تستكمل في بيروت الاستعدادات لإجراء
الانتخابات البرلمانية في السادس من أيار/ مايو المقبل، مع العلم أن انتخاب
اللبنانيين المقيمين في بلاد الاغتراب سيتم في أواخر شهر نيسان/ أبريل.
وقد بلغ
عدد المرشحين المسجلين للانتخابات 976 مرشحا بينهم 111 امرأة، وهذا رقم قياسي لعدد المرشحين والمرشحات منذ قيام الكيان اللبناني. ويعزو المراقبون والمحللون سبب ازدياد عدد المرشحين لاعتماد النسبية والصوت التفضيلي في قانون الانتخاب الجديد، مما يعزز من أجواء المنافسة والصراعات الحزبية والانتخابية والتنافس بين المرشحين.
وأما سبب ازدياد عدد المرشحات من النساء، فيعود للحملات الإعلامية والتوعية التي تتم في لبنان وبدعم من جهات دولية وغربية؛ لتشجيع النساء على المشاركة في الانتخابات، إضافة لدور الجمعيات النسائية وتفعيل حضور المرأة في مختلف المجالات العامة. وكانت هناك مطالبة باعتماد نظام الكوتا النسائية، لكن القانون الجديد لم يلحظ ذلك.
كما يلاحظ ازدياد دور مؤسسات المجتمع المدني والشباب والجمعيات الأهلية في الانتخابات النيابية ترشيحا ومشاركة، وقد برزت أحزاب شبابية جديدة وترشح عدد كبير من الإعلاميين والإعلاميات، مما سيزيد من فرص التنافس والحيوية في هذه الانتخابات.
ومع أن بعض المحللين ومراكز الدراسات والإحصاءات المتخصصة بالانتخابات النيابية؛ يتوقعون أن تستمر القوى السياسية والحزبية الحالية في التحكم بالبرلمان الجديد، ويستبعدون حصول تغييرات جذرية وكبيرة في المشهد السياسي والنيابي، فإنه يمكن تسجيل عدة مؤشرات مهمة، إضافة للملاحظات التي أشرنا إليها أعلاه، حول أهمية هذه الانتخابات، وما يمكن أن تحمله من إشارات تغييرية في المشهد السياسي والنيابي اللبناني، ومنها:
أولا: أن اعتماد النسبية والصوت التفضيلي في القانون الانتخابي سيمنع أي حزب أو قوة سياسية من التحكم المسبق في نتائج الانتخابات، وسيتيح لجميع الفئات والشخصيات من التمثل في البرلمان الجديد؛ في حال كانت قادرة على امتلاك الحاصل الانتخابي في الدائرة التي تترشح فيها.
ثانيا: قد يكون صحيحا أن هناك خللا في توزيع الدوائر وعدم المساواة فيما بينها، واقتصار الصوت التفضيلي على القضاء بدل الدائرة الواسعة، مما يقلل من حجم التغيير. لكن هذه الانتخابات ستشكل فرصة لتأمين مشاركة أوسع وتنوع في التمثيل السياسي والحزبي، بعكس ما كان قائما في البرلمان السابق.
ثالثا: لقد اضطرت معظم القوى السياسية والحزبية لإجراء
تغييرات في صفوف مرشحيها وإدخال دماء جديدة في الحياة السياسية، كما أن هناك شخصيات أخرى قررت عدم الترشح. وهذه القرارات قد يكون بعضها استجابة لحاجات الناس ومن أجل تأمين مشاركة أوسع في الانتخابات، وهذا يؤكد أن هذه القوى أصبحت مضطرة للأخذ بعين الاعتبار ملاحظات وآراء الرأي العام.
رابعا: بعكس ما يقوله بعض المحللين في بيروت، من أن البرلمان الجديد سيكون محكوما من قوى سياسية محددة، ولا سيما
الثنائي حركة أمل وحزب الله وحلفاؤهما، فإن من يراقب التحضيرات للانتخابات والحملات الإعلامية والشعبية؛ يلاحظ أن جميع القوى متخوفة من نتائج الانتخابات وازدياد دور الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي، ولذا تزداد الحملات الانتخابية والحملات المعارضة، ولا سيما في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وجبيل، حيث للثنائي حركة أمل وحزب الله دورا مؤثرا في هذه الدوائر.
خامسا: تتميز الحملات الانتخابية بحيوية كبيرة، وأصبح لمواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد دورا متزايدا في الحملات الانتخابية، مما سيغير من مواقف الرأي العام، وسيساهم في إدخال حيوية إعلامية وسياسية وشعبية على العملية الانتخابية.
سادسا: أن مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمؤسسات المعنية بقضايا المرأة ستكون أكثر حضورا في هذه الانتخابات، وإن كانت المشكلة أن هذه المؤسسات تعاني من الانقسامات وعدم التوحد حول مشروع سياسي مشترك، وهي تتنافس فيما بينها، مما سيؤدي لإضعاف دورها في العملية الانتخابية، وعدم حصولها على نتائج تتناسب مع الدور الذي قامت وتقوم به في الحياة السياسية والاجتماعية، ولا سيما في مواجهة الفساد وطرح قضايا الناس.
وبالإجمال، يمكن القول إن الانتخابات البرلمانية في لبنان وما تتميز به من مؤشرات إيجابية؛ تشكل فرصة ولو محدودة لتغيير المشهد السياسي والحزبي في لبنان، وهي تؤكد أنه لا خيار لشعوب هذه المنطقة الا الديمقراطية والدولة المدنية أو دولة المواطنة والقانون؛ لأنها الطريق الوحيد نحو مستقبل أفضل.