتسامح مع أي تهديد لسلطته السياسية، فيما يتعلق بتسوية علاقات الغرب مع إيران".
ويذكر وينتور أن الاتحاد الأوروبي درس المواجهات السابقة مع أمريكا لتقييمها ومراجعتها، لكنه لم يتحدث علانية عنها، مفضلا التركيز على إقناع واشنطن بالبقاء في الاتفاقية.
ويبين الكاتب أنه في محاولة لطمأنة الإيرانيين، ومنع التصعيد الخارج عن السيطرة، فإن فرنسا وبريطانيا وألمانيا والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أكدت التزامها بالاتفاقية النووية، وذلك في اجتماع مع نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، طالما التزمت إيران ببنودها.
وينوه وينتور إلى أنه في الوقت ذاته، فإن أوروبا لا تريد أن تجد نفسها على تضاد مع حلفائها الطبيعيين، مثل السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، بشأن موضوعات مهمة، مثل الدور الإيراني في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه لن تستفيد من المواجهة الأوروبية الأمريكية إلا روسيا.
ويرى الكاتب أن دول أوروبا بحاجة للقرار فيما إن كانت ستواصل مقترحاتها التي قدمتها لترامب، من ناحية التفاوض على اتفاقية ملحقة تتعلق بالصواريخ الباليستية، ودور إيران في الشرق الأوسط.
ويختم وينتور مقاله بالقول إن "القادة الأوروبيين يواجهون اليوم خيارا لا يحسدون عليه: القبول بقيادة ترامب، وهم يعلمون أنها ستقود إلى اضطرابات في الشرق الأوسط، أو مواجهته فيما يعتقد أنه أكبر قرار يتخذه في السياسة الخارجية منذ توليه الحكم".