هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في السادس والعشرين من آذار/ مارس عام 1979 أبرمت مصر وإسر ائيل معاهدة السلام، بعد اتفاقيات كامب ديفيد، ولكن اتفاقية السلام عرفت شعبيا بكامب ديفيد.
بعد مرور قرابة أربعة عقود أصبح من السهل تقييم هذه المعاهدة، وبيان الحساب الختامي لها..
والواقع أنه ليس هناك اتفاق تام على تقييم هذه المعاهدة، ولكن يمكن أن نقسم المواقف إلى قسمين:
القسم الأول: هو الذي يري أن المعاهدة كانت ضرورية وأنها أهم إنجازات الرئيس السادات، وأنها أدت إلى مزايا كثيرة لمصر، بل ذهب بعض هذا الفريق إلى أن الرئيس السادات اكتسب عداء الكثير من الأوساط الصهيونيه، بزعم أن هذه المعاهدة لم تكن في صالح إسرائيل، كذلك حصل الرئيس السادات ومناحم بيجن وكارتر أبطال الملحمة على جائزة نوبل للسلام (Noble Peace Prize).
أما القسم الثاني: فيرى أن هذه المعاهدة هي صفقة جلبت لمصر والمنطقة الدمار، وفتحت الباب أمام إسرائيل لكي تنفذ مشروعها الصهيوني، بدءا بمصر وهي قلب العالم العربي..
ومن ناحية أخرى؛ فإن التقييم ينصب على المدى الاستراتيجي والمدى التكتيكي، فيرى بعض المصريين أنه من الناحية التكتيكيه حققت مصر بعض المكاسب الفورية، بينما رأى البعض الآخر أن السادات شخصيا هو الذي حقق المكاسب لشخصه على حساب المصلحة المصرية. ومن الناحية الاستراتيجية، انقسم الرأي حول مساوئ المعاهدة ومفاسدها، وكذلك مزاياها.
والحق أن التركيز لا يجوز أن يكون على المعاهدة بذاتها، وإنما على مجموعة التفاهمات التي تمت في إطارها. فالثابت أن مصر في ميزان الصراع العربي الإسرائيلي وفي ميزان العلاقات الإقليمية؛ قد تخلت عن أوراق القوة التي كانت كفيلة بأن يستمر العالم العربي مع مصر ضد إسرائيل، على الأقل من أجل تحقيق تسوية في فلسطين. ولكن الملاحظ أن مصر تركت الأصل وانشغلت بالفرع، وبذلك حققت ما تمنته إسرائيل من أن تكون هزيمة مصر عام 67 مقدمة لاختفاء مصر من المعادلات الإقليميه، وهو ما حدث تماما.
وفي تقديرنا أن هذه المعاهده ارتبطت بإرادة مصرية صلبة مثلها السادات، وهو إخراج مصر من دائرة الصراع تحت مسمى السلام، وهو يعلم علم اليقين أن المشروع الصهيوني مشروع توسعي إحلالي استيطاني، وأن مصر كانت الصخرة الصماء لحسم هذا المشروع واحتوائه، والدليل على ذلك أن وزير خارجية إسرائيل، وهو من المؤرخين الجدد، اعتبر أن هذه المعاهدة هي الميلاد الثاني لإسرائيل، وهو بغيرها كان المشروع الصهيوني لن يقدر له الاستمرار.
وأعتقد أن نظام الحكم في مصر منذ حركة الضباط عام 1952؛ قد ارتبط ارتباطا وثيقا بتطورات الصراع مع إسرائيل. فقد فشل عبد الناصر في إدارة الصراع، ثم قرر السادات الانسحاب أمام إسرائيل وتسليم مصر بالكامل للولايات المتحدة وإسرائيل، على تفصيل ليس هذا مكانه.
هذه المقالة لا تهدف إلى تجديد الجراح، ولا إلى التشفي في هذه الهزيمة الأفدح منذ عام 67، كما فعل بعض الغافلين، ولكنها تهدف إلى الإجابة على عدد من الأسئلة التي أفرزتها تجربة العقود الأربعة الأخيرة.
