ينادي البعض بإجراء
انتخابات موازية على الإنترنت، بدعوى تحريك
المياه الراكدة، وإعطاء الشعب الحق في أن يعبر عن اختياراته ورأيه بحرية في فضاء
الإنترنت، بعيدا عن قبضة الانقلاب وقمعه.
يطلق
هؤلاء دعوتهم ناسين أو متناسين أن الشعب قال رأيه في اختياراته الشرعية في 2012
التي أفرزت عن أول رئيس مدني منتخب، وهو الرئيس د. محمد
مرسي، والمختطف والممنوع
من أداء وظيفته منذ انقلاب العسكر في 3 تموز/ يوليو 2013.
بغض
النظر عن مدى الدقة التي يدعيها أصحاب هذا الطرح في تأمين الموقع الانتخابي على
الإنترنت، وعلى معايير أمن وأمان المعلومات التي اتخذت لتأمين الموقع الإلكتروني
ضد الاختراق، وبالتالي تأمين العملية الانتخابية المزعومة وكذا معلومات الناخبين،
فإن إجراء مثل هذه الانتخابات هو اعتراف ضمني بمشروعية انقلاب
السيسي وما تلاه من
أحداث، بل هو إسقاط لحق وشرعية اختيارات الشعب وخلق شرعية زائفة أخرى لقائد
الانقلاب أو لغيره تنازع شرعية اختيارات الشعب والمتمثلة في الرئيس الشرعي د.
مرسي. والأدلة على ذلك تتلخص في الآتي:
أولا:
أن مجرد إجراء انتخابات لم يدع لها الرئيس الشرعي والمنتخب (د. مرسي)، وفقا لدستور
2012 الذي استفتي عليه الشعب بأغلبية 63 في المئة، فهي انتخابات باطلة شكلا
وموضوعا. وكون إجراء انتخابات إلكترونية موازية ومتزامنة مع الانتخابات التي دعا
لها قائد الانقلاب، فهو يعتبر اعترافا صريحا به كرئيس، وبالتالي اعترافا بانقلابه
وما تلاه من إجراءات، بل وقبولا بجرائمه التي ارتكبها في حق
مصر وشعبها.
ثانيا:
بالنظر إلى الأسماء التي طُرِحت على موقع الانتخابات الموازية نجد أن اسم قائد
الانقلاب السيسي بجانب كل من شفيق وعنان وقنصوة وخالد علي وموسى مصطفى موسى. أي
أصحاب هذا الطرح قد أعطوا لأنفسهم الحق في قبول هؤلاء ودخولهم كمرشحين في
الانتخابات المزعومة إلى هذه المجموعة التي تورط فيها ثلاثة على الأقل بالانقلاب
على الشرعية ودعم الانقلاب وقتل المصريين، بينما أسقطوا هذا الحق عن الرئيس الشرعي
د. محمد مرسي.
وبالرغم
من أننا نرفض هذه المهزلة المسماة بالانتخابات شكلا وموضوعا، إلا أننا نرفض أن تتم
المساواة بين الرئيس الشرعي ومجموعة من المجرمين من أمثال قائد الانقلاب وشفيق
وعنان أو من أيّد الانقلاب ودعمه من الآخرين، إلا أن هذا الإسقاط يعتبر إقرارا
بإسقاط شرعية الرئيس د. محمد مرسي، وهو الأمر الذي لا يملكه أحد أيا كان.
ثالثا:
من أعطى الحق لهذه المجموعة أن تفرض اختيارات محددة على الشعب المصري بين أفراد
مرشحين؛ ليسوا فقط غير مؤهلين قانونيا ولا سياسيا، بل مشاركين في قتل أبناء الشعب
المصري.
رابعا:
لو فرضنا جدلا أننا اتخذنا المسار القانوني لقبول ترشح هؤلاء، فإن منهم ثلاثة
مكانهم هو المحاكم العسكرية بتهمة الخيانة العظمي وقتل المواطنين لما أجرموه في حق
الشعب المصري والتفريط في الأمن القومي لمصر: وهم عبد الفتاح السيسي، وشفيق،
وعنان. إذن، فكيف لكيان أو لجنة ما أن تعطي نفسها الحق في تكوين لجنة انتخابية
تفرض على المصريين مرشحين متورطين في جرائم ضد الشعب المصري.
خامسا:
من المعروف أن قواعد البيانات التي تحتوي على الرقم القومي هي قواعد بيانات سرية
خاصة بأمن معلومات المواطنين، إذن فكيف تم تسريبها؟ ومن أعطى الحق لأي مجموعة في
استخدامها؟ كما أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف حصل هؤلاء على قواعد بيانات
الناخبين؟ فقد قمت بتجربة شخصية بإدخال الرقم القومي وسُمح لي بالدخول. وخطورة هذا
تكمن في أن قواعد بيانات الناخبين تحتوي أسماء وتفاصيل كافة أبناء الشعب المصري،
وكل من يحمل رقما قوميا في مصر هو معرض للاختراق أو السرقة، وهو أمر بالغ الخطورة
على الأمن القومي المصري.
سادسا:
موقع الانتخابات على الإنترنت يحتوي على التحقق من كون الشخص روبوت أو لا، ولكنه
لا يحتوي أي آلية للتحقق من هوية هذا الشخص الذي أدخل الرقم القومي، وهل هو حقا
صاحبه أم شخصا آخر، وهذا يقدح بالأساس في أي نتائج تنتج عن هذه العملية الهزلية.
