هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في معهد هدسون، بنيامين حداد، يقول فيه إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يريد ضرب سوريا، سواء مع أمريكا أو دونها.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ما قاله ماكرون الصيف الماضي: "عندما تضع خطوطا حمراء ولا تكون قادرا على فرضها، فإنك قد قررت أنك ضعيف".
ويعلق حداد قائلا إن "تحذيرات ماكرون المتكررة بأن فرنسا مستعدة للضرب في حال استخدام السلاح الكيماوي، ستكون محل اختبار هذا الأسبوع، بعد استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، ومقتل ما لا يقل عن 42 شخصا اختناقا؛ بسبب استنشاقهم غاز الكلور في دوما في نواحي العاصمة دمشق".
ويلفت الباحث إلى أن ماكرون تحدث يوم الأحد مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هاتفيا، واتفقا على أهمية محاسبة نظام الأسد لانتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان.
ويقول حداد إن "وعود ترامب يجب التعامل معها بناء على رغبته التي عبر عنها أخيرا، وهي سحب القوات الأمريكية من سوريا في أقرب وقت، ومن غير المعلوم إن كانت فرنسا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة لفرض الخطوط الحمراء ضد نظام الأسد أم لا، إلا أن هذا سيزيد من تركيز تفكير ماكرون، فلو قررت واشنطن عدم المضي في الضربة فإن عليه الاستعداد للضرب وحيدا؛ ليس من أجل صالحه الشخصي، لكن من أجل مصالح فرنسا الحيوية".
ويضيف الكاتب أن "ماكرون حاول منذ بداية رئاسته تشكيل سياسة واضحة تجاه سوريا، حيث انتقد سياسات أسلافه من المحافظين الجدد والتدخل العسكري، وانتقد التدخل في ليبيا عام 2011، الذي أدت فيه فرنسا دورا مهما إلى جانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما حذر من مخاطر ظهور دول شرق أوسطية فاشلة، بالإضافة إلى أنه انتقد بلهجة لاذعة السياسات الواسعة تجاه سوريا التي ورثها".
ويفيد حداد بأن "فرنسا دعمت في ظل نيكولاي ساركوزي وفرانسوا هولاند رحيل الأسد، وقدمت المساعدة للجماعات السورية المعارضة، وكما وضح السفير الفرنسي السابق في سوريا ميشيل دوكلو، فإن الموقف الفرنسي بني على (معرفة جيدة بطبيعة النظام السوري وبناء على تجربة طويلة) معه، وفقد القادة الفرنسيون الثقة بنظام دمشق، بعد سنوات من المحاولات للتحاور معه، وعلاوة على هذا فإنهم اعتقدوا، وكانوا مصيبين في هذا، بلجوء النظام للعنف ضد المتظاهرين وتعزيز الإرهاب"
وينوه الباحث إلى أنه "بعد هجمات الغوطة في عام 2013 أمر فرانسوا هولاند سلاح الجو الفرنسي بالتحضير لهجمات انتقامية ضد مركز قيادة الأسلحة الكيماوية السورية، وكذلك المراكز الإدارية المرتبطة بالهجوم، وافترض أن يكون الهجوم الفرنسي مترادفا مع الهجوم الأمريكي، إلا أن تراجع الرئيس باراك أوباما أدهش صناع القرار الفرنسيين، وكان مصدر حنق في قصر الأليزيه، واقتنع كل من هولاند ووزير خارجيته لورين فابيوس أن القرار تم تفسيره على أنه إشارة ضعف أمريكي، وفتح المجال أمام التدخل الروسي في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، وبعد مغادرته الأليزيه قال هولاند إنه كان مقتنعا (بتكشف) الأحداث بطريقة مختلفة في سوريا لو تم تنفيذ الغارات".
ويستدرك حداد بأن "مظاهر قصور استراتيجية هولاند كانت أعمق من استراتيجية أوباما، حيث وضعت فرنسا سقفا أعلى لمطالبها، وهي رحيل الأسد، وبنت آمالها هذه على فكرة دعم الأمريكيين لطموحاتها، وكانت آخر زيارة لهولاند إلى واشنطن من أجل مناشدة الإدارة بتدخل قوي بعد هجمات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 فاشلة جدا، فلم تفكر فرنسا في التحرك بمفردها بعد عام 2013، وخرق خط أوباما الأحمر".
ويجد الكاتب أنه "بالمقارنة، فإن أهداف ماكرون محدودة، ويمكن تحقيقها، وأكثر من هذا إصراره على التحرك بناء عليها، وهي في حد ذاتها اعتراف بعدم رغبة واشنطن في التورط عميقا في النزاع، ففي سوريا قدم ماكرون، مثل أمريكا، أولوية لقتال تنظيم الدولة (عدونا)، وتخلى عن مطالب رحيل الأسد (عدو الشعب السوري) كون ذلك شرطا للحل السياسي، بل إنه ذهب أبعد من هذا عندما زعم في حزيران/ يونيو أن لا (خليفة شرعيا) متوفرا ليحل مكان الأسد".