السؤال الأول: هل فهم السادات أن السلام له معنى مستقيم ومعنى صهيوني، وأنه التزم بالمعنى المستقيم في مواجهة إسرائيل التي فسرت السلام على أنه إملاء لصالحها، على حساب مصر وفلسطين؟
ومن الواضح أن هذه المعاهدة قد فتحت الباب أيضا لتصفية القضية الفلسطينية، وهي المفتاح الأكبر لصفقة القرن، ولتحويل الجيوش العربية عن وظيفتها الأساسية التي خططت إسرائيل للقضاء عليها، وبدأت بالجيش العراقي وتمكين إيران من العراق، ثم إنهاك الجيش السوري، في ملحمة ومؤامرة واسعة ضمن برنامج تفتيت المنطقة العربية، ثم شغلت الجيش المصري بحروب الإرهاب التي لا شك أنها ضالعة فيها.
السؤال الثاني: كيف تنظر إسرائيل إلى هذه المعاهدة؟
وهذا واضح من كل الأدبيات الإسرائيلية والتي تعتبر الرئيس كارتر قد قدم خدمة كبرى لإسرائيل. فقد أعقب المعاهدة وانسحاب مصر من الصراع؛ إعلان ضم القدس وإعلانها عاصمة أبدية لإسرائيل، ثم ضم الجولان، ثم غزو بيروت، ثم الحرب العراقية الإيرانية، ثم ضرب المفاعل النووي العراقي، مما أدى إلى إنشاء حزب الله ودخول إيران على الخط في صلب الصراع والتحالف مع سوريا، فصارت إيران بديلا عن مصر، وصارت إيران هي التي تحتضن القضية الفلسطينيه والقدس، وصارت مصر جزءا من الأمن القومي الأمريكي في المنطقة.
السؤال الثالث: ما هي الآثار المترتبة على هذه المعاهدة لمصر والمنطقة وإسرائيل؟
وهل تحقق فعلا ما وعد به السادات من توجيه تكاليف الصراع إلى التنميه وجريان أنهار الزبد والعسل والرخاء في مصر؟ الواضح أن هذه المعاهده كانت بالكامل لصالح إسرائيل.
السؤال الرابع: إذا كانت المعاهده ضد مصر وليست متوازنة، فما المكاسب الشخصية لأنور السادات؟
من الواضح أن السادات كان يفخر بهذه الإتفاقية وبتحويل مصر من موسكو إلى واشنطن، وبدا في نظر الغرب على أنه إسماعيل باشا. وكان ذلك في نظر المراقبين ضربة للعهد الناصري، فقد أعاد سيناء التي ضيعها عبد الناصر، وحقق انتصارا عام 73 مقابل هزيمة عبد الناصر، وألغى القطاع العام والتحالف مع موسكو، وأدخل القطاع الخاص المنحرف، وكأنه نظام رأسمالي لكي يحقق العدالة الاجتماعية التي طبقها عبد الناصر، فكان موقف السادات موجها لكسب الداخل والخارج. ولكنه حقق نصرا ضخما لإسرائيل عندما تنكر لعروبة مصر وشجع الكتاب على ذلك، وأبرزهم "توفيق الحكيم".
السؤال الخامس: هل المعاهدة بنصها متوازنة أم أنها انحازت لإسرائيل؟
الواضح أن أنور السادات قد قدم كل شيء مقابل استعادة سيناء، ولو بشروط، ولكنه قدم لإسرائيل ما كانت تحلم به، وهو الاعتراف؛ لأن إسرائيل تعلم أنها كيان غاصب، وأنه يستهدف مصر في الأساس، ولذلك فإن مسيرة العقود الأربعة قد حققت المكاسب لإسرائيل والكوارث لمصر والعرب.
والسؤال الذي ينشغل به هذا المقال في نهايته:
هل يمكن لمصر مع الالتزام بالمعاهدة أن تسلك سياسة خارجية مستقلة وسياسة عربية نافعة؟ أم أن منطق المعاهدة يفرض عليها هذا السلوك المدمر لمصالحها، خاصة وأن الحكومة المصرية كانت ترد على المنتقدين لهذه المعاهدة بأن نقدها يعني الحرب. وهذا تضليل كبير؛ لأن المعاهدة حررت إسرائيل من الخوف من مصر، كما أخرجت مصر من دائرة الحسابات الإقليمية، واتجهت إسرائيل لاستكمال المشروع الصهيوني. والنقطة الجوهرية هنا: كيف تسهم مصر في لجم المشروع الصهيوني الذي يستهدف تدمير مصر وتجميع العالم العربي، من أجل سلام حقيقي، وأن تلزم إسرائيل بقبول العيش في المنطقة، دون الانفراد بالأرض والسيطرة على المنطقة؟!