هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب التركي طه أوزهان إن الانتصار
الذي حققته أنقرة على الوحدات الكردية المسلحة في عفرين يمثل فرصة لإعادة تشكيل
الصراع في سوريا بالتعاون مع الولايات المتحدة بعيدا عن لجوء الأخيرة
لـ"الجماعات الإرهابية" مثل تنظيم الدولة وحزب الاتحاد الديمقراطي
الكردستاني بسوريا.
وقال أوزهان بمقال له نشرته
"عربي21" إن محيط سوريا يخلو من الدول القوية القادرة على التأثير
بالمعادلة بشكل إيجابي مثل تركيا مشيرا إلى أن العراق الذي خسر الملايين من شعبه
منذ السبعينيات حتى اليوم وعانى الحصار والحروب لا تمثل له سوريا أزمة وجودية ولا
حتى أولوية.
ولفت إلى أن لبنان
الجار لسوريا تأثر بالأزمة لكنه مر هو بتجربة ومعاناة خاصة خلال الحرب الأهلية
الطائفية الطاحنة لسنوات فضلا عما لحق به من الاحتلال الإسرائيلي والدمار الذي
تسبب به.
وعلى صعيد إسرائيل قال
إنها باتت ترى أن إيران تشكل تهديدا عبر قواها الموجودة بالوكالة في سوريا ومثل
هذه المعادلة ما زالت تسيطر على الساحة اللبنانية وعلى الرغم من وصف تل أبيب
العلاقة مع دمشق بأنها "عداوة مريحة" فهي تسعى لإبقاء الوضع المريح
طالما ضمنت تقييد وكلاء إيران وحصرهم بنقطة تمنعهم من شن حرب واسعة النطاق ضدها.
لكن في الوقت ذاته عملت إسرائيل بكل هدوء على
استغلال الأزمة السورية وحالة الفوضى بالمنطقة لترسيخ احتلالها للضفة وغزة بحسب
أوزهان.
أما على صعيد الأردن فقد استمر في القيام بدور
"المنطقة المحايدة" واستمر اللاجئون بالانسياب عبر حدوده لكن هذه ليست
المرة الأولى التي يواجه الأردن فيها هذا التحدي فقد كان مضطرا للتعامل سابقا مع
النكبة الفلسطينية على مدى عقود وأصبح مركزا هاما لوجستيا للحرب على تنظيم الدولة.
ورأى الكاتب أن تركيا
من بين كل جيرانها تتمتع بقوة اقتصادية وعسكرية تفوق ما يتوفر لدى الجيران الآخرين
ولديها تجربة تاريخية "لا مثيل لها" رغم معاناتها من آلام مخاض ديمقراطي
شديد في الماضي وكانت علاقتها بالنظام السوري قبل الثورة مختلفة عن جيرانها العرب
الآخرين.
وأوضح أوزهان أن أنقرة
"تمتعت بعلاقات وئام مع دمشق خلال تعرضها لعقوبات من الولايات المتحدة إبان
احتلال العراق وخالفت جيرانها الآخرين ومدت يدها لها وما زال الوضع مستمرا بشتى
الطرق" وفق قوله.
لكن الكاتب أشار إلى
أن فترة الأزمة السورية سمحت لـ"الإرهاب" بإحاطة تركيا مثل حزب العمال
الكردستاني وتنظيم الدولة وكانت دعوات أنقرة للقيام بعمليات برية ضد داعش كانت تقابل بالتجاهل، فما كان
منها في نهاية المطاف إلى أن أطلقت عملية درع الفرات لتطهر مناطقها الحدودية من
المقاتلين المسلحين، وكانت كل خطوة من خطوات هذه العملية غاية في الشفافية، وعلى
مرأى ومسمع من العالم.
وأشار إلى أنه لا يمكن اعتبار العملية العسكرية التركية
الأخيرة في سوريا "تحركاً مفاجئاً وغريباً، بل على العكس تماماً من ذلك. لقد
حذرت أنقرة وأنذرت، وبلغت كافة الأطراف في سوريا بأنها لن تسمح لحزب العمال
الكردستاني بالسيطرة على المناطق المحاذية لحدودها".
ولفت الكاتب إلى أن إحدى مراحل الأزمة
السورية كان عبارة عن فوضى عارمة لا يمكن التعايش معها من جانب تركيا بعد تحول حزب
الاتحاد الديمقراطي الكردستاني إلى "عقار مشترك" بين أمريكا وإيران
والأسد وروسيا ويستخدمه الجميع لمصالحه.
وأضاف: "كانت تلك حالة من الفوضى العارمة التي ما
كان من الممكن التعايش معها فحينما كانت مجموعة ما ترسل انتحارياً عبر الحدود إلى
داخل الأراضي التركية كان يطلق عليها اسم حزب العمال الكردستاني، ولكن حينما تنشط
نفس المجموعة داخل سوريا فإنه يطلق عليها اسم حزب الاتحاد الديمقراطي. حينما تقاتل
مجموعة ما ضد تركيا فإنها تسمى حزب العمال الكردستاني ولكن حينما تقاتل نفس
المجموعة ضد داعش فإنه يطلق عليها اسم قوات سوريا الديمقراطية".
ووصف أوزهان ذلك بأنه كان "خطأ استراتيجياً جسيماً
ربما لم يكن ليقع لولا حالة الفوضى الحالية التي تعيشها مؤسسات صناعة القرار
الأمني والسياسي في واشنطن".
وتابع: "كان ضرباً من الجنون إن لم يكن مهمة
مستحيلة، التوجه نحو تشكيل تحالف سائل مع مجموعة ماركسية لينينية تصنفها الولايات
المتحدة نفسها على أنها منظمة إرهابية. لم ينجم عن هذا التحالف غير المبرر تسميم
العلاقات التركية الأمريكية فحسب، بل لقد ثبت بالتجربة العملية أن واشنطن ليست
لديها قدرة على إدراك عواقب العبث بالتحالفات الجيوسياسية الإقليمية أو التقليدية،
وأن كل الأدوات التي يتم اللجوء إليها في حرب داعش تصبح من وجهة النظر الأمريكية
أدوات مشروعة".
وأوضح أوزهان أن تركيا تعاملت بحرص مع عفرين
ولم تحولها إلى الرقة التي شهدت قصفا عشوائيا ولم تحول مئات الالاف إلى لاجئين.
وبشأن المرحلة المقبلة ما بعد إقالة وزير
الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون عقب التفاهمات مع تركيا بشأن منبج قال الكاتب إنه
من غير المحتمل أن تبدأ الولايات المتحدة من نقطة الصفر وينبغي
أن يشكل إخراج قوات حزب الاتحاد الديمقراطي من المناطق الحدودية التركية أرضية
للدفع قدماً بالتعاون التركي الأمريكي.