هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف تحقيق لصحيفة "ذا ستار" الكندية عن الدور المزدوج للحكومة الكندية في الحرب اليمنية، مشيرة إلى أنه لا مقارنة بين الدعم الإنساني الذي تقدمه، وصفقات الأسلحة التي تبيعها للدول العربية، خاصة السعودية.
وجاء في التحقيق، الذي أعده كل من بريندان كينيدي وميشيل شيفارد، أن كندا أرسلت 65 مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية لليمنيين، الذين يعانون من الحرب الوحشية، لكنها صدرت أسلحة إلى الدول التي تقوم بقصف اليمن بقيمة 284 مليون دولار.
ويقول الكاتبان إنه عندما أعلنت وزارة الشؤون الدولية الكندية عن حزمة من المساعدات لليمن في كانون الثاني/ يناير، فإنها قالت متفاخرة إن أوتاوا قدمت 65 مليون دولار لتخفيف ما وصفتها الأمم المتحدة بـ"أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث"، مشيرين إلى أن ما لم تذكره حكومة جاستين ترودو في بيانها أن كندا منحت منذ عام 2015 رخصا لتصدير السلاح والمعدات الكندية، بقيمة 284 مليون دولار، للدول التي تشارك في الحملة التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين.
وتنقل الصحيفة عن المدير التنفيذي لمشروع "بلاوشيرز"، وهي مؤسسة أبحاث تقوم بدراسة صفقات السلاح الكندي، قيصر جاراميلو، قوله: "إن هذا مثل من يدفع ثمن العكازات بعدما يكون قد ساعد على كسر قدمي المصاب", مشيرا إلى التناقض الصارخ، وأضاف أن الحكومة لا يمكنها الزعم بأنها تدافع عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي تساعد فيه على تسليح أحد أطراف النزاع، "والمشكلة هي أن كندا تريد المليارات الحلوة، لهذا فإنها تقوم بالتحايل على حقوق الإنسان".
ويشير التحقيق، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الحكومة تقوم بدور البائع في هذه الصفقات، فيما تقوم أحيانا أخرى بدور الوسيط، وتصادق على عقود الشركات الكندية، لافتا إلى أن المسؤولين الكنديين لم يقولوا فيما إن تم استخدام السلاح المصدر في الحرب اليمنينة أم لا.
ويكشف الكاتبان عن أن الدول العربية التي تستورد من كندا تشمل البحرين والأردن ومصر والكويت والمغرب، بالإضافة إلى السعودية والإمارات، مشيرين إلى أن المشتريات تضم عربات مصفحة، وقنابل، وذخيرة، ومعدات رقابة، ومقاتلات، وطائرات دون طيار "درون"، وتطبيقات تكنولوجية، وتدريبا عسكريا وغير ذلك.
وتبين الصحيفة أن إلغاء صفقات المليارات هذه يعني خسارة وظائف، فصفقة تزويد السعودية بعربات مصفحة بقيمة 14.8 مليار دولار تعني توفير وظائف لثلاثة آلاف شخص ولمدة 14 عاما، لافتة إلى أن الصفقات العسكرية الكندية أبعد من الصفقة السعودية، فمنذ بداية الحرب في اليمن، التي دخلت عامها الرابع، تعاقدت كندا مع البحرين لتزويدها بصواريخ موجهة ودقيقة، وقدمت عددا من المعدات والأجهزة المتنوعة للإمارات العربية المتحدة، التي تقول جماعات حقوق الإنسان إنها تقوم بانتهاكات داخل حدودها وفي اليمن.
وفي بيان تلقته "ذا ستار" من المتحدث باسم وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند، قال فيه إن "كندا قلقة بشأن النزاع في اليمن"، وأضاف أن الحكومة تتعامل بحذر مع الكيفية التي يمكن فيها استخدام الأسلحة الكندية، لكنه لم يقدم تفاصيل.
وبحسب تقديرات الصحيفة لصادرات كندا الخارجية منذ عام 2015، فإن معظم السلاح ذهب للسعودية، التي اشترت أسلحة بقيمة 240 مليون دولار، ومعظمها عربات قتالية، بالإضافة إلى البنادق والتدريب ومقذوفات صاروخية وطائرات دون طيار وعوامل كيماوية وبيولوجية غير محددة.
ويورد التحقيق نقلا عن السكرتير العام لـ"أمنستي كندا" أليكس نيف، قوله: "يجب على الكنديين فهم أننا دولة تبيع السلاح"، منوها إلى أن التقارير شملت مبيعات السلاح في العامين الأولين من الحملة التي تقودها السعودية في اليمن؛ لأن مبيعات العام الماضي لن يتم الكشف عنها إلا في الصيف.
ويلفت الكاتبان إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا تقومان بتسليح السعودية، لكنهما مع كندا معزولات؛ لأن الاتحاد الأوروبي مرر عام 2016 قرارا غير ملزم لأعضائه، دعا فيه لممارسة حظر على تصدير السلاح للسعودية؛ بسبب دورها في اليمن.
