ظل نمط
الاستفتاء هو الأسلوب السائد للانتخابات الرئاسية بمصر، منذ تولى الجيش أمور البلاد عام 1952 وحتى عام 2005، حين أجرى الرئيس مبارك أول
انتخابات رئاسية تعددية عام 2005، وكانت الانتخابات التعددية الحقيقية للمرة الأولى بمصر عام 2012، لتعود المنافسة بين مرشحين فقط؛ يقرر الحاكم من ينافسه بانتخابات 2014 و2018.
وشهدت مرحلة الاستفتاءات نتائج غريبة، سواء بنسبة الحضور من بين إجمالي الناخبين، أو بالنسبة التي يحصل عليها الفائز. فقد أجرى الرئيس عبد الناصر استفتاءين رئاسيين عامي 1956 و1965، فاز بالاستفتاء الأول بنسبة 99.9 في المئة وبالثاني بنسبة 99.9 في المئة أيضا، مع زعم حضور نسبة 98.5 في المئة من إجمالي الناخبين بالثاني.
وأجرى الرئيس السادات استفتاءين رئاسيين؛ الأول عام 1970 بعد وفاة عبد الناصر، والثاني عام 1976، وزعم حصوله على نسبة 90 في المئة من الأصوات بالاستفتاء الأول ونسبة 99.9 في المئة بالاستفتاء الثاني، وزعم حضور نسبة 85 في المئة من الناخبين بالأول، ونسبة 95.8 في المئة بالثاني.
وسار مبارك على نفس الدرب بالاستفتاءات الأربعة التي تمت بعهده، حين فاز بنسبة 98.5 في المئة بالأول عام 1981، بعد وفاة السادات، و97 في المئة بالثاني عام 1987، 96.3 في المئة بالثالث عام 1993، 93.8 في المئة بالرابع عام 1999. وكانت نسبة المشاركة المعلنة للتصويت رسميا، بالأول 81 في المئة، والثاني 88.5 في المئة، وبالثالث 84.2 في المئة، وبالرابع 79 في المئة.
ثم كانت أول انتخابات تعددية عام 2005، سمح فيها مبارك لرؤساء تسعة أحزاب بمنافسته بالانتخابات، وأعطى كل حزب نصف مليون جنيه للإنفاق على الانتخابات. لكن النتيجة كشفت صورية الانتخابات؛ بحصوله على نسبة 88.6 في المئة، والمرشح الثاني أيمن نور، رئيس حزب الغد، 7.6 في المئة، ونعمان جمعة، رئيس حزب الوفد الجديد، 2.9 في المئة.
الشيخ صباحي أذكى من الجميع
وحصل باقي رؤساء الأحزاب السبعة على نسبة نصف في المئة. وكان الملفت للنظر وقتها إعلان أن نسبة المشاركة بالانتخابات كانت 23 في المئة فقط، وهو أمر غير مسيوق فى الاعتراف به من قبل، حيث كان يتم الزعم بالمشاركة بنسب أعلى، رغم أن الأخيرة انتخابات تعددية مقابل الاستفتاءات السابقة.
لكنه يبدو أن الوعى الشعبى كان أعلى، حين شاهد تصريحات المرشح ورئيس حزب الأمة وقتها أحمد الصباحى يقول أنه سيعطى صوته لمبارك، وتبين بعد ذلك أن الرجل كان فطنا بتصريحه من غيره ممن ظنوا أنها انتخابات تعددية، حيث تم التنكيل بكلا من صاحبي المركز الثاني والثالث بالانتخابات، أيمن نور ونعمان نعمة، وإبعادهما عن رئاسة حزبيهما.
وكانت انتخابات 2012 متفردة فى نزاهتها عبر تاريخ الانتخابات الرئاسية
المصرية، بحصول الفائز فيها الدكتور محمد مرسى على نسبة 51.7 في المئة، كما بلغت نسبة المشاركة، رغم المنافسة الضارية بين مرشحي الإعادة محمد مرسى وأحمد شفيق، أقل من 52 في المئة.
وبالإطاحة بأول رئيس مدنى منتخب واستيلاء الجيش على السلطة في الثالث من تموز/ يوليو 2013،، عادت البلاد لمرحلة الاستفتاءات الرئاسية مرة أخرى، حيث لم يترشح سوى مرشح وحيد أمام الجنرال
السيسي بانتخابات 2014، وهو حمدين صباحي، ليحصل السيسي على نسبة 96 في المئة، مع حصول صباحي على 758 ألف صوت، بينما كان عدد الأصوات الباطلة أكثر من مليون صوت. وزعمت السلطات بلوغ نسبة المشاركة بالانتخابات 47.5 في المئة، رغم خواء اللجان الانتخابية من الناخبين، واضطرار إعلاميي النظام عبر الفضائيات لمناشدة الجمهور الذهاب للجان، دون جدوى.
الجنرال يتعالى على المشهد الانتخابي
وتشهد انتخابات 2018 تراجعا خطيرا بالحريات المجتمعية، حيث تم التنكيل والتشهير بكل من نوى الترشح للانتخابات، ليتم الدفع بمرشح مغمور لإضفاء شكل وجود منافسة انتخابية، رغم مشاركة هذا الشخص بحملات دعم ترشح السيسي.
ولقد أدى الدور المطلوب منه بحذر؛ بإحجامه عن اللقاءات الإعلامية مع وكالات الإنباء الدولية، واضعا بحساباته ما حدث لأيمن نور ونعمان جمعه عندما اندمجا بأداء دور المرشح الرئاسي عام 2005.
حتى الجنرال السيسي لم يكترث كثيرا بتقديم نفسه للانتخابات الحالية؛ المضمونة نتيجتها له، فلم يقدم برنامجا انتخابيا، مكررا ما حدث بانتخابات 2014، متعاليا على المشهد الانتخابي.
فبانتخابات 2014، قام بإجراء حوارات مع العديد من الفضائيات المصرية والعربية، والتقى بقيادات الصحف والإعلام، وبوفود من الأحزاب والفنانين والمثقفين وأبناء الصعيد والطرق الصوفية والشباب وممثلي المجتمع. أما بانتخابات 2018، فلم يجر سوى حوار واحد ضمن فيلم تسجيلي أعد خصيصا لعرض إنجازاته.
وتم التجهيز بتواجد للمعلمين بالمدارس ليشاركوا بالتصويت، وتوجد ترتيبات مع عمال المصانع العامة والخاصة، وترتيبات من قبل أعضاء البرلمان بدوائرهم الانتخابية لدفع مواطنين للذهاب للجان، والتكثيف الإعلامي لتلك الصور لصنع صورة مصنوعة عن وجود انتخابات رئاسية.