هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال كاتب إسرائيلي أن الواقع القائم في الأراضي الفلسطينية الذي نشأ بين مرحلتي اتفاق أوسلو 1993 وعملية السور الواقي 2002 جعل إسرائيل دولة مسيطرة على الضفة الغربية دون أن تسمى بأنها حاكمة لها، وهي صيغة توفر الأمن للإسرائيليين دون أن يتحملوا أعباء هذه السيطرة الجغرافية والميدانية، ويمكن تسميتها أيديولوجية الأمر الواقع.
وأضاف ميخا غودمان بحوار مطول مع صحيفة مكور
ريشون، ترجمتها "عربي21"، وهو مؤلف كتاب "شرك 67"، أنه التقى
بدبلوماسيين أمريكيين وقيادات فلسطينية، وأجرى حوارات مطولة مع شخصيات مفتاحية في
أجهزة الامن الإسرائيلية، خرج منها بجملة قناعات جديدة حول الصراع العربي
الإسرائيلي، ليس في تفاصيله المعروفة للجميع، ولكن فيما يتداوله الإسرائيليون بين
أنفسهم حول هذا الصراع، ومآلاته المتوقعة.
وأوضح، غودمان، وهو باحث يميني وله دراسات
ومؤلفات عديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، أنه بينما يعيش الشرق الأوسط حالة من
الغليان والتفكك والاضطرابات المتلاحقة، فإن إسرائيل تنعم بحالة من الاستقرار،
لاسيما في الضفة الغربية، وهذا الوضع الممتاز هو مزيج ظروف غير مخطط لها نشأت بين
حقبتي توقيع اتفاق أوسلو بين الحكومة والاسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية عام
1993، وبين خروج الجيش الاسرائيلي لتنفيذ عملية السور الواقي في الضفة الغربية عام
2002، وهي من أكبر عملياته العسكرية في الأراضي الفلسطينية.
اقرأ أيضا: إسرائيل تتساءل: كيف ستنعكس مسيرات غزة على الضفة؟
وشرح قائلا: أنشأ اتفاق أوسلو حالة من الحكم
الذاتي للفلسطينيين على جزء من أراضيهم، فيما أوجدت السور الواقي واقعا يمكن الجيش
وجهاز الأمن العام "الشاباك" من الدخول والخروج بحرية كاملة في المدن
والقرى الفلسطينية بالضفة الغربية، والنتيجة أن إسرائيل أصبحت لا تتحكم بصورة
مباشرة في حياة الفلسطينيين، لكنها في الوقت ذاته تحكم سيطرتها الأمنية والعسكرية
على الأرجاء الفلسطينية.
صحيح أن الجيش الإسرائيلي لا يسيطر على حي
القضبة بمدينة نابلس، وليس مسئولا عن إدارة شئون الرعاية الصحية والمواصلات
للفلسطينيين، لكنه في كل ليلة يقتحم المدن ويعتقل المطلوبين ويحبط العمليات، هكذا
نشأت هذه الحالة المسماة سيطرة إسرائيلية بدون حكم للفلسطينيين، ناقل عن مسئول
فلسطيني كبير بمرارة: إسرائيل أعادت احتلال الأراضي الفلسطيني دون أن تدفع ثمن هذا
الاحتلال.
غودمان، وصف الوضع القائم في الضفة الغربية
بأنه يشكل نموذجا للواقع الذي يسعى اليه الإسرائيليون، من اليمين واليسار،
المتدينين والعلمانيين، صحيح أنه ليس واقعا مثاليا، لكنه الأفضل بالنسبة لهم، مع
العلم أن هذا الوضع القائم مؤقت وحساس، وقابل للتغير في أي لحظة.
اقرأ أيضا: مخاوف إسرائيلية من امتداد تظاهرات غزة إلى الضفة الغربية
وكشف النقاب أن المستوى العسكري الإسرائيلي قدم خلال العامين الأخيرين لنظيره السياسي إنذارا استراتيجيا مقلقا يفيد بأن الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية قد يتفكك، من خلال حدوث حالة من الفوضى وانتقال العدوى القائمة في الدول المجاورة لإسرائيل إلى الضفة الغربية.
يتوقع الكاتب أن تظهر في السلطة الفلسطينية
حالة من التفتت لأي سبب كان، وبذلك تتبدد حالة التوازن التي ينعم بها الإسرائيليون
خلال السنوات الماضية، خاصة في حال الشروع بتحقق سيناريو حروب الخلافة على وراثة
أبو مازن.
الكاتب يقدم جملة سيناريوهات مقلقة للتطورات
الميدانية في الضفة الغربية، رغم أنه لا أحد من الشخصيات الأمنية الإسرائيلية
لديها تنبؤا واضحا تجاه ما قد يحدث في مثل هذه الظروف، فقد يكون على شكل انتفاضة
فلسطينية ثالثة، أو مسيرات شعبية عارمة غير عنيفة باتجاه غربي القدس، وربما شكل
آخر يصعب علينا تخيله.
ويدلل على كلامه قائلا: الاستخبارات
الإسرائيلية ليست صادقة دائما، والتاريخ مليء بتقديرات الموقف الخاطئة لها،
وتوقعات قدمتها لم تكن في محلها، لكن الملاحظة أن هؤلاء الضباط الأمنيين الذين
يوفرون الهدوء الحالي في الضفة الغربية هم من يتوقعون اقتراب نهايته.
ويختم الكاتب بالقول: الشرك الذي وقع فيه
الاسرائيليون يفيد بان مساعيهم لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية قد تصطدم بتغييب
الطابع القومي اليهودي لإسرائيل، وفي حال انسحبنا منها فإننا سنهدد أمننا القومي،
هذه معضلة ليس لها حل.
وهكذا يعيش الإسرائيليون بين المخاوف من
التهديد الديموغرافي والهواجس الأمنية، وهناك فريق ثالث يؤمن بطريق آخر يتمثل
ببقاء الوضع القائم كما هو حتى إشعار آخر.