هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني تقريرا، سلط من خلاله الضوء على الوضع في مدينة الموصل بعد هزيمة تنظيم الدولة. ففي الوقت الراهن، يعجز أهالي المدينة الفارّين من أهوال الحرب على العودة إلى ديارهم؛ بسبب الفقر المدقع وانهيار البنية التحتية جراء المعارك ضد تنظيم الدولة، ما اضطر الأطفال إلى بيع الخردة من أجل توفير المال.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن معركة تحرير الموصل خلفت دمارا هائلا وأوضاعا معيشية مزرية، حيث اضطر الأهالي إلى بيع الحديد القديم؛ بهدف توفير المال.
في هذا الصدد، أفاد مواطن عراقي، يدعى عباس محمد، بأن "أبنائي اضطروا إلى جمع الحديد الخردة وبيعه مقابل 250 دينار للكيلو الواحد"، أي ما يعادل 20 سنتا. وتابع محمد بأن "كل الأهالي يعانون من الفقر المدقع، نحن لا نملك مالا".
وذكر الموقع أن محمد يعيش مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد في منطقة فقيرة جدا غرب الموصل، الذي دُمر تماما أثناء معركة تحريره. وشأنه شأن العديد من أهالي الموصل، هرب محمد أثناء معركة تحرير المدينة، ثم عاد إليها بعد هزيمة تنظيم الدولة. ومنذ دخول تنظيم الدولة إلى المدينة، يعاني سكانها من الفقر، وحتى بعد تسعة أشهر من تحريرها، ما زالت المدينة غير صالحة للعيش.
ووفقا لمعلومات صادرة عن البنك الدولي، تضاعفت نسبة الفقر في المناطق المحررة من قبضة تنظيم الدولة في العراق، حتى بلغت نسبة الفقر فيها 40 بالمئة. وحسب الأمم المتحدة، يعاني طفل من بين كل أربعة أطفال في العراق من الفقر. وفي شهر شباط/ فبراير الماضي، خصص البنك الدولي مساعدات طارئة للحكومة العراقية بقيمة 248 مليون يورو، من أجل تحسين مستوى معيشة 1.5 مليون مواطن عراقي يعانون من الفقر.
وأورد الموقع أن محمد يعدّ واحدا من بين 700 شخص وفرت لهم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منازل مؤقتة، حتى يعيدوا بناء منازلهم بأنفسهم. ولكن محمد ما زال يعيش في المنزل المؤقت؛ لأنه لا يملك المال اللازم لإعادة ترميم منزله. وحسب ما أعلنته الأمم المتحدة، يوجد في الموصل قرابة 40 ألف منزل يحتاجون إلى إعادة بناء أو ترميم. كما أكدت الأمم المتحدة أن إعادة إعمار المناطق المحررة في العراق تحتاج إلى ما لا يقل عن 17 مليار دولار.
وفي الوقت الحاضر، تعاني الخدمات الأساسية في المدينة من قصور كبير. ومن جانبه، قال رئيس مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الموصل، هوفيج ايتيميزيان: "من أجل إرساء استقرار دائم في المدينة، لا بد من توفير الماء والطاقة وبناء المدارس والمستشفيات". لكن، يعدّ الوضع الأمني في المدينة شبه منهار، وهناك بعض المناطق التي لا يستطيع السكان الدخول إليها بسبب الحطام والألغام وانتشار الجثث.
وأشار الموقع إلى أن الوضع في شرق الموصل مختلف تماما عن بقية المناطق العراقية، حيث إن أعمال البناء على قدم وساق؛ نظرا لأن أهالي هذه المنطقة أكثر ثراء من نظرائهم في غرب الموصل. ومن جهته، أكد ايتيميزيان أن القطاع الخاص قادر على تدارك أزمة ضعف الخدمات الأساسية في غرب الموصل. وأضاف ايتيميزيان أن المدارس هناك مكتظة بالطلاب، والوضع الصحي متردّ للغاية.
لعل ذلك ما أكده مواطن عراقي آخر، يدعى فارس بروف، الذي يقطن في المنطقة الغربية للمدينة، التي يطلق عليها اسم "العبور". يعيش فارس في منزله المدمر منذ أربعة أشهر، ويعاني من عدم توفر الخدمات الصحية، حيث إنه يضطر لعبور نهر دجلة مرتين في الأسبوع؛ لغسيل كليته في مستشفى تقع على الضفة الأخرى من النهر. وأكد فارس أنه يعاني حاليا من أزمة مالية؛ بسبب عدم امتلاكه الأموال اللازمة للتنقل إلى الضفة الأخرى.
وأوضح الموقع أن البطالة تعدّ من إحدى أكبر أزمات الموصل، حسب البنك الدولي، الذي أشار إلى ارتفاع نسبة البطالة في المناطق المحررة من العراق إلى حدود 21 بالمئة. وحيال هذا الشأن، بين ايتيميزيان أن "الأهالي هنا ما زالوا ينتظرون المساعدات المقدمة من الحكومة"، وهو ما يفسر عودة قرابة 37 ألف شخص إلى مخيمات النازحين مرة أخرى منذ كانون الثاني/ يناير. أما الحكومة العراقية، فترغب في إغلاق هذه المخيمات لأغراض دعائية، قبل الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في أيار/ مايو القادم.
وأورد الموقع أن المنظمات الإغاثية ذكرت في شهر آذار/ مارس الماضي أن هناك نحو 2.2 مليون نازح داخل العراق. وفي هذا الصدد، أكد ايتيميزيان أن "المواطنين يعودون إلى المخيمات بسبب عدم توفر حياة كريمة لهم، وليس بسبب الوضع الأمني أو النزاع المسلح". فبعض الأشخاص، دمرت منازلهم تماما، بينما وجد البعض الآخر أن هناك عائلات أخرى استولت على منازلهم. وفي المقابل، هناك آخرون يخشون من العودة إلى منازلهم بسبب الألغام، فيما يرفض أهالي المنطقة عودة بعض الأشخاص؛ بسبب ارتباطهم بتنظيم الدولة.
وفي الختام، بين الموقع أن عدد الأشخاص الذين يهرعون إلى المخيمات أكبر من عدد الذين يعودون إلى منازلهموفي حال استمر هذا العدد في الارتفاع، ستضطر الحكومة إلى إعادة فتح المخيمات التي أغلقتها. وفي هذا السياق، أفاد ايتيميزيان بأنه "بدلا من أن تكون المخيمات حلا مؤقتا، أصبحت الملاذ الأخير بالنسبة للنازحين".