سابعا:
أنه مثلما حصل أصحاب هذا الطرح على قواعد بيانات الناخبين في مصر وأرقامهم
القومية، إذن فمن يدرينا أن مجموعة أخرى حصلت على هذه البيانات وستقوم بإدارة هذا
التصويت في اتجاه آخر، وهو ما ينسف مصداقية هذه العملية برمتها.
ثامنا:
بما أن قائد الانقلاب هو واحد ممن وضعوا على قائمة الانتخاب المعروضة على الموقع،
فمن يدرينا أن المسيطر على الكتائب الإلكترونية التابعة لنظام الانقلاب، وهي أيضا
بالتأكيد يملك قواعد بيانات الناخبين يقوم بالمشاركة وتوجيه الانتخابات لصالح
السيسي نفسه، وهنا يكون أمام أصحاب فكرة الانتخابات الموازية تحدي على المصداقية
إما بإعلان النتائج بفوز قائد الانقلاب، وبالتالي تصب العملية برمتها في صالحه أو
يقوم أصحاب هذا الطرح بحجب النتائج وهو ما يقدح في مصداقيتهم، وفي كلا الحالتين
يتم تدمير الهدف المزمع، والتي أجري من أجله هذا المشروع، وهو إحراج نظام الانقلاب
في الخارج.
تاسعا:
ماذا لو حصل أي من المرشحين غير السيسي على الأغلبية وتم إعلان مثل هذه النتائج،
حينها سيكون القدح في هذه النتائج من أسهل ما يمكن، لأنها ببساطة مبنية بالكامل
على أسس تكنولوجية وأمنية ركيكة، فالأمن هنا ليس فقط تأمين الموقع، ولكن أيضا
تأمين صحة ودقة التصويت وأسلوبه وآلياته، وهو ما يمكن القدح فيه بسهولة. هذا غير
أن من قام بهذا المشروع هي مجموعة سياسية ولا تمثل الحيادية المطلوبة في أي لجنة
تشرف على العملية الانتخابية.
عاشرا:
من ناحية التأمين في الفضاء الإلكتروني، فإن خبراء أمن وأمان المعلومات يؤكدون أنه
لا يوجد موقع أيا كان؛ مكن تأمينه بنسبة 100 في المئة. والتاريخ القريب يشهد على
العديد من الاختراقات لمواقع شركات وبنوك ووكالات أنباء تشرف على تأمينها شركات
أمن معلومات كبرى، فما بالنا بموقع أنشأته مجموعة محدودة، حتى وإن كان من بينهم
بعض المتخصصين؟
وعليه،
فإنه لا يمكن أن يضمن أحد مدى دقة النتائج أو حيادية الإشراف عليها أو تأمينها أو
تأمين قواعد بيانات الناخبين.
ونخلص
من هذا إلى أن الهدف من إجراء مثل هذه الانتخابات الموازية لمهزلة السيسي هو :
أولا:
خلق شرعية كاذبة ومصطنعة تنازع بالباطل شرعية الرئيس د. محمد مرسي.
ثانيا:
تكريس مفهوم عدم عودة الشرعية، والمتمثلة في الرئيس د. مرسي، في وجدان الشعب،
وبالتالي تهيئته بقبول أي بدائل مطروحة حتى لو كانت من مجموعة المرشحين نصفهم من
المجرمين.
ثالثا:
إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن مجموع اختيارات الشعب قد تم تفتيتها إلى
أشخاص آخرين ليس من بينهم الرئيس الشرعي المنتخب، وهو ما قد يؤثر سلبا على الدعاوى
المتصاعدة والمتمسكة بعودة الرئيس المنتخب لاستكمال مدته الدستورية.
رابعا:
إجراء حصر لأعداد وأسماء الناخبين ومعرفة توجههم، وبالتالي استغلال هذا مستقبلا
لإعادة توجيههم إلى مشروع آخر غير عودة الشرعية من خلال مجموعة غير رسمية.
خامسا:
خلق سبب جديد للصراع والشقاق بين المصريين وتفتيت هدف القضية إلى عدة اتجاهات، ما
يذكي روح الانقسام بين المصريين.
إن
ما أود التأكيد عليه هو أن لمصر رئيس منتخب جاء بإرادة شعبية بعد ثورة مجيدة في 25
يناير تحرر فيها الشعب من طغيان حكومات العسكر المتتالية، والتي انقلبت على
اختيارات الشعب ودستوره في تموز/ يوليو 2013، وأن أي عمليات أو انتخابات موازية أو
حتى انتخابات رئاسية هي باطلة بطلانا كاملا، لأنها تعتبر جزءا من نتائج الانقلاب
على شرعية اختيارات الشعب، بل إنها تشرعن لوجود الانقلاب بأسلوب ناعم، هذا فضلا
على أنها تخلق نزاعا على شرعية كاذبة بين أطراف ربما لا يكون لهم حق أصلا في
الترشح.
لذا،
فإن عملية التلاعب بشرعية الرئيس المنتخب تحت أي مسمى لهي جريمة في حق الشعب
المصري وعرقلة لمسيرته في الحصول على حريته وحقوقه. وهذه الجريمة لا تقل بأي حال
من الأحوال عن جريمة الانقلاب على شرعية اختياراته، هذا بغض النظر عن النوايا،
والتي لا يعلمها إلا الله.