ويشير حداد إلى أن ماكرون وضع في الوقت ذاته خطين أحمرين؛ الأول متعلق باستخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري، والآخر هو فتح المجال أمام وصول المواد الإنسانية للمدنيين السوريين، لافتا إلى أنه بعد استقباله وفدا من قوات سوريا الديمقراطية الشهر الماضي في باريس، فإنه ضاعف من جهوده، وأعلن عن نشر قوات فرنسية في شمال شرق سوريا؛ لدعم جهود إعادة الاستقرار بعد هزيمة تنظيم الدولة، خاصة في مناطق الأكراد التي تهددها تركيا، حيث يقع هذا الإعلان تحت الهدف المزدوج، وهو منع عودة تنظيم الدولة، وتوفير الحماية للأكراد.
ويذهب الباحث إلى أن هذين الهدفين هما هدفان يدعمهما الرأي العام الفرنسي، ويتوافقان مع المصالح الفرنسية التي تم تحديدها، مشيرا إلى أن الأمر ذاته ينسحب على تصرف فردي فرنسي ردا على هجمات الكيماوي هذا الأسبوع.
ويرى حداد أن "الغارات الفرنسية لن تغير من ميزان القوة في سوريا، وسيكون تأثيرها العسكري والسياسي صغيرا مقارنة مع التدخل الأمريكي، وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الفرنسي أعلن الشهر الماضي عن قدرة بلاده الضرب بشكل مستقل، والقيام بهجمات عقابية ضد المنشآت والمؤسسات المسؤولة عن المذبحة الأخيرة لن يكون مجرد وفاء بالتعهدات الفرنسية، بل إنه سيؤكد مصداقية التزام فرنسا تجاه سوريا".
ويقول الكاتب إنه "علاوة على هذا، فإنه مع تحضير ماكرون للزيارة الرسمية إلى واشنطن في 24 كانون الأول/ ديسمبر، وهي أول زيارة له منذ تولي ترامب السلطة، فإن عملا عسكريا فرنسيا قد يمنحه الحفاوة التي يريدها لدى البيت الأبيض، وقد بنى الرئيسان علاقات قوية، تمثلت بزيارة ترامب الناجحة لباريس في احتفالات يوم الباستيل، وعادة ما بنى الفرنسيون رؤيتهم للعلاقة العابرة للأطلسي من خلال الموقف البراغماتي الذي يقدم المصالح الفرنسية على العلاقات التي تبنى على القيم المشتركة، واستغل ماكرون مشكلات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي المحلية، حيث لا يحظى ترامب بشعبية، ليظهر الرجل الرئيسي الذي يتحدث ترامب معه في أوروبا، إلا أن العلاقات الجيدة لم تترجم إلى سياسات قوية، فلم يستطع ماكرون مثلا التأثير على واشنطن في القرار المتعلق بالقدس أو الخروج من منظمة اليونسكو".
ويبين حداد أن "ماكرون سيحضر إلى واشنطن في سياق متوتر من السياسة الخارجية، والمتعلق بالاتفاقية النووية التي يدعو ترامب إلى إلغائها، ففي 12 أيار/ مايو سيقرر ترامب فيما إن كان سيصادق على الاتفاقية النووية أو يقوم يفرض عقوبات جديدة على طهران، بشكل ينهي علاقة أمريكا بالاتفاقية، واقترح الأوروبيون عددا من التعديلات المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية والبنود المرتبطة بنهاية عمرها كوسيلة لاسترضاء ترامب، وقد يحاول ماكرون إقناع الرئيس الأمريكي بتأجيل القرار، أو استثناء الدول الأوروبية من العقوبات التي ستفرض على الدول المتعاونة مع إيران".
ويتحدث الباحث عن الموضوع السوري، قائلا إن "فرنسا بحاجة لبقاء أمريكا في مرحلة ما بعد الدولة لتحقيق الاستقرار، ولا تستطيع القوات الفرنسية على الأرض إنهاء المهمة دون دعم أمريكي، وحتى يقنع ماكرون ترامب بهذه الأمور فإن عليه إثبات أن الدول الأوروبية لا تنتفع من أمريكا".
ويعتقد الكاتب أنه "حتى لو فشل ماكرون في إقناع ترامب بهذه الأمور، فإن تحركا عسكريا فرنسيا سيعبر عن تحول استراتيجي أوروبي من التواطؤ مع المأساة السورية، حيث انتقدت إدارة أوباما، وكان هذا صحيحا، لعدم استعدادها للتدخل في سوريا".
ويستدرك حداد قائلا: "لكن علينا التذكر أن النزاع في سوريا كان في البداية كارثة إنسانية أدت إلى صعود تنظيم الدولة وإعادة النظام في الشرق الأوسط بتسيد روسي وإيراني، وهناك قلة يمكنها المجادلة بأن مصالح الولايات المتحدة كانت مهددة، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي القريبة دوله جغرافيا من سوريا فإن التهديد كان وجوديا، حيث أثر النزاع السوري على المؤسسات الأوروبية من ناحية تدفق ملايين اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى هجمات الجهاديين في العواصم الأوروبية".
ويوضح الباحث أن "الأزمة السورية كشفت عن محدودية التعاون الأوروبي في قضايا الأمن والحدود والإجماع السياسي بشأن المهاجرين، وتمثل ذلك بصعود الرئيس المجري فيكتور أوربان، الذي أعيد انتخابه هذا الأسبوع، وأسهمت الأزمة السورية بصعود حركات اليمين المتطرف".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لأن أوروبا كانت تعرف محدوديتها العسكرية فإنها انتظرت أمريكا، ويبدو أن ماكرون فهم هذه المحدودية وعليه التحرك الآن".