هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحولت حياة عشرات آلاف الأسر في غزة إلى جحيم يومي بسبب سياسات الخصم
الممارسة على رواتبهم من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله والتي تأتي ضمن الحصار
الخانق الذي يتعرض له القطاع في مجالات عديدة من قبل الاحتلال الإسرائيل منذ 12
عاما.
وعلاوة على نسب الخصومات السابقة التي كانت فرضتها السلطة على رواتب
الموظفين التابعين لها في غزة تم رفضها اليوم مرة أخرى لتصل إلى نحو 50 % من قيمة
الراتب الذي لا يكفي في وضعه الطبيعي لسداد المستلزمات المعيشية في ظل الحصار.
وتراجعت القدرة الشرائية لشريحة واسعة من سكان القطاع نتيجة لتلك
الخصومات بالإضافة إلى الاقتطاعات التي تقدم عليها البنوك لتحصيل أقساط القروض
التي يأخذها الموظفون اعتمادا على رواتبهم.
حرمان الأطفال
وتشتكي ناريمان أبو كامل من الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مع
زوجها وأطفالها الثلاثة في ظل الخصم المتواصل على الراتب.
وقالت أبو كامل لـ"عربي21": "أصبحت غير قادرة على الوفاء
بأقساط المدرسة التي يدرس فيها أطفالي ووصلتني العديد من الخطابات من إدارتها
بضرورة الالتزام بالرسوم الدراسية".
وأضافت: "من أين سأحضر المال لدفع الرسوم؟ لم يعد بالإمكان في
غزة بعد كل هذا التضييق والخصومات والحصار من فرص أخرى لأعمال جانبية حتى للحصول
على المال فالحال أصبح صعبا على الجميع".
وأوضحت أبو كامل أن أطفالها وكذلك غالبية الأطفال في المدرسة
مستلزماتهم الدراسية أصبح من الصعب تلبيتها مثل الدفاتر أو أبسط أدوات القرطاسية
بسبب انعدام المال.
ولفتت إلى أنها تمنع أبناءها من المشاركة في أي نشاط مدرسي يحتاج لدفع
رسوم مالية وقالت: "نحن بالكاد نوفر الطعام والشراب في المنزل فكيف نفكر
برحلات أو نشاطات تحتاج لدفع مالي؟".
وعلى صعيد المستلزمات المعيشية اليومية أشارت أبو كامل إلى أن الأسعار
ترتفع شيئا فشيئا في ظل تدهور القدرة الشرائية، وتابعت: "اللحوم أصبحت بالنسبة
لنا ترفا وغالبية الأسر في الحي ربما لم تتذوقه منذ أشهر لعدم قدرتها على
شرائه".
وأضافت: "أولادي أصيبوا بحالة اكتئاب بسبب الرفض المتكرر
لطلباتهم سواء بشراء الحلوى من البقالات أو شراء الألعاب وغيرها من أبسط ما يطلبه
الأطفال في سنهم".
حياتنا بالديون
أما ميرفت أبو العينين فقالت إنها ومنذ نحو 4 سنوات لم تتقاض أي مبلغ
مالي من راتبها بعد قطعه بشكل كامل.
وأوضحت أبو العينين لـ"عربي21" أنها منذ 3 أشهر لم تدخل إلى
منزلها لحم الدواجن بسبب تردي الحالة الاقتصادية وعدم وجود مصدر للدخل لتغطية أكثر
الحاجات الملحة في حياتها.
وقالت: "باتت حياتنا قائمة على الاستدانة من أصحاب البقالات
ومحلات الخضار الذين هم أيضا تضرروا من عدم سداد ديونهم ونحن في المقابل نأخذ ولا
ندري متى يمكننا أن نسدد هذه الديون".
وتشير إلى أن المشكلة لم تقتصر على الفقراء بل طالت حتى الميسورين ولجأ
الكثير منهم ممن لديه بعض الممتلكات أو الأملاك لبيعها من أجل تلبية احتياجاته.
حافة المجاعة
المتحدث باسم هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار
عن غزة أدهم أبو سلمية قال إن الحصار المشدد المفروض من قبل الاحتلال والإجراءات
العقابية التي فرضتها السلطة تصاعدت خلال الفترة الماضية لا شك أنها زادت من
الصعوبات اليومية التي يواجهها المواطن في غزة.
وأوضح أبو سلمية لـ"عربي21" أن اقتصاد
القطاع يرتكز على رواتب موظفي السلطة والمؤسسات الدولية ونقص السيولة أدى لتدهور
كبير في القدرة الشرائية وخاصة خصم ما قيمته 20 مليون دولار شهريا من رواتب
الموظفين والتي كانت تساهم بشكل كبير في تحريك السوق.
وأشار إلى أن الخصومات الكبيرة ألحقت الأضرار
بكافة القطاعات خاصة أن هناك قروضا مستحقة للبنوك على الموظفين والتي تقتطع مبالغ
كبيرة منهم ولا يتبقى من المرتب ما يكفي لجلب أبسط احتياجات الطعام.
وضرب أبو سلمية أمثلة لمدى تدهور الوضع المعيشي
لسكان القطاع نتيجة لقطع الرواتب وقال إن ولي أمر واحدة من الطالبات المتفوقات
بغزة منعها من تقديم شهادة الدراسة الثانوية بسبب رسوم الحصول على استمارة
الامتحان البالغة نحو 20 دولارا.
وأضاف: "هناك طالب آخر اضطر لبيع كيس
طحين في المنزل كانت العائلة بأمس الحاجة إليه من أجل شراء استمارة الدخول لامتحان
الثانوية" .
وشدد على أن غالبية سكان القطاع الآن أصبح
همهم البقاء على قيد الحياة ومنع حدوث كارثة جوع عبر الاهتمام بتوفير الطعام
والشراب الأساسي.
وأشار أبو سلمية إلى أن قيام سكان القطاع في
الأحياء والتجمعات بعمل مبادرات تكافل اجتماعي من أجل الصمود والبقاء على قيد الحياة
ومنع حدوث مجاعة بالإضافة لما يأتي للقطاع من مساعدات من مؤسسات دولية وخيرية
وآخرها المبادرة القطرية بشاحنات المساعدات لغزة.