وتذكر الصحيفة أن هولندا كانت أول دولة تطبق القرار، ثم فنلندا والنرويج، فيما أعلنت ألمانيا عن وقف السلاح للدول المشاركة في الحرب اليمنية كلها، منوهة إلى أن حكومة ترودو لم تعبر عن وقف السلاح، رغم تعبيرها عن "القلق العميق" بشأن تقارير عن انتهاكات سعودية، ولا تزال تتمسك بموقفها بأن وقف تصدير السلاح يرتبط بوجود مخاطر حقيقية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، أي وجود دليل قطعي على استخدام السلاح الكندي في انتهاكات لحقوق الإنسان، حيث تساءل نيف عن حاجة الحكومة لدليل قطعي أو مبرر لتقوم باتخاذ إجراءات.
وجاء في التحقيق أن الحصيلة النهائية للسلاح الكندي أكبر من الأرقام التي نشرتها الحكومة الكندية، خاصة أن أوتاوا لا تكشف عن كميات تصدير السلاح لأكبر مستورد منها، الولايات المتحدة، التي تصل إلى نصف المنتجات العسكرية الكندية، فيما تقوم أمريكا بدورها ببيع نصف ما تستورده لدول مثل السعودية، و"لهذا فإنه لا يمكن معرفة كمية الأسلحة التي زودت بها أمريكا السعودية ذات المنشأ الكندي"، مشيرة إلى أن عسكريا أمريكيا اعترف الشهر الماضي أمام لجنة في الكونغرس بأنه لا يعرف كم من الأسلحة المصدرة استخدم في اليمن.
ويفيد الكاتبان بأن الأكاديمي الكندي الذي يلاحق صادرات السلاح الكندي للشرق الأوسط أنتوني فينتون، يرى من خلال الصحافة المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض السلاح استخدمته السعودية والإمارات في اليمن، مستدركا بأنه رغم صعوبة التأكد من الصور، إلا أن العدد الكبير يقدم دليلا دامغا على استخدامها في اليمن، قائلا "لا توجد ذرة شك في أن المعدات الكندية استخدمت في اليمن.. نقوم بمتابعة هذا بشكل يومي، ولم يمر أسبوع منذ بداية الحرب دون رؤية سلاح كندي مستخدم هناك"، ويضيف فينتون أنه يعتقد أن الحكومة لم تقم بمتابعة ما يجري للسلاح بعد بيعه.
وتنوه الصحيفة إلى أن اليمن، الذي يعد من أفقر الدول العربية، يعاني من دمار للبنى التحتية وجوع، حيث تشعر الناشطة توكل كرمان، مثل بقية اليمنيين، بتجاهل العالم لهم، وقالت: "لو كنت غاضبة من شيء أو حزينة بشأن أمر ما، فإنه سيكون بسبب صمت المجتمع الدولي وتواطئه"، وأضافت في مقابلة هاتفية: "تقدم كندا في يدها اليمنى المساعدات الإنسانية، وفي اليسرى الصواريخ".
وبحسب التحقيق، فإن النزاع اليمني هو نزاع محلي على السلطة، بين قوى مؤيدة للرئيس عبد ربه منصور هادي، والحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة، لافتا إلى أن الأطراف المشاركة فيه كلها متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان.
ويورد الكاتبان نقلا عن مدير برنامج الغذاء العالمي في اليمن ستيفن أندرسون، قوله: "إنها أزمة لكنها تحدث ببطء"، وشاهد صورا "مروعة" لأطفال يعانون من فقر التغذية، ولم يبق عليهم إلا الجلد، "ومن الأسوأ مشاهدة عائلاتهم عاجزة عن فعل أي شيء".
وتشير الصحيفة إلى أن الحكومة الكندية ألغت أو راجعت صفقات أسلحة؛ بسبب مخاوف من انتهاكات حقوق الإنسان، فيما ألغى الرئيس الفلبيني رودريغو دوترتي، أحد المنبوذين في مجال حقوق الإنسان، صفقة أسلحة بقيمة 300 مليون دولار لشراء 16 مروحية كندية، وألغت وزارة الشؤون الدولية صفقة أسلحة إلى تايلاند عام 2016؛ بسبب مخاوف من انتهاكات حقوق الإنسان.
ويذكر التحقيق أنه تم تعليق بعض صفقات السلاح إلى السعودية العام الماضي لعدة أشهر، بعد تقارير صحافية عن استخدام عربات كندية الصنع في عمليات ضد متظاهرين مدنيين، وقالت وزيرة الخارجية فريلاند في شباط/ فبراير إنها لم تجد أدلة قاطعة على استخدام معدات كندية في عمليات قتالية.
وتختم "ذا ستار" تحقيقها بالإشارة إلى أنه من الصفقات التي اعتبرت مثيرة للجدل، هي خطط بيع 27 صاروخ أرض جو، من نوع "مافريك" للحكومة البحرينية، بقيمة 2.2 مليون دولار، حيث تمت الصفقة عام 2016، وكانت الصفقة قد وقعت في عام 2014، لكن بسبب السجل الصارخ لحقوق الإنسان للبحرين فإنه لم يتم نقلها إلا عام 2016، وكانت البحرين في ذلك الوقت مشاركة بقوة في حرب اليمن.