هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت كواليس القبض على عدد من المسؤولين المصريين سواء في الحكومة أو مؤسسات القضاء والداخلية وغيرها عن احتفاظ جهات بالدولة بملفات لعدد من المسؤولين الفاسدين وتحريكها ضدهم وقت الحاجة إلى ذلك؛ وهو ما يفسر دعم تلك المؤسسات، التي يتحكم فيها زمرة من المتنفذين، لزعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وللانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013.
وقال مسؤولون سابقون في الحكومة المصرية لـ"عربي21" إن الجهات التي تتحكم في تلك الملفات هي جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، والمخابرات، والتي تحتفظ بسجلات سرية عن آلاف المسؤولين في جميع مؤسسات وقطاعات الدولة المختلفة.
وألقت السلطات المصرية، الأسبوع الماضي، القبض على نائب رئيس مجلس الدولة بتهمة الإتجار في السلاح والسرقة، وفي قضية أخرى ألقي القبض على الأمين العام السابق لمجلس الدولة بتهمة تلقي رشوة، ثم زعمت السلطات أنه انتحر في محبسه، بعد يومين من القبض عليه.
وعلى مستوى المؤسسات التنفيذية؛ ألقت السلطات القبض على عدد من المسؤولين من بينهم وزير الزراعة في حكومة السيسي لاتهامه في قضية رشوة في أيلول/ سبتمبر 2015، ومحافظ المنوفية في كانون الثاني/ يناير الماضي متلبسا بالرشوة، ونائب محافظ الإسكندرية في آب/ أغسطس الماضي بتهمة تقاضيه عطايا مادية ومبالغ مالية على سبيل الرشوة.
صناعة الفساد
وكشف محافظ البحيرة والنائب السابق، أسامة سليمان لـ"عربي21" عن الجهات المتورطة في التحكم بتلك الملفات، قائلا: "بحكم مسؤوليتي وما اطلعت عليه فإن من يملك هذه الملفات هم 4 أجهزة بشكل رئيسي، وهي المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطني والرقابة الإدارية، وباقي أجهزة الدولة تتحرك وفق ما تقرره هذه الأجهزة".
ودلل على حديثه بقوله: "ذكر لي أحد رؤساء الوحدات المحلية الكبرى أنهم كانوا قبل ثورة 25 يناير يتلقون تعليماتهم النافذة من جهاز المخابرات العامة في ما يخص الإدارة المحلية، ومن المعلوم لي أيضا أن بعض ملفات الفساد صنعت بمعرفة الأجهزة الأمنية، وجهات عليا سيادية بطلب تسهيلات ما أو غيرها، ويستجيب لها المسؤول مضطرا رغم مخالفتها للقوانين ثم يتم الإيقاع به من خلالها".
وبشأن كيفية استخدام تلك الملفات، أكد أن "هذه الملفات تستخدم عادة في عدة أمور منها السيطرة الكاملة على أي قيادة في تنفيذ ما يطلب منها، وضمان ولاء هذه القيادة الفاسدة، وجعله كبش فداء للبعض لإرضاء وتحسين صورة النظام أمام الرأي العام، وحرق بعضهم إذا تجاوزوا الخط الأحمر المحدد لهم".
اقرأ أيضا: التعدي على الأراضي يكشف حجم الفساد في مصر (انفوغرافيك)
وعن كيفية استدراج المسؤولين، أوضح سليمان: "عادة ما يتم اختيار المسؤول الفاسد بطبعه، أو عنده قابلية لذلك حتى لو لم يكن فاسدا تقوم هذه الأجهزة بالبحث عن نقاط ضعفه وتوقعه فيها حتى يكتمل لها ملف الكنترول"، مشيرا إلى أن "معظم القيادات العليا في دوائر اتخاذ القرار واقعة تحت سيطرة هذه الأجهزة حتى عند ترشح بعضهم لهذه المناصب يتم تقديم كشف بمخالفاته خلال مناصبه السابقة، ومن المعلوم أن الفساد هو أحد أدوات الدول الشاملة التي تتحكم في كل أجهزة الدولة وإحدى أدوات السيطرة للدول الديكتاتورية وخصوصا العسكرية".
تزاوج الفساد والاستبداد
النائب السابق، والسياسي المصري، عبد الموجود الدرديري، قال إن "مما لا شك فيه أن هناك تلازما عضويا بين منظومتي الفساد والاستبداد، بل لا أبالغ إذا قلت بأن الاستبداد هو الوسيلة المثلى للتغطية على الفساد والمفسدين، ولذلك فإن تزاوج المفسدين مع المستبدين أمرا لا خلاف عليه".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الفاسدين في نظام مبارك أعدوا لعودة منظومة العسكر رغبة في التغطية على فسادهم؛ ولذلك كان على أبناء الثورة أن يكسروا هذه الحلقة الشريرة من الفساد والاستبداد، والتي نجحت في الالتفاف على الثورة بسبب حسن نيتهم فقتلتهم وطاردتهم ووضعتهم في السجون".
واستدرك بالقول: "لكن ما لا يعرفه هؤلاء المستبدون والفسدة أنهم يسيرون ضد الفطرة الإنسانية، وضد سنن التاريخ"، وتوقع "أن تتم هزيمة دولة الفساد والاستبداد، وأن تتساقط من الداخل بسبب الفساد المستشري في المنظومة بأكملها".
التحكم في أجهزة الدولة
وأرجعت أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسة، سارة العطيفي، انقلاب مؤسسات الدولة من جيش وداخلية وقضاء على الثورة والرئيس محمد مرسي، إلى منظومة "الفساد في الدولة المصرية".
وقالت لـ"عربي21": "لقد انقلبت مؤسسة الجيش بقيادة الجنرال السيسي، بمساعدة أكبر هيئة قضائية (المحكمة الدستورية)، ومباركة باقي مؤسسات الدولة"، مشيرة إلى "ما نشرته جريدة النيويوركر من معلومات عن دفع السعودية والإمارات ما يقارب من 20 مليار دولار لتنفيذ الانقلاب".
وذهبت بالقول إلى أن "صناعة الفساد بدأ في المؤسسة العسكرية في عهد (جمال عبد الناصر) من خلال عمل ملفات فساد مالية وأخلاقية للمسؤولين، وابتزازهم بها وقت الحاجة"، مؤكدة أن "الفساد منتشر في جميع مؤسسات الدولة، وما يحدث الآن هو كارت إرهاب لكل من تسول له نفسه الخروج من حظيرة العسكر".
وحملت العطيفي؛ القضاء المسؤولية الأولى عما آلت إليه الأوضاع في مصر، قائلة: "الكثير من القضاة اختاروا الوقوف إلى جانب الانقلاب، فحبسوا الرئيس الشرعي محمد مرسي، ومعه آلاف المعتقلين، ولم ينكروا التنازل على الأرض والمقدرات الطبيعية؛ لأن لهم ملفات لدى جهاز المخابرات العسكرية، والمخابرات العامة التي يتحكم فيها السيسي ومدير مكتبه عباس كامل".