هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للمعلق جاكسون ديهيل، يتحدث فيه عن الانتخابات الروسية والمصرية.
ويبدأ الكاتب مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "الديمقراطيات الغربية تمر بمرحلة من الدفاع عن النفس، في وقت يقوم به الرئيس الصيني شي جينبنغ بتقديم نموذج جديد للحكم في القرن الحادي والعشرين: ديكتاتورية شخصية تدعمها القومية، ودولة تقوم على الرأسمالية، وأجهزة أمنية مسلحة بالتكنولوجيا المتقدمة، وفي هذا كله لا يوجد مظهر للتحول الديمقراطية أو ممارسة حكم القانون، بل على العكس يقدم شي جينبنغ نظامه على أنه بديل (يقدم خيارا جديدا للدول الأخرى)".
ويرى ديهيل أن "من بين الدول التي يمكن أن تتبنى الاستبدادية الجديدة، هي روسيا فلاديمير بوتين ومصر عبد الفتاح السيسي، وكلاهما وطد دعائم سلطته تحت شعار الوطنية، ومن المثير أن يعلن كل من السيسي وبوتين عن انتخابات رئاسية هذا الشهر".
ويؤكد الكاتب أنه "لا توجد انتخابات حقيقية، بل استعراضات مخادعة تكافئ الرجلين القويين بانتصارين حاسمين، والشكر في النهاية لاستبعاد المرشحين المهمين كلهم، ولعل ما يدفع الشخص للاهتمام في انتخابات 18 آذار/ مارس في روسيا والانتخابات المصرية بعدها بعشرة أيام، هو نسبة المتغيبين عنها؛ لأن قادة المعارضة في كلا البلدين يدعوان لمقاطعتها".
ويستدرك ديهيل بأنه "مع ذلك فإنه من المثير أن يشعر كل من بوتين والسيسي بالحاجة لانتخابات تشبه تمرينا على الديمقراطية أو القيام بحملات انتخابية للحصول على أصوات، وكان بوتين في جولات على المصانع، وألقى يوم الخميس خطابا ناريا، يتجلى فيه الكثير من الشعبوية الترامبية، وبالنسبة للسيسي فإنه بدأ حملة عسكرية تلفزيونية في سيناء الشهر الماضي، وهاجم نائبه العام في الأسبوع الماضي الصحافة الأجنبية".
ويتساءل الكاتب عن سبب اهتمامهما بالانتخابات، ويجيب الباحث في جامعة ستانفورد لاري دايموند، والخبير في توجهات الديمقراطية العالمية، قائلا: "أعتقد أن الجواب واضح، وهو الشرعية"، ويضيف: "لا يزال هناك تشابه اليوم لمبدأ الديمقراطية، حيث يشعر قادة، مثل السيسي وبوتين، أنهم فازوا بناء على عملية انتخابية سطحية تنافسية، وأنهم خيار الشعب".
ويؤكد ديهيل أن "مصر وروسيا بدأتا مسيرتهما نحو دولة الاستبداد في القرن الحادي والعشرين من مكان مختلف عن الصين، فكلاهما شهد انتخابات حرة بشكل نسبي؛ مصر عام 2011، وروسيا منذ انتخاب بوتين عام 2000، وليس من السهل نبذ هذه التقاليد في ليلة وضحاها، ولهذا تصرف كل من بوتين والسيسي بطريقة طردية وتدريجية، من خلال حرمان المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والإعلام الناقد من أي مساحة للتحرك".
ويشير الكاتب إلى أنه "قبل أربعة أعوام سمح السيسي لمعارض حقيقي بمنافسته، وهو اليساري حمدين الصباحي، لكنه في هذا العام حرم أربعة منافسين حقيقيين، بينهم جنرالان سابقان في الجيش، من الترشح، وهدد آخرين لمنعهم من المشاركة في العملية الانتخابية".
ويقول ديهيل: "يزعم الدعائيون المطبلون لبوتين أنه يحظى بدعم كبير وواسع في روسيا كلها، لكن القيصر الجديد لا يسمح بفحص شعبيته أمام منافس حقيقي، فقبل عقد من الزمان سمح لزعيم المعارضة بوريس نيمتسوف للترشح ضد ديمتري ميدفيدف، وقد اغتيل نيمتسوف خارج الكرملين، فيما حظر على المعارض الشعبي ألكسي نافلني خوض انتخابات هذا العام".
ويلفت الكاتب إلى أن "شي قام بتأمين الحكم مدى الحياة، من خلال إلغاء فترتي الرئاسة، لكن لا بوتين أو السيسي قاما بهذه الخطوة، ومن الناحية القانونية فإنه لن يسمح لبوتين بالترشح مرة ثانية بعد نهاية فترته في عام 2024، أما السيسي فإنه قال إنه لن يلغي فترتي الرئيس، ما يعني أنه سيخرج من الرئاسة عام 2022".
ويقول ديهيل: "لعل فقدانهما الشجاعة هو دليل على سياسة العصا والجزرة التي استخدمها شي، فالاقتصاد الصيني قوي، بالإضافة إلى الأمن المحلي، الذي يتبنى أساليب جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي وطريقة التعرف على الوجه، وهناك تكنولوجيا في الصين قادرة على اكتشاف المسافرين الذين يقومون بجنح صغيرة، وتحرمهم من رصيدهم الاجتماعي".
ويجد الكاتب أنه "من الصعب تخيل فيما إن كانت مصر قادرة على تحقيق القدرة التكنولوجية، مثل السيطرة على المواطنين، ويمكن لعملاء بوتين عمل هذا، لكنه سيخرق عقده الخفي مع الروس، وهو تركهم لشأنهم مقابل تسليمهم السياسي له، ولا يمكن للسيسي أو بوتين أن يمنحا شعبيهما تطورا ثابتا في ظروف المعيشة".
ويبين ديهيل أن "هذا كله يشير إلى أن استبداد شي لن ينتشر في أي مكان قريبا، ليصبح بديلا عن الديمقراطية الليبرالية، فلربما كانت القيم الليبرالية في تراجع حول العالم، وحتى في الديمقراطيات الحقيقية، التي تجد نفسها اليوم في موقع الدفاع، إلا أن جاذبية الانتخابات قوية، إلى درجة أنه لن تتخلى عنها حتى الأنظمة القمعية".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى قول دايموند إن ما يطبق على مصر وروسيا ينسحب على دول القوقاز ووسط آسيا وأفريقيا، ويضيف: "الأخبار المفرحة هي أنهم بحاجة للقيام بالعرض.. إلا أن الأخبار السيئة هي أنها عروض فارغة ومزيفة، ومع ذلك يقنعون الآخرين